نجاح سياسي روسي مقابل منجزات عسكرية متواضعة

  • 1/13/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

صوّت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على قرار رقم 2254 الذي يرسم معالم طريق الحل السياسي في سورية. وهو مؤشر إلى رغبة المجتمع الدولي في حلّ الأزمة السورية. وهذا الإجماع هو نتيجة مباشرة لتدخل روسيا العسكري في سورية، في 2015. والأهداف السياسية الأولية للرهان الروسي في سورية بلغت غايتها: فموسكو أنقذت حليفاً إقليمياً من السقوط، وقلبت موازين القوى العسكرية لمصلحته، وكسرت قيود الحصار الديبلوماسي الذي فرضته الولايات المتحدة على روسيا منذ شباط (فبراير) 2014. واستؤنف الحوار الاستراتيجي مع واشنطن على مستوى عال، ولم يعد يقتصر على أوكرانيا. وتمكنت روسيا من تقديم نفسها كشريك جدير بالثقة وصاحبة قرار في محاربة المخاطر العالمية. والعلامة الأبرز على نجاح العملية الروسية هي تقاطع المصالح الاميركية والروسية بعد تباينها. ففي زيارة جون كيري الأخيرة إلى موسكو، سعى البلدان إلى الاشتراك في حل الأزمات العالمية الصعبة. وجرى اللقاء على ما كانت موسكو تشتهي منذ وقت طويل. وبرز نموذج جغرافي - سياسي يرسي الندية بين واشنطن وموسكو: قوتان عظميان تتوليان زمام الأمن العالمي، وتبحثان معاً في مشكلات عالمية حادة، لبلوغ موقف مشترك، فيستميلان الدول الأخرى في مجلس الأمن. وجلي أنّ واشنطن تعتبر هذه الخطوة خطوة تكتيكية تقتصر على معالجة شؤون سورية ومحاربة تنظيم «داعش». ولكن هذا التعاون قد يؤذن بتقارب ما. ولا تسعى موسكو إلى «إعادة إطلاق» العلاقات مع أميركا، وهي تستسيغ صيغة «الشراكة الظرفية ولكن على قدم المساواة». في موسكو، لم ينفك كيري يؤكد أن على الولايات المتحدة وروسيا التعاون في حل المشاكل الدولية، وعندما تنجحان في ذلك، على ما فعلتا في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، تتحسن الأوضاع في العالم. وأعلن كيري أن بلاده لا تسعى إلى تغيير النظام في سورية. وأثنت موسكو على هذا التغيير في الخطاب الأميركي فوافقت على الاجتماع الوزاري لمجموعة الاتصال الدولية حول سورية في نيويورك في 18 كانون الأول(ديسمبر)، على رغم أنها أعلنت قبل يومين أن هذا الاجتماع سابق لأوانه.   المنجزات العسكرية المتواضعة بعد ثلاثة أشهر من القصف الجوي في سورية، عدنا إلى ما كانت عليه الأمور في بداية تشرين الأول(أكتوبر) الماضي. وتبيّن أنّ القدرات القتالية للجيش السوري و «الحلفاء الإيرانيين» أسوأ مما كان متوقعاً. و «تحرير الأرض» يقتصر على بضعة كيلومترات. وعلى رغم إلحاق الضرر بالبنية التحتية للمتشددين، لم يحصل أي تحوّل جذري: فقنوات دعم الإرهابيين ما زالت سالكة ومفتوحة. وتكبد الإيرانيون خسائر رهيبة. لذا، يقلصون اليوم عديد قواتهم. ويواجه الجيش السوري مشكلات لا يستخف بها. وعدد الضحايا من المدنيين يتعاظم، شأن الخطر الإرهابي على روسيا. وموسكو اليوم على مفترق طرق: إما متابعة «النشاط العسكري أو التدريبات» على قول بوتين، والمحافظة على الوضع القائم من دون خسائر روسية- وهذا الخيار يخدم مصالح روسيا على المستوى التكتيكي ويجعلها شريكة الغرب. وعلى رغم أن هذا القرار يفتقر إلى الأخلاق، إلا ان فائدة روسية ترتجى من تواصل فصول الحرب: حاجة الغرب إلى روسيا- وإما السعي إلى نصر عسكري من طريق زيادة حجم القوات الروسية. ولكن ثمن هذا الخيار باهظ: شنُّ الإرهابيين هجوماً واسعاً على روسيا أو اختراق مقاتلين قاعدة روسية في سورية، أو اجتياح بري تركي لضمان خطوط إمداد المتمردين. وإلى هذين الخيارين، في الإمكان السعي إلى حلّ ديبلوماسي يوقف الحرب، ومن موقع قوة، بشروط معقولة. وهذا هو التحدي الأبرز في 2016.   معضلة الأسد ويبقى السؤال الرئيسي حول مشاركة الرئيس الأسد في الحكومة السورية الجديدة. وما عدا المعارضة السورية، وافق الجميع على بقاء الأسد في السلطة خلال الفترة الانتقالية. ولم يتناول قرار مجلس الأمن هذا الجانب من المسألة، في وقت لا يمكن أن توافق موسكو على أي وثيقة تشير إلى قرار خارجي يقضي بتنحية رئيس دولة ذات سيادة. وهذا الغموض، هو في حد ذاته، شكل من أشكال التسوية التي تسمح للعملية السياسية بالمضي قدماً. لا شك في أن تنحي الأسد غير ممكن من دون ضغط روسي، ووفق التسريبات الأخيرة فإن موسكو لن تعارض خيار رحيل الرئيس السوري بعد المرحلة الانتقالية. وتحتاج موسكو إلى تجنب بلوغ الأمور مبلغاً يستغل فيها نظام الأسد الدعم العسكري والديبلوماسي الروسي لتحقيق نصر حاسم على المعارضة. لذا، تسعى دمشق إلى إطالة الصراع وتوريط موسكو أكثر فأكثر به. ومدعاة قلق قول بوتين أن روسيا ستواصل عملياتها العسكرية ما دام الجيش السوري يواصل حربه. فهذا الأمر محفوف بأخطار فقدان السيطرة وإلحاق مصالح روسيا بمصالح آل الأسد. عموماً، في التعامل مع الأزمة السورية ينفع أن نستفيد من تجربة التسوية السياسية في اتفاق مينسك. وثمة أوجه شبه كثيرة بين الأزمتين، الاوكرانية والسورية، منها سبل الحل. فوقف الحرب يقتضي أن تتوقف دمشق، كما كييف، عن قصف مواطنيها والبدء بمفاوضات مع «الشعب المتمرد» لسحب الأسلحة الثقيلة والمدفعية، وإعلان عفو غير مشروط على المقاتلين، ومنح المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وضعاً خاصاً، وتعديل الدستور وإجراء انتخابات حرة. وعلى ما يلزم اتفاق مينسك روسيا بخطوات، يجب أن يلزم الاتفاق حول سورية تركيا بخطوات، أي سحب القوات المسلحة وتمكين الحكومة السورية من السيطرة على الحدود الدولية. إنها خطة ممتازة، وموسكو تملك كل الأدوات اللازمة لتنفيذها.     *خبير في العلاقات الدولية، عن موقع «غازيتا» الروسي، 23/12/2015، إعداد علي شرف الدين

مشاركة :