الشاهين الاخباري في تمام الساعة الخامسة فجرا، يذهب المصري محمد نصار يوميا إلى عمله في صيد السمك مُبحرا بزورقه الخشبي في مياه نهر النيل، منطلقا من ضفاف جزيرة القرصاية بمحافظة الجيزة حيث يقطن بحثا عن رزقه. وحين تمتلئ شباكه بالسمك البلطي الذي ينتهي من بيعه بعد صلاة الظهر، يعود نصار إلى زورقه ليمشط النيل بحثا عن المخلفات وبالأخص النفايات البلاستيكية. ويجمع نصار (59 عاما) النفايات ليأخذها إلى مقر مبادرة (فيري نايل) بجزيرة القرصاية ليتم وزنها ويحصل مقابل الكيلوغرام الواحد منها على 14 جنيها مصريا، في نشاط يقلل من تلوث مياه النيل ويزيد من دخله الشهري. وتعمل مبادرة فيري نايل، التي بدأت عام 2018، على تطوير وسائل مستدامة لتنظيف نهر النيل وإعادة تدوير النفايات الصلبة. يقول هاني فوزي، مدير مشروع الصيادين بمبادرة فيري نايل، إن حماس الشباب مؤسسي المبادرة نابع من خوفهم على “مصدر الحياة في مصر” وحزنهم من “سوء المعاملة” التي يلقاها. ويضيف “من هنا جاءت فكرة المبادرة، لننظف النيل ونطهره من المخلفات، ونستخدم المخلفات حتى تكون لها قيمة اقتصادية أعلى من كونها قمامة”. وانضم نصار لمبادرة تنظيف النيل منذ عامين تقريبا. ويوضح أن معدل النفايات يزيد في أيام العطلات الأسبوعية حيث يلقي زوار المطاعم النيلية والسفن السياحية بالمخلفات في النيل ويصل كم النفايات التي يجمعها في تلك الأيام إلى 70 كيلوغراما في اليوم. لكن بمنتصف الأسبوع يجمع حوالي 20 كيلوغراما يوميا من النفايات البلاستيكية. وتوضح تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن نفايات البلاستيك تستغرق ما بين 20 عاما و500 سنة لتتحلل، وحتى في ذلك الحين لا تختفي تماما، لكن فقط يصغر حجمها. ويشير نصار إلى أن ازدياد كم النفايات الملقاة في النيل له أثر سلبي على عمله في صيد السمك قائلا إن “الشبكة التي نعمل بها ناعمة، وممكن لأي قمامة تدخل فيها تقطعه، لكن عند تنظيف النيل نعمل ونحن مطمئنون”. وعلى مدار الأعوام الأربعة الماضية، نجحت مبادرة فيري نايل في جمع 180 طنا من النفايات، وبنهاية عام 2020 اتجه ناشطوها إلى توسعة نشاطهم ليشمل ورشة لإعادة تدوير الأكياس البلاستيكية وتحويلها إلى منتجات مختلفة. وتقود نساء الجزيرة هذه الورشة التي كانت بمثابة فرصة لهن للمشاركة في جهود حماية البيئة بالإضافة إلى تمكينهن اقتصاديا. وتقدمت ابنة أخت نصار، هيام محمد (42 عاما) إلى العمل بتلك الورشة للمساهمة في رفع الأعباء المادية عن كاهل أسرتها. وأصبحت مسؤولة عن تعقيم وكي الأكياس البلاستيكية وإعادة تدويرها إلى ما يشبه قطعة القماش السميكة حتى يتم تصميمها إلى منتج صديق للبيئة. وفرحت هيام بانضمامها لخالها في العمل البيئي، وتشعر بأنها تساهم في عمل جماعي يحسن من نظافة النيل. وتقول هيام “النيل يبقى نظيفا، والمنظر جميل للسياح، بدلا من أن ترمي الناس القمامة في البحر أو الأرض تعمل شيء مفيد”. ولم تكن هيام آخر أفراد عائلة نصار انضماما إلى المبادرة. فبعد أن بدأت هيام العمل في الورشة، بدأ ابنها يحيى (22 عاما) وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهو مولود أصم، العمل معها في المبادرة. ويقوم يحيى بالعديد من الأدوار الحيوية، إذ يجدف بالقارب الذي يقل العاملين بالمبادرة من وإلى الجزيرة، وهو أيضا مسؤول عن نظافة المخازن، بالإضافة إلى تقديم المساعدة للعاملين في “فرن البلاستيك” حيث يتم كبس البلاستيك الذي يجمعه الصيادون من النيل وتحويله إلى بالات وتقسيمه حسب اللون. وبحسب فوزي، فإن البلاستيك الشفاف والأبيض يتم تحويله إلى حبيبات صغيرة ويتم تصديره إلى الخارج، إذ يدخل في صناعات الغزل المختلفة. أما البلاستيك الملون فيتم بيعه إلى أحد مصانع الأسمنت في مصر ليستخدم كبديل للوقود الملوث للبيئة. وتقول هيام إن العمل مع المبادرة كان له أثر إيجابي على يحيى، الذي لم يتمكن من إيجاد فرصة عمل ملائمة لظروفه رغم حصوله على شهادة الثانوية العامة، مضيفة أنه “يفرح كثيرا عندما يذهب إلى النيل في القارب ويجد أشياء ويحضرها ويفرح كثيرا عند تنظيفه”. والمبادرة التي بدأت بمشاركة أربعة صيادين فقط، أصبح بها اليوم ما يقرب من 65 صيادا يعملون جميعا بلا كلل على تطهير النيل من المخلفات مضيفين لأنفسهم مصدر رزق آخر بجانب صيد السمك. ويؤكد نصار أنه كان سيهتم بتنظيف النيل حتى بدون عائد مادي قائلا “أليست بلدنا ونيلنا؟ ونعمل ونكسب رزقنا فيها؟ لو تركتها أنا وغيري لم نستطع حينها وضع أدوات الصيد في المياه”. رويترز الوسوم الشاهين الاخباري عربي مصر
مشاركة :