الآن تدعو الحكومات إلى "دعم الأصدقاء" من خلال سياسات "مثل التعريفات الجمركية أو إعانات الدعم أو الحظر الصريح"، تهدف إلى تحويل أنماط التجارة في دولها نحو حلفاء استراتيجيين وشركاء آخرين أكثر جدارة بالثقة. يشكل هذا جزئيا استجابة لارتباكات محتملة مرتبطة بتزايد استخدام التجارة والتمويل لاكتساب النفوذ في العلاقات أو النزاعات الدولية. في حين قد يكون بوسعنا مناقشة الفوائد الأمنية المترتبة على هذه السياسات، فمن الواضح أنها تضخمية، لأنها تحول سلاسل التوريد صراحة بعيدا عن المصادر الأقل تكلفة. الواقع أن إعادة التصنيع إلى الداخل تعد نسخة أشد تطرفا من دعم الأصدقاء، وتكاليف هذا التوجه باهظة إلى الحد الذي يصبح من المستحيل معه تبرير السياسات التي تشجعه، إلا في القطاعات التي تظهر نقاط ضعف شديدة فيما يتصل بالاقتصاد والأمن الوطني. على سبيل المثال، بسبب الحرب في أوكرانيا، تبنت أوروبا تنويع نظام الطاقة بسرعة نسبيا لإنهاء اعتمادها على الطاقة الروسية. ستؤدي هذه العملية إلى ارتفاع تكاليف الطاقة في الأمد البعيد ـ على الأقل إلى أن تصبح تكنولوجيات الطاقة المتجددة قابلة للتنفيذ بشكل كامل بعد عدة عقود من الآن ـ فضلا عن فرض ضغوط تضخمية إضافية كبيرة على مدى الأعوام العديدة المقبلة. مع تزايد قوة الدولار، أدى الارتفاع السريع في أسعار السلع الأساسية ـ بما في ذلك أسعار المواد الغذائية وأشكال الوقود المقومة بالدولار ـ إلى تضخيم الارتفاع التضخمي في مجموعة واسعة من الدول. وهذا التأثير قوي، خصوصا في الدول النامية الأقل دخلا، حيث يمثل الغذاء والطاقة حصة أكبر من الطلب الكلي والإنفاق الأسري. وبالفعل، يواجه عديد من هذه الدول نقصا في الغذاء والطاقة فضلا عن أزمات القدرة على تحمل التكلفة. في الولايات المتحدة، تشير مجموعة متنامية من الأدلة إلى أن الصناعات أصبحت أكثر تركزا، بالقيمة المطلقة والنسبية مقارنة بأوروبا. ربما يمكننا مناقشة الأسباب وراء هذا الاتجاه ـ يلقي توماس فيليبون من جامعة نيويورك بقسم كبير من اللوم على إخفاقات سياسة المنافسة ـ لكن لا يوجد مجال كبير للشك في أن التضخم يجعل تركز السوق مشكلة أكبر. تنبئنا النظرية الاقتصادية أن التضخم، في سوق شديدة التنافسية، يجب أن يعمل كدافع للبحث عن مكاسب الإنتاجية. لكن هذا الحافز أصبح ضعيفا في صناعات احتكارات القلة، حيث يتمتع شاغلو المناصب بقدرة معززة على تمرير زيادات التكلفة عبر زيادات الأسعار التي تحافظ على الهامش. أخيرا، لا تزال مستويات الديون في مختلف قطاعات الاقتصاد العالمي مرتفعة بسبب الجائحة، وتعني بيئة اليوم التي تتسم بارتفاع أسعار الفائدة، أن الحيز المالي من المحتمل أن ينكمش. لكن التحول إلى الطاقة النظيفة من المتوقع أن يتطلب استثمارات تقدر بنحو ثلاثة تريليونات دولار سنويا على مدار العقود الثلاثة المقبلة. وإذا جرى تمويل قسم كبير منها بالاستدانة، كما يبدو مرجحا، فإن الزيادة في الطلب الكلي في بيئة عالمية من العرض المقيد من شأنها أن توجد ضغوطا تضخمية إضافية. من شأن زيادة الإنتاجية عريضة القاعدة أن تعمل على تخفيف التأثيرات المجمعة المترتبة على هذه الضغوط التضخمية. وتتمتع التكنولوجيات الرقمية والبيولوجية بإمكانات هائلة في هذا الصدد. لكن تطويرها وطرحها في الأسواق سيستغرقان بعض الوقت. في غضون ذلك، لن يكون بوسعنا الاستمرار في الاعتماد على استجابات العرض عالية المرونة لتخفيف الضغوط التضخمية. ويجب أن تتكيف أطر السياسة المالية والنقدية مع هذا الواقع الجديد الأشد صعوبة. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2022.
مشاركة :