قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. عبدالباري بن عواض الثبيتي -في خطبة الجمعة-: تستهدف المنصات والمجالس الافتراضية مستقبل الوطن وقلب الأمة فئة الشباب لسرعة تأثرهم وحماسهم المتدفق، ويمضر الخطر عبر مشوقات تهفو إليها نفوسهم من أعمال تتسم بالتحدي وألعاب شبكية من خلالها يتسلل إلى الشباب الفكر الشاذ والانحراف في السلوك، والمأمول التصدي لهذه المنصات بحملات توعوية وإرشادية تغرس في النفوس مراقبة الله وتقوي الواقع الديني وتعزز الأخلاق مع هجر الجهات المشبوهة والشركات التي تروج للشر من خلال هذه المنصات. وأضاف: أعطى الإسلام ذي حق حقه وجعل للجلوس على الطرقات آداباً تشمل أدب الطريق وأدب الاجتماع وأدب الحق المشترك، ومن ضروب الجلوس على الطرقات المجالس الافتراضية عبر شبكات التواصل الاجتماعية التي برزت في عصرنا الحاضر وقد تجاوزت الحدود، واخترقت الحصون وتفجر تأثيرها لكل أناس فيها مشربهم، تستقى منها الأخبار وفي ساحاتها يتواصلون وفي ردهات غرفها يتداول المتحاورون الأفكار، وتوطدت علاقة بعضهم بهذه الوسائط حتى بلغت حد الإدمان، بل يشعر أنه لا وجود له إلاّ بها ولا يطيب عيشه إلاّ من خلالها، فنسي المرء ذاته وفترت الوشائج الاجتماعية والروابط الأسرية، والأنكى التقصير في حق الخالق مسدي النعم، قال الله تعالى: "ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم". وتابع: في هذه الوسائط الشبكية مجالس خير وعلم تثري العقل وتغذي الروح وتنمي المعرفة أقبل عليها العقلاء فزاد إيمانهم وسمت أخلاقهم وارتقت ثقافتهم، وفيها مجالس تزعزع العقيدة وتضعف الإيمان، وتنتهك المحرمات وتلوث الأخلاق وتدنس الفضيلة والحشمة لا حصر لصورها ولا يتسع المقام لعدها ومن صور ذلك الاعتداء على حرمة الآخرين وتتبع عوراتهم والتشهير بأعراضهم، والإساءة لهم بالتصوير وغيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا". وأضاف: ومنها كشف أسرار البيوت وهتك أستار الخصوصية والمظاهرة بالنعم والمباهاة بمركوب أو مطعوم أو مشروب أو ملبوس، ونشر حياتهم الشخصية سعياً وراء سراب الشهرة وطلباً لإثارة مجردة من القيم مسلوبة المبادئ، ولا يزال المرء في عافية وفسحة من دينه إن هو ستر على نفسه حتى يجاهر بالمعصية، ومنها إثارة العصبيات الجاهلية والتنقص من الشعوب والقبائل، وهذا ينافي معاني الأخوة ويفتت لحمة الوطن، ويشحن النفوس بالبغضاء ويثير العداوات. وذكر أن التهاون في التعامل مع هذه المجالس الافتراضية قد يوقع في شر مستطير من نفخ النار وإضرامها لإيقاظ فتنة نائمة وسن سنة سيئة يعمل بها من بعده، فلا يزال عليه وزرها ووزر من عمل بها في حياته وبعد موته وهو في قبره ما دام العمل بها قائماً جيلاً بعد جيل ولا يصرفه من الوزر إلاّ انقطاع عمل الناس بها.
مشاركة :