تتلقى موسكو مساعدة من قوتين شرق أوسطيتين على طرفي نقيض في معظم النزاعات، بينما يشتد العدوان الروسي على أوكرانيا؛ حيث ورد أن إيران تسلّم روسيا أسلحة، وتحديدا طائرات دون طيار وربما صواريخ، لاستخدامها في الغزو. كما تستعمل المملكة العربية السعودية إنتاج النفط كسلاح توظفه في مساعدة موسكو على الوفاء بالتزاماتها وإلحاق المزيد من الأذى بجميع أنحاء العواصم الغربية قبل فصل الشتاء البارد. ويدفع الرياض، وهي شريك غربي طويل الأمد، وطهران، التي هي عدو غربي طويل الأمد عاملٌ واحد هو الولايات المتحدة. طهران - أعطت أزمة الطاقة الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا دفعا كبيرا لمكانة السعودية الجيوسياسية؛ إذ تلعب الرياض لعبة هجومية، مضاعفة هذا الشهر تلك الإستراتيجية من خلال دفع تحالف أوبك+ المكون من أعضاء أوبك بالإضافة إلى منتجين آخرين من غير الأعضاء، مثل روسيا، إلى خفض الإنتاج الجماعي بمقدار ضخم يبلغ مليوني برميل يوميا. ويأتي هذا في وقت كانت فيه الولايات المتحدة وأوروبا تطالبان بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار بطرق تستنزف الخزينة الروسية وتساعد في تخفيف أزمة كُلفة المعيشة في الغرب. وأجبرت العقوبات روسيا على بيع نفطها، بما في ذلك إلى السعودية، بأسعار تقل عن تلك التي تحددها السوق، وفقاً لإيلي جيرانمايه، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وسينزيا بيانكو الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في دورية “فورين بوليسي”. الاستمرار في جني الأرباح إيران والسعودية تستغلان الصراع في أوكرانيا لإضعاف المصالح الغربية. أما تغيّر موقف الغرب فهو أقل وضوحا ويبقى السعر الأساسي المرتفع هو طريقة موسكو الرئيسية للاستمرار في جني الأرباح من طاقتها والحفاظ على جهودها الحربية المكلفة والفاشلة. وحُددت ميزانية الرياض الأولية لسنة 2023، بما في ذلك الفائض الجيد بنحو 2.4 مليار دولار، من خلال احتساب سعر 76 دولارا للبرميل، مما ينفي الحاجة الملحة إلى التدخل بشأن أسعار تبلغ حوالي 90 دولارا للبرميل كما كانت في مطلع أكتوبر. وكان من الممكن أن ينتظر أوبك+ شهرا آخر على الأقل، كما طلب مسؤولو البيت الأبيض من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لذلك لن تكون التخفيضات قد دخلت حيز التنفيذ قبل انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة. وعلى الجانب الإيراني، ورغم استمرار التصريحات الرسمية بأن طهران طرف محايد لم ينقل أسلحة إلى أوكرانيا، من الواضح أن الصراع أصبح مسرحا جديدا تشعر فيه البلاد بقدرتها على تعزيز علاقاتها مع روسيا لإضعاف الولايات المتحدة. ويؤكد المسؤولون الأوكرانيون أن روسيا نشرت عددا كبيرا من الطائرات المسيّرة إيرانية الصنع في أوكرانيا، كان لها تأثير مميت. وتتحدث تقارير أميركية عن مدربين عسكريين إيرانيين في شبه جزيرة القرم وعن أن طهران وافقت على تسليم روسيا صواريخ أرض – أرض إيرانية الصنع لاستخدامها في أوكرانيا. ومن الواضح أن كلا من إيران والسعودية تستغلان الصراع في أوكرانيا لإضعاف المصالح الغربية. لكن ما هو أقل وضوحا هو كيف يمكن للغرب أن يغير موقفه بشكل أكثر فاعلية؟ وتدفع عدة عوامل الرياض وطهران، لكن الدافع الأكبر هو تقوية أيديهما ضد الولايات المتحدة في نظام عالمي متعدد الأقطاب بشكل متزايد. فبعد عقود من ضغط القوى الغربية وإملاءاتها، يشير اللاعبون الإقليميون مثل إيران والسعودية إلى عمالقة العالم بأن علاقتهم هي الآن طريق ذو اتجاهين ويتطلعون إلى تعزيز ارتباطهم بالجهات الفاعلة غير الغربية لتأكيد حرية تحركاتهم. الولايات المتحدة يجب عليها الاعتراف بالظهور النهائي لنظام عالمي متعدد الأقطاب كي تستعيد نفوذها ولا يعني رفض السعودية التعاون في مجال السياسة النفطية مع الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب روسيا؛ حيث صوتت على عكس إيران ضد موسكو في جميع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بأوكرانيا، وقدمت 400 مليون دولار من المساعدات للبلاد، ودعمت صفقة أفرجت عن مواطنين غربيين اعتقلتهم روسيا أثناء القتال إلى جانب أوكرانيا. وتتعلق تحركات المملكة الأخيرة أكثر بعدم الانحياز إلى واشنطن، التي تشعر بأنها لم تعد شريكا يمكن الاعتماد عليه. وتأثرت الفرضية الأساسية للشراكة الأميركية – السعودية التي استمرت لعقود “النفط مقابل الأمن” بكل من إدارتي باراك أوباما ودونالد ترامب؛ حيث وقّع الرئيس الأميركي الأسبق أوباما اتفاقا نوويا مع إيران، وتجاهل الرئيس السابق ترامب تعرض البنى التحتية السعودية الرئيسية للصواريخ والطائرات دون طيار التي أطلقتها القوات المدعومة من إيران في 2019. ولولا ضرورة مواجهة روسيا في سوق الطاقة، لكان من المحتمل أن يستمر الرئيس الأميركي جو بايدن في ما سمّاه “نبذ” الأمير محمد بن سلمان لسنوات. سياسة تنويع الخيارات Thumbnail وفي الآن نفسه تعمل إيران على تنويع خياراتها لتكون شبكة أمان لها مع تدهور العلاقات مع الغرب، ويبدو أن احتمال استعادة الاتفاق النووي لسنة 2015 يضعف بشكل متزايد. كما تتوقع طهران المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية الغربية والإسرائيلية إذا انهارت المحادثات النووية. وتضاعف إيران شراكتها العسكرية مع روسيا وتضغط من أجل علاقات اقتصادية أكبر مع الصين وتعميق الدبلوماسية مع جيرانها في الخليج وآسيا. وتهدف طهران من خلال بناء هذه العلاقات إلى كسر قدرة الغرب على عزلها بنفس الطريقة التي تمكنت بها إدارة أوباما من خلال العقوبات وتوحيد المجتمع الدولي ضد برنامجها النووي. كما كانت طهران تبحث عن طريقة لإضعاف قدرة الولايات المتحدة على عزلها. وتتمثل إحدى الطرق التي سعت بها لتحقيق ذلك في إقامة علاقات أمنية أعمق مع روسيا، على وجه الخصوص من خلال اتباع قرار موسكو بالانخراط عسكريا في سوريا عندما طلبت إيران مساعدتها في 2015 لإنقاذ نظام بشار الأسد. أما الآن في وقت حاجة روسيا فيصعب تخيل أن ترفض إيران طلبات موسكو للحصول على أسلحة تجلب معها حوافز مالية وتأثيرا جيوسياسا على المسرح العالمي. كما تقدم أوكرانيا إلى إيران حالة اختبارية لعرض قدراتها في مجال الأسلحة المحلية على الرغم من عقود من العقوبات، وهي بمثابة تحذير لأعداء طهران الإقليميين من أنها قد تلحق أضرارا كبيرة باستخدام أسلحتها المحلية. ويجب على الولايات المتحدة الاعتراف بهذه الاتجاهات باعتبارها مرتبطة بالظهور النهائي لنظام عالمي متعدد الأقطاب لاستعادة النفوذ مع كل من السعودية وإيران. وفي الواقع يجب على واشنطن أن تعيد ضبط نماذج تفكيرها التي تطورت على أساس فرضية قديمة للهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط. وكالعادة مع إيران، يتم التركيز أساسا على فرض العقوبات. وفرضت أوروبا والولايات المتحدة على طهران عقوبات جديدة لاستهداف الأفراد والكيانات بسبب طائرات دون طيار زودت بها روسيا لاستخدامها في أوكرانيا. لكن إيران لا تزال واحدة من أكثر الدول المعاقَبة في العالم. ويعدّ جيشها الأكثر تضررا بشكل خاص. ومن الواضح أن المزيد من العقوبات الغربية لن يغير سلوك إيران. ويجب على أوروبا والولايات المتحدة التركيز بدلا من ذلك على الطرق التي يمكن بها اعتراض الأسلحة الإيرانية المستخدمة في أوكرانيا ومواجهتها، فضلا عن زيادة الكلفة بالملموس للمواجهة بين السلطة الإيرانية وشعبها. Thumbnail ويبقى البعد العام مهمّا بشكل خاص بالنظر إلى أن القيادة الإيرانية تواجه احتجاجات على مستوى البلاد دخلت شهرها الثاني بعد أن أججتها عقود من المظالم وأثارها مقتل الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة. وأدت هذه الاحتجاجات إلى تآكل شرعية سلطات الدولة في إيران. وفي الوقت الذي يطالب فيه المحتجون بالمساءلة وتغيير النظام، يجب على الغرب أن يواصل فضح دور إيران في دعم الغزو الروسي لأوكرانيا. ويعتبر هذا موضوعا حساسا بشكل خاص في النقاش الدائر في إيران نظرا إلى الدور الذي لعبه الغرب في دعم الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين خلال الحرب الإيرانية – العراقية التي أدت إلى مقتل الآلاف في إيران ومخلفات استخدام صدام للأسلحة الكيمياوية. وتستمر هذه التجربة في تلطيخ مكانة الغرب لدى شرائح كبيرة من الجمهور الإيراني، بمن في ذلك أعضاء في الحرس الثوري الإسلامي والباسيج الذين كانوا في الخطوط الأمامية. لكن الكشف العلني عن دعم إيران لروسيا يسلط الضوء على السلطات الإيرانية لإخبار جمهورها بسبب اختيارها دعم المعتدي. وخلافا لما حدث في سوريا، حيث تدافع إيران عن أفعالها بناء على دعم الجهات الحكومية لمحاربة الإرهاب والعدوان الأميركي، تساعد إيران الآن روسيا على إضعاف دولة فاعلة في أوكرانيا. الغرب يحتاج إلى سياسات جديدة أكثر إبداعا وفاعلية للرد على القوى الإقليمية في النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي سرّعه الصدام مع روسيا كما يمكن استخدام مصير المحادثات لاستعادة الاتفاق النووي من أجل التأثير على إيران في أوكرانيا؛ فعلى الرغم من أنه من الواضح أن كثيرين في طهران متشككون في صفقة جديدة، من الواضح أيضا أن الفوائد الاقتصادية المحتملة جعلت إيران تعود إلى المحادثات ويمكن أن تكون حافزا أكثر من أي وقت مضى نظرا إلى الضغوط المحلية المتزايدة. ووصفت فرنسا والمملكة المتحدة، وكلاهما طرف في الاتفاق النووي لسنة 2015، إمدادات الطائرات دون طيار الإيرانية إلى روسيا بأنها انتهاك لالتزامات إيران بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231. وهما تصران على أن هذا القرار يحظر إيران حتى سنة 2030 من نقل أنظمة التسليم، مثل الطائرات دون طيار القادرة على حمل سلاح نووي. وهذا أمر مهم لبعث رسالة إلى طهران تفيد بأنه كلما تعمق تعامل إيران مع روسيا في أوكرانيا زاد احتمال تلويث مسار الدبلوماسية النووية. وحتى لو تمت استعادة الاتفاق النووي، لا يمكن لإيران أن تتوقع من السوق الأوروبية أن ترحب به بأذرع مفتوحة عندما تتحالف طهران مع موسكو في أوكرانيا. كما يجب على صانعي السياسة الغربيين تحذير إيران من أن موقفها في أوكرانيا يمكن أن يفتح الباب أمام جبهة جديدة بالوكالة مع إسرائيل لا يمكن التنبؤ بها. وعلى الرغم من إدارة العلاقة الحساسة بين إسرائيل وموسكو، ورد أن إسرائيل زوّدت أوكرانيا بمعلومات استخبارية بشأن الطائرات الإيرانية دون طيار. ويمكن أن تتكثف حرب الظل بين إيران وإسرائيل في أوكرانيا بطرق مماثلة للطريقة التي استهدفت بها إسرائيل الأفراد والأصول الإيرانية في سوريا. وعلى سبيل المثال، قد تساعد إسرائيل القوات الأوكرانية في استهداف مواقع مع مستشارين عسكريين إيرانيين يتعاونون مع روسيا. الحاجة إلى إعادة التشغيل إيجاد طرق إبداعية لتذكير طهران والرياض بأن موسكو هي أولا وقبل كل شيء منافس تظل الإستراتيجية الأكثر تأثيرا وعلى الجانب السعودي اتهم كبار صانعي السياسة الأميركية والبيت الأبيض الرياض علانية بالتواطؤ مع روسيا. ونظرا إلى إحجام الولايات المتحدة من الحزبين عن العودة إلى الموقف الأمني المهيمن في الشرق الأوسط، يجب على واشنطن قبول الفرضية القائلة بأن علاقتها مع السعودية تحتاج إلى “إعادة تشغيل”، مما يجعلها مناسبة للتركيز على المصالح الأساسية المحددة بوضوح لكلا الجانبين. ودون اتباع نهج قسري كامل، وهو أمر غير مرجح، لن يكون للتدابير العقابية نصف القائمة على الرياض التأثير الهيكلي الذي تحتاجه واشنطن وستغرق العلاقة بشكل أعمق في دوامة هبوطية وكذلك ستتخذ أسعار الطاقة منحى تصاعديا. لكن المسار المثالي للعمل هو أن يكون محددا وأن يستهدف العلاقة السعودية – الروسية. أولا، يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى تدابير إبداعية لتعزيز قدرتها على الصمود في المواجهة لا مع السعودية فقط بل وكذلك مع كل منتجي الهيدروكربونات. ويجب التعجيل بوضع حد أقصى لأسعار النفط الروسي لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى المقرر أن يبدأ العمل به في ديسمبر حتى نوفمبر. ويجب على أوروبا والولايات المتحدة تكثيف التعاون بشأن إمدادات الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل أيضا والانتقال من النفط إلى الغاز الطبيعي المسال، لاسيما التنسيق بشأن التسعير والاستثمارات والحوافز واللوائح. ثانيا، تضعف فكرة أن الجمهوريين سيكونون أكثر تساهلا تجاه المشاركة السعودية – الروسية بمجرد عودتهم إلى السلطة في الولايات المتحدة. ومن المصلحة الوطنية بدلا من ذلك تنشيط مسعى من الحزبين قبل انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة، مع التركيز على إعادة النظر في قانون نوبك (منع كارتلات إنتاج أو تصدير النفط) لاستهداف الجهات الفاعلة الأجنبية والحفاظ على صناعة الطاقة الأميركية والتدقيق في العلاقات المالية الروسية – السعودية خاصة بين صندوقيْ الثروة السياديين. أخيرا، تظل الإستراتيجية الأكثر تأثيرا هي إيجاد طرق إبداعية لتذكير طهران والرياض بأن موسكو هي أولا وقبل كل شيء منافس. وقررت إيران والسعودية دعم روسيا بشكل مباشر أو غير مباشر في جهودها الحربية في أوكرانيا. وعند تقييم كيفية إدارة القوى الإقليمية، يجب على الولايات المتحدة أن تبتعد عن التفكير التقليدي القائل بأن بإمكانها المراهنة بشكل إستراتيجي على السعودية أو أن سياسة الاحتواء هي الحل لجميع مجالات المواجهة مع إيران. ويحتاج الغرب إلى سياسات جديدة أكثر إبداعا وفاعلية للرد على القوى الإقليمية في النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي سرّعه الصدام مع روسيا.
مشاركة :