الخرطوم – الوكالات: أطلقت قوات الأمن السودانية قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين نزلوا بالآلاف أمس إحياءً للذكرى الأولى لإجراءات العسكر وللمطالبة بحكومة مدنية قادرة على إخراج البلاد من المأزق، في الوقت الذي قُطع فيه الاتصال بالإنترنت. ومنذ الصباح الباكر، بدأ الجانبان في التحرك: أقام المتظاهرون متاريس لإبطاء تقدم قوات الأمن التي قامت من جهتها بإغلاق كل الجسور التي تربط بين ضفتي نهر النيل في العاصمة السودانية لمنع المحتجين من الوصول الى القصر الجمهوري. في محيط ذلك القصر، أطلقت الشرطة قنابل الغاز في محاولة لتفريق الحشود، بحسب ما قال شهود. وتظاهر الآلاف كذلك في شوارع مدن ود مدني والأبيض والقضارف وبورسودان في الشرق وعطبرة في الشمال ونيالا في جنوب غرب دارفور. ومرة أخرى كرر المتظاهرون شعارهم الرئيسي «لا تفاوض ولا شراكة مع الانقلابيين». في مثل هذا اليوم من العام الماضي، تراجع قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان عن كل التعهدات التي قطعها قبل عامين بتقاسم السلطة مع المدنيين تمهيدا لانتخابات حرة في السودان. عند الفجر، أمر يومها باعتقال كل القادة السياسيين والوزراء المدنيين في الحكومة، واستأثر الجيش بالسلطة. ومنذ ذلك الحين، ينقطع الاتصال بالإنترنت في الوقت الذي يُنظّم فيه أيّ تحرك ضدّ تحرك البرهان، كما هي الحال أمس. رغم كلّ ذلك، «خرج مئات التلاميذ والطلاب في عطبرة»، حسبما قال لوكالة فرانس برس عادل محمد. وهتف المتظاهرون حاملين الأعلام، «العسكر إلى الثكنات» و«سلطة مدنية». منذ الليلة قبل الماضية، خرجت مواكب تدعو إلى التظاهر في الخرطوم وضواحيها ومدن عدّة. واستباقاً لذلك، أعلنت ولاية الخرطوم يوم عطلة في جميع الإدارات والمدارس. ومنذ عام، يتحدّى أنصار الديموقراطية القمع كل أسبوع وينزلون الى الشوارع للاحتجاج والدعوة الى «عودة العسكر الى الثكنات». وخلال هذه الفترة، قُتل 118 متظاهراً أثناء مطالبات بعودة السلطة الى المدنيين، وهو شرط رئيسي يضعه المانحون الدوليون لاستئناف مساعداتهم المالية التي علّقت احتجاجا على إجراءات العسكر. بات الوضع الاقتصادي في السودان كارثياً. بين تضخّم يزيد عن المئة في المئة ونقص في المواد الغذائية، أصبح ثلث السودانيين البالغ عددهم 45 مليونا يعانون من الجوع، وهو رقم يزيد بنسبة 50% على العام الماضي، بحسب برنامج الاغذية العالمي. ووفق البرنامج، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 137%، ما جعل العائلات تخصّص «أكثر من ثلثي دخلها للغذاء». وإضافة الى قلق السودانيين الأول، وهو تدهور قوتهم الشرائية، يخشى كثيرون - بعد ثلاث سنوات على ثورة العام 2019 - عودة الدكتاتورية القائمة على التحالف بين الإسلاميين والعسكريين. فمنذ تحرك البرهان، استعاد العديد من أنصار البشير مناصبهم، وخصوصا في القضاء الذي يحاكم أمامه حاليا الدكتاتور السابق. وفوق كل هذا، تسود ضبابية في ما يتعلّق بالوضع السياسي في البلاد، ويستبعد المراقبون والمحلّلون أي إمكانية لإجراء الانتخابات التي وعدت السلطات الحالية بتنظيمها في صيف 2023. وليس هناك أي وجه سياسي على استعداد للانضمام الى حكومة مدنية يعد بها باستمرار الفريق البرهان. كما لم تسفر الوساطات الدولية أو المبادرات المحلية عن نتائج.
مشاركة :