كان اجراء لقاء صحفي مع وزير الخارجية الإيراني الاسبق منوشهر متكي اهم ما سعيت اليه كصحفية في برنامج زيارتي الى ايران في العام 2009 والتي حدد موعدها قبل بدء الانتخابات الإيرانية بأقل من شهر. بدا الوزير متكي - خلال اللقاء في مكتبه في مبنى الخارجية الإيرانية في طهران - مرحبًا ولطيفًا على خلاف الانطباع الذي كان قد تشكل لدي منذ اخر مؤتمر صحفي كان قد عقده في مبنى وزارة الخارجية في المنامة في نفس العام، عندما وصف سؤالي له بـ«المحاولات الامريكية الخبيثة» بعد ان عرفت عن نفسي خلال المؤتمر كمراسلة لإحدى الإذاعات الامريكية الدولية، ففهمت ان «لعن» الشيطان الأكبر لدى الدبلوماسيين الإيرانيين هو بمثابة «طقوس» يجب التأكيد عليها في المؤتمرات الصحفية. وصلنا الى السؤال الذي كان لا بد منه حول الإدارة الامريكية الجديدة بقيادة الرئيس الأمريكي الأسبق براك أوباما، الذي لم يكن قد مضى سوى شهور قليلة على وصوله الى البيت الأبيض، وافترضت ان نبرة الوزير سوف تحتد، وندخل في سياق العبارات الهجومية التي كنت قد اعتدت على سماعها لسنوات خلال اي لقاء مع مسؤول إيراني عندما يأتي ذكر الولايات المتحدة، لكن على خلاف ذلك، بدا الوزير الإيراني اكثر دبلوماسية بالحديث عن الإدارة الجديدة، بل قلل فعليًا من احتمالية ان تتجه الإدارة الامريكية الجديدة لأي سياسات تصعيدية مع طهران، وكأن حال لسانه يقول ان اخر ما تريده الإدارة الامريكية الجديدة المزيد من المتاعب بعد «ورطة» العراق. واقعيًا، كانت ايران اول الرابحين من حرب الولايات المتحدة في العراق مستفيدة من الفراغ السياسي الذي احدثه اسقاط نظام صدام حسين، وهو ما ساعدها على مد نفوذها الى جميع المؤسسات الرسمية في العراق بفضل الروابط «الاستخباراتية» والسياسية مع عدة اطراف في العراق. كما وصفته تقارير دولية بالمنافع الاستراتيجية غير المتوقعة التي حصدتها ايران بفضل هذه الحرب «1». لقد تورط الامريكان عبر الوجود في العراق، فيما كسب الإيرانيون النفوذ، وهو ما كان يعبر عنه دومًا السفير الإيراني الأسبق لدى البحرين حسين عبداللهيان «2» في كل لقاء صحفي اجريته معه بنبرة لا تخلو من التباهي بعبارة «لدى الامريكان وجود في العراق، اما نحن فلدينا النفوذ». لذلك شكلت «الثورة الخضراء» التي اندلعت في ايران في اعقاب نتائج الانتخابات التي أتت نتائجها المعلنة لصالح الرئيس احمدي نجاد - حزيران 2009 ما يمكن وصفه بمصدر احراج للرئيس أوباما الذي تحاشى بشكل واضح تقديم الدعم لهذه الثورة، بخلاف تصريحات محدودة تظهر شيئا من التضامن امام الرأي العام العالمي الذي كان يشاهد «الباسيج» وهم يقعمون المتظاهرين «3». لكن خلف كواليس هذه التصريحات، كان الرئيس اوباما قد امر وكالة الاستخبارات الامريكية «سي أي ايه» بقطع الاتصالات مع مؤيدي الثورة الخضراء، «4» وهو ما يتناقض تمامًا مع تعاطي الإدارة ذاتها مع الاحداث التي شهدتها المنطقة العربية لاحقًا، والتي عرفت بـ«الربيع العربي» في العام 2011 ومن بينها احداث مصر، حين حث الرئيس أوباما الرئيس المصري الراحل حسني مبارك على التنحي والرحيل على الفور بلغة استفزت من يختلف مع الرئيس مبارك قبل من يتفق معه! هذا التعاطي الأمريكي مع حليف قوي له ثقله الاستراتيجي في الشرق الاوسط مثل مصر لم يكن واقعيًا نتيجة للاحتجاجات. فقبل ذلك عقد احد مسؤولي حقوق الانسان في الخارجية الامريكية لقاء مع الصحافيين خلال مشاركته في «حوار المنامة 2010» «5»، ودون مقدمات تحدث المسؤول عن مصر بلغة لا تشبه عقودا من الصداقة والشراكة بين البلدين، يومها خرجت بانطباع واحد من هذا اللقاء يمكن تلخيصه بعبارة شعبية نرددها في بلادنا» اللي يتغطى بالامريكان ينام عريان«، لذلك عندما يخرج الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما قبل أيام قليلة بتصريحات يعتبر فيها عدم دعمه لثورة الإيرانيين في 2009 «خطأ» فهذا ليس مجرد خطأ، بل استراتيجية اعتمدها الرئيس أوباما الذي كان يبحث عن شيء واحد فقط، وهو التوصل الى اتفاقية مع ايران، لذلك لم تكن الثورة الخضراء وما تخللتها من اعدامات بالرصاص الحي لتغير شيئا في حسابات أوباما الذي مد يده سرًا لطهران سعيًا وراء صناعة انجاز يحسب لفترة رئاسته حتى لو كان الخروج باتفاقية ولدت مشوهة. وهذا ما يفسر قرارات أوباما «الحقوقية» حين ألغى بنفسه برنامج الولايات المتحدة الامريكية الذي كان يستهدف توثيق انتهاكات حقوق الانسان في ايران! لقد فهم الإيرانيون أوباما اكثر من محاولاته قراءتهم. واليوم لا يبدو هذا الاعتراف ذا قيمة امام تراجع الديمقراطيين في استطلاعات الرأي قبيل انتخابات النصف التي ستجرى الشهر المقبل، ولا تأثير واقعي لهذا الاعتراف من رئيس سابق راهن على«الخيار الإيراني» رغم كل الاعتبارات. هوامش «1» تقرير لفورين بولسي تحت عنوان «من كسب في العراق؟» نشر في مارس 2007. «2» حسين عبداللهيان، وزير الخارجية الإيراني منذ صيف 2021، كان قد شغل منصب سفير للجمهورية الإسلامية لدى مملكة البحرين «2007-2010». «3» الاحتجاجات الإيرانية التي اندلعت ضد نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية في العام 2009 دعمًا للمرشحين الاصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي. وقد سميت حينها بـ«الثورة الخضراء»، و«الصحوة الفارسية»، والتي خلفت مئات من القتلى والاف المعتقلين. «4» كتاب «حروب ايران» للكاتب الأمريكي جاي سولومون - شغل سابقًا كبير مراسلي الشؤون الدولية في صحيفة «وول ستريت». «5» القمة الأمنية السابعة «حوار المنامة 2010» عقدت في 3-5 ديسمبر 2010.
مشاركة :