ما السر وراء الإزهار المذهل في الصحراء الأكثر جفافا في العالم؟

  • 10/24/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أن صحراء أتاكاما، هي أكثر الأماكن جفافا على وجه الأرض، إلا أنها بعيدة عن أن تكون قاحلة. إذ يزهوهر في هذه الصحراء، التي تمتد لمسافة 1600 كيلومتر على طول الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، العديد من أنواع النباتات التي تتكيف مع الظروف القاسية. وعلاوة على ذلك، تستضيف هذه الصحراء كل خمس إلى عشر سنوات تقريبا، من سبتمبر إلى منتصف نوفمبر، أحد أكثر المشاهد الطبيعية إثارة في العالم، ما يسمى بـ "إزهرار الصحراء" (desierto florido  بالإسبانية، ومعناها حرفيا: الصحراء المزهرة)، وهي ظاهرة تشهد تفتح الأزهار بشكل جماعي مذهل يحدث عادة بعد هطول الأمطار. وهو ما تشهده المنطقة حاليا عقب هطول أمطار غزيرة في وقت سابق من هذا العام، ما جلب اهتمام وسائل الإعلام من جميع أنحاء العالم. وحقق فريق دولي من العلماء في الآليات الفسيولوجية والتطورية التي تتيح التنوع الكبير في الأشكال والألوان والأنماط المرئية للزهور خلال "إزهرار الصحراء". وفي الورقة البحثية المنشورة في مجلة Frontiers in Ecology and Evolution، قال الدكتور خايمي مارتينيز هارمس، الباحث في معهد البحوث الزراعية في لا كروز، تشيلي: "كان هدفنا إلقاء الضوء على الآليات البيئية والتطورية التي تسبب التنوع البيولوجي في البيئات القاسية مثل صحراء أتاكاما. ونوضح هنا أن أزهار pussypaw Cistanthe longiscapa، وهي النوع التمثيلي لـ"إزهرار الصحراء" في صحراء أتاكاما، متغيرة بدرجة كبيرة في اللون والأنماط التي تقدمها إلى الملقحات. وربما ينتج هذا التباين عن أصباغ مختلفة تسمى البيتالين  (مواد لونية تعطي بعض أنواع الخضر و الفاكهة والأزهار لونها)  في بتلات الزهور". ودرس مارتينيز هارمس وزملاؤه حدثا مماثلا في أواخر عام 2021 بالقرب من مدينة كالديرا في شمال تشيلي. وعلى الرغم من كونه أصغر حجما من الحدث الجاري حاليا في صحراء أكتاما، إلا أنه كان مرئيا بوضوح للأقمار الصناعية. وكان النوع السائد هو C. longiscapa من عائلة المونتيات، وهو نبات سنوي يصل ارتفاعه إلى 20 سم، والذي يزهر في بقعتين متميزتين يبلغ قطرهما عشرات الكيلومترات. وتتكون هذه البقع من زهور أرجوانية وصفراء متجانسة بالنسبة لعين الإنسان. فيما بينها نما العديد من الزهور الوسيطة (الضاربة إلى الحمرة والوردي والأبيض) من نفس النوع، ما يشير إلى أن الأشكال الأرجوانية والصفراء هي متغيرات وراثية يمكنها أن تتزاوج. ومن أجل توضيح كيف ترى الملقحات، ومعظمها من غشائيات الأجنحة (نوع من الحشرات مثل الدبابير والنحل)، بأعينها المركبة وحساسيتها، هذه الزهور، استخدم مارتينيز هارمس وزملاؤه الكاميرات الحساسة للضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية ومقاييس الطيف لقياس الانعكاس والامتصاص ونقل الأطوال الموجية المختلفة بواسطة بتلات ما مجموعه 110 زهور أرجوانية، صفراء، حمراء، وردية، بيضاء. وقد مكنهم ذلك من إنتاج صور مركبة لهذه المتغيرات كما يراها العديد من أنواع الملقحات. أظهرت النتائج أن التنوع الملموس للملقحات كان أكبر مما يمكن للعين البشرية أن تدركه، لأن هذه الحشرات يمكنها أيضا التمييز بين الأزهار العاكسة للأشعة فوق البنفسجية عكسا مرتفعاً من تلك التي تعكسها عكسا منخفضا. على سبيل المثال، يمكن لغشائيات الأجنحة، مثلنا تماما، التمييز بسهولة بين المتغيرات الأحمر والأرجواني والأبيض والأصفر. ولكن يمكنها أيضا التمييز بين الزهور العاكسة الأشعة فوق البنفسجية عكسا مرتفعا أو منخفضا كالزهور الصفراء والأرجوانية. وكان الاستثناء هو اللون الوردي العاكس للأشعة فوق البنفسجية والحمراء في C. longiscapa، التي تختلف تماما عن عيون الإنسان، ولكن من المحتمل أنها تشبه غشائيات الأجنحة. وربما يرجع هذا التنوع البصري لزهور C. longiscapa بشكل أساسي إلى الاختلاف بين أصباغ البيتالين (أصباغ صفراء وبرتقالية وأرجوانية)، والتي لا تعطي الأزهار ألوانا فحسب، بل إنها تحميها أيضا من الجفاف وإجهاد الملح والأضرار الناجمة عن جذور الأكسجين التفاعلية تحت الضغط البيئي - وهي سمات مفيدة للغاية في الصحاري. وافترض العلماء أن التنوع الدائم الملحوظ داخل أزهار C. longiscapa مدفوع بالاختلافات في الحساسية والتفضيل للألوان والأنماط المختلفة عبر العديد من أنواع الملقحات: تجربة تطورية تجري الآن، والتي غالبا ما تفلت من بصرنا. وأوضح مارتينيز هارمس: "يمكن تفسير الاختلاف الكبير في لون الزهرة داخل C. longiscapa إذا كانت الأنواع المختلفة من الحشرات الملقحة، من خلال تفضيلها لألوان وأنماط أزهار معينة، يمكن أن تتسبب في عزل هذه المتغيرات تكاثريا عن الآخرين من نفس النوع النباتي. وقد تؤدي هذه العملية المستمرة في النهاية إلى نشوء أجناس أو أنواع جديدة، وهذا مستمر. ويمكن أن تؤدي العملية في النهاية إلى تكوين سلالات أو أنواع جديدة ". وتابع: "في دراساتنا القادمة، سنقوم بالتحقيق بشكل أكبر في الهوية الكيميائية ومسارات التوليف البيولوجي للبِتالين وأصباغ الأزهار الأخرى، بالإضافة إلى علاقتها بسمات مثل الروائح، التي تنتجها الأزهار. وهذا من شأنه أن يساعدنا على فهم دورها في تشكيل التفاعلات بين النباتات والملقحات الخاصة بها، وفي تحمل النباتات للضغوط الحيوية وغير الحيوية في ظل ظروف مناخية متقلبة". المصدر: phys.org تابعوا RT على

مشاركة :