وكان الرجلان يبتسمان عندما خرج شولتز من سيارته المرسيدس السوداء في ساحة قصر الإليزيه لمصافحة ماكرون. تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ بعد أقل من ثلاثة أشهر على استلام شولتس المستشارية الألمانية في كانون الأول/ديسبمر الماضي، بأزمات في فرنسا وألمانيا اللتين اتخذتا عدة قرارات بسبب ضغط الحرب أثارت تداعياتها قلق الجانبَين. وأدى قرار برلين بإنفاق ما يصل إلى 200 مليار يورو لدعم أسعار الغاز المرتفعة ورفضها تحديد سقف لأسعار الطاقة على مستوى الاتحاد الأوروبي، إلى إثارة قلق وعواصم أوروبية أخرى تخشى تأثير القرار الألماني على تكاليف الطاقة لديها. وتتلقى فرنسا طلبات التزام للتعاون في مجال الدفاع، نظرًا لخطط ألمانيا لإنشاء درع صاروخية مع دول أخرى من حلف شمال الأطلسي باستخدام معدات أميركية. وتواجه المشاريع المشتركة طويلة الأجل لتطوير مقاتلات ودبابات جديدة إحجامًا من شركات الأسلحة الكبرى تفاقم منذ اندلاع الحرب. وظهر عمق الخلافات في التأجيل الأخير لاجتماع وزاري مشترك بين باريس وبرلين هو أول لقاء من نوعه مذ أصبح شولتس مستشارًا. والتوقعات محدودة لمحادثات الأربعاء بحيث أن جدول الأعمال الذي صدر عن الإليزيه لم يذكر عقد أي مؤتمر صحافي مشترك قبل أو بعد الغداء. وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان "سيواصل القائدان محادثاتهما بشأن الدفاع والاقتصاد والطاقة بهدف تعزيز التعاون الفرنسي الألماني". توقيت غير مناسب تأتي الخلافات بين أكبر اقتصاديين أوروبيين في التوقيت غير المناسب. وتزامن الغزو الروسي لأوكرانيا وما نتج عنه من اضطراب في إمدادات الطاقة مع تصاعد التوترات بين الصين والغرب، فضلًا عن ازدياد المخاوف من عودة الانعزاليين إلى السلطة في واشنطن. وتختلف برلين وباريس بشأن تكييف الاتحاد الأوروبي ليكون مرنًا أكثر في مواجهة التحديات الجديدة ولاستقبال أعضاء جدد بشكل أسرع. وقال وزير الخارجية الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان عبر إذاعة "فرانس انتير"، "لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا ألّا يكون لدينا أوروبا متحدة وقوية في هذه اللحظة من التاريخ. ... يبدأ هذا بحوار فرنسي ألماني مثمر". كان ماكرون قد قال إن قطع العلاقات مع روسيا يعني أن ألمانيا تواجه "تغييرًا في نموذجها يجب عدم الاستخفاف بطبيعته المزعزعة للاستقرار". وكان شولتس قد أشار إلى ذلك حين أعلن عن "حقبة جديدة" في سياسة الدفاع الألمانية مدعومة بالإنفاق الهائل على جيش ألمانيا المنهك. ورغم أن حلفاء برلين رحبوا بتغيير الاتجاه بعد سنوات من قلة الاستثمار، فإن تدفق السيولة لم يترجم إلى عقود كبيرة للاتحاد الأوروبي أو لشركات الأسلحة الفرنسية بشكل خاص، ما يشكّل أحد الدوافع وراء دعوات ماكرون لسيادة أوروبية أوسع. بدلاً من ذلك، تسارع ألمانيا لشراء سلع أميركية الصنع باهظة الثمن مثل مقاتلات "اف-35" وأنظمة الدفاع الجوي "باتريوت". "زواج الضرورة" ويعتبر عدة مراقبين أن الخلافات متأصلة في العلاقة بين دولتين كبيرتين لهما مصالح غالبًا ما تتباعد. واعتبر مصدر دبلوماسي فرنسي إنه "زواج الضرورة" بين فرنسا وألمانيا، مضيفًا "هذه ليست أزمة أساسية، بل قاعدة العلاقة". وقال الخبير في السياسة الألمانية في معهد مونتاني Institut Montaigne الفرنسي ألكساندر روبيني-بورغومانو "هذه العلاقة الفرنسية الألمانية شهدت دائمًا فترات برودة ولحظات من التوتر ثم إحماء من جديد". وأضاف "غالبًا ما تتوصل فرنسا وألمانيا إلى تخطي خلافاتهما لطرح حلّ مشترك في فترات الأزمات التي تكون فيها الاستجابة الأوروبية أساسية". لكن قد يكون ذلك أكثر صعوبة مع قادة لم يطوّروا علاقة شخصية متينة. وأوضح المصدر الدبلوماسي "كان ماكرون و(المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا) ميركل يتراسلان يوميًا. لا أعتقد أن (ماكرون وشولتس) يتحدثان يوميًا".
مشاركة :