يحتدم الجدل بين أنصار المصلحة الوطنية ودعاة العولمة في العالم حتى إنه كاد يتحول إلى صراع لا نهاية له. فخلال جولتها الانتخابية الفاشلة الأخيرة، كررت ماري لوبان زعيمة جبهة اليمين الفرنسية، أكثر من مرة القول إن السياسات المناصرة للعولمة تهدد المصالح الوطنية لفرنسا وغيرها من الدول. وإذا كان هناك من يعتقد أن لوبان على حق أو من يدور في الفلك نفسه، فلا شك في أن قضية العولمة سوف تواجه هذا العام تحديات من نوع خاص، تتمثل في مواجهة دعاة الحرص على المصلحة الوطنية أولاً. ومن أبرز التحديات السياسية لهذا العام هو الدفاع عن قضية العولمة مع تصاعد الأصوات الداعية للتركيز على المصالح القومية، سواء في فرنسا على لسان ماري لوبان، أو في الولايات المتحدة حيث يسعى دونالد ترامب لركوب موجة القومية للوصول إلى الرئاسة، أو حتى في روسيا التي يحارب فيها فلاديمير بوتين على أكثر من جبهة دفاعاً عن مصالح روسيا القومية. ومما لا شك فيه أن فوائد العولمة تشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية. فعلى صعيد الاقتصاد تعتبر العولمة المنهج الأكثر دعماً لحركة التجارة العالمية وحرية انتقال الاستثمارات وهو العامل الذي يدعم ازدهار الدول ويوسع خيارات مواطنيها. ودعاة العولمة أشد مناصرة لفتح الحدود وعداء لإغلاقها. ومن الناحية السياسية توازي العولمة مفهوم العالمية من حيث كونها تنظر للعالم كوحدة متجانسة في مواجهة المشكلات والأخطار التي تهدده، ومنها التغيرات المناخية والهجرات التي لا يمكن معالجتها إلا في إطار الجهد الجمعي عبر الاتفاقيات الدولية. إلا أن دعاة القومية في العالم يعارضون هذا التوجه. ويكررون القول في كل من فرنسا والولايات المتحدة، إن مصالح مواطنيهم تضررت جراء العولمة، ويرغبون في إعادة فرض الرسوم الجمركية. وفي ما يتعلق بالهجرات يصر هؤلاء على منع المهاجرين من دخول بلادهم وهي سياسة قد تسفر عن اقتراحات متطرفة كتلك التي صدرت عن ترامب الذي دعا لبناء جدار فاصل للحيلولة دون دخول المكسيكيين إلى بلاده. وليس بوسع دعاة العولمة تجاهل القلق الذي ينتج عن كسب خصومهم القوميين أصوات الناخبين. ولا شك في أن اتساع فجوة انعدام المساواة يتفاقم في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى في الصين. لكن أسباب ذلك التفاقم معقدة ومتداخلة وتشمل أنظمة التعليم والتقنيات كما تشمل التجارة العالمية. وبالمقابل سيكون من السذاجة تجاهل القلق الذي يساور مواطني الدول حيال موجات الهجرة. وقد يكون الحل في تعزيز ثقتهم بقدرة السلطات على ضبط حدود البلاد بشكل متوازن. ولعل أفضل طريقة للرد على دعاة المصالح القومية في الغرب هي عدم تجاهل مخاوفهم، بل في محاولة إثبات أن اقتراحاتهم لا تقبل التطبيق على أرض الواقع، أو أنها تنطوي على مخاطر. وسوف يشهد العام الحالي مواجهات بين أنصار العولمة وخصومهم الوطنيين في الحملات الانتخابية، سواء في الولايات المتحدة التي يتصاعد فيها تيار القوميين بزعامة أحد أجنحة الحزب الجمهوري بقيادة تيد كروز، أو في أوروبا حيث وصل بعض الزعماء القوميين إلى سدة الحكم، كما في هنغاريا وبولندا، في الوقت الذي لا يزال دعاة المصلحة الوطنية يشكلون قوى كامنة في فرنسا. أما في بريطانيا فدعاة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي يمثلون شكلاً قوياً من أشكال الدعوة القومية التي سوف تتسبب بمزيد من التغيير على الساحة الأوروبية في حال نجاحهم في الاستفتاء حول الانفصال. ولهذا ينبغي على دعاة العولمة والتعاون الدولي دخول العام الجديد بمزيد من اليقظة ولكن بصدور واسعة لأن بعض المعارك التي تنتظرهم ليست بعيدة. لكن عزاءهم أن المنطق الاقتصادي والاجتماعي وقيم الحرية تبقى في صفهم، ولا تزال فرص فوزهم مرجحة على خسارتهم في معظم تلك المعارك.
مشاركة :