هل بإمكان الذكاء الاصطناعي استعادة مجد «آي بي إم» العملاقة؟

  • 1/13/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تميّز تاريخ الذكاء الاصطناعي بلحظات تبدو ثورية - الإنجازات التي وعدت بتحقيق ما كان يُعتبر حتى ذلك الحين قدرات تشبه الإنسان بالنسبة للآلات. إنجازات الذكاء الاصطناعي المميّزة تشمل "أنظمة الخبراء" في الثمانينيات وديب بلو، جهاز كمبيوتر الشطرنج "من شركة آي بي إم" الذي هزم أبطال العالم التابع التسعينيات، فضلا عن المزيد من المآثر الأخيرة مثل نظام جوجل الذي يُعلّم نفسه كيف تبدو القطط من خلال مشاهدة فيديوهات اليوتيوب. على أن تحويل حيل الحفلات الذكية هذه إلى أنظمة عملية لم يكُن سهلا أبدا. يقول أورين إتزيوني، رئيس مختبر الذكاء الاصطناعي الذي أسسه المؤسس المُشارك لشركة مايكروسوفت، بول ألين، إنه تم تطوير معظمها لعرض تقنية حاسوبية جديدة من خلال معالجة مجموعة صغيرة جدا من المشكلات فقط، وجعلها تعمل على مجموعة أوسع من القضايا يُشكل مجموعة من التحدّيات أعمق بكثير. عدد قليل من التكنولوجيات جذب الادعاءات من النوع الذي قدّمته شركة آي بي إم بخصص واتسون، نظام الكمبيوتر الذي علّقت عليه آمالها لإدخال الذكاء الاصطناعي إلى عالم الأعمال العام. النظام، الذي تمت تسميته على اسم توماس واتسون الأب، الرئيس التنفيذي الذي بنى شركة آي بي إم الحديثة، شهد النور أول مرة قبل خمسة أعوام، عندما هزم اثنين من الأبطال البشر في برنامج الألعاب التلفزيوني للسؤال والجواب الأمريكي، جيباردي! تحويل نظام واتسون إلى أداة عملية في مجال الأعمال لم يكُن واضحا. بعد التأسيس لاستخدامه لحل المشكلات الصعبة التي تقع خارج نطاق أجهزة الكمبيوتر الأخرى، اعتمدت آي بي إم نهجه في عام 2014. بدلا من مجرد بيع نظام واتسون كنظام واحد، تم تفكيك قدراته إلى مكوّنات مختلفة: يُمكن استئجار كل منها لحل مشكلة معينة في مجال الأعمال، مجموعة من 40 منتجا مختلفا، مثل خدمات التعرّف على اللغة التي تعتبر بمثابة تطبيق أقل طموحا، لكن أكثر واقعية من مجموعة واسعة من التكنولوجيات. على الرغم من أن شركة آي بي إم لا تكشف أداء نظام واتسون بشكل منفصل، إلا أنها تقول إن الفكرة تحظى باهتمام كبير. جون كيلي، نائب أعلى للرئيس ورئيس قسم الأبحاث، يقول إن النظام يُصبح "أكبر وأهم شيء رأيته في حياتي العملية"، وهو مجال الأعمال الأسرع نموا في شركة آي بي إم من حيث الإيرادات. من جهة أخرى، فإن النقّاد يرون أن ما تبيعه شركة آي بي إم الآن تحت اسم نظام واتسون ليس له علاقة تُذكر بجهاز الكمبيوتر الذي يلعب برنامج جيباردي، وإن العلامة التجارية تُستخدم لإيجاد تأثير يُشبه الهالة من التكنولوجيات التي ليست ثورية كما يُدّعى. يقول إتزيوني: "منهجهم لا بد أن يؤدي إلى نتائج عكسية. النهج الأكثر مسؤولية هو أن تكون صريحا حول ما يُمكن أو لا يُمكن أن يفعله النظام، بدلا من إحاطته بسحابة من الضجيج". يقول إنه لا يوجد شيء فعلته شركة آي بي إم في الأعوام الخمسة الماضية يُظهر أنها نجحت في استخدام التكنولوجيا الرئيسة التي وراء عرض نظام واتسون، في حل مشكلات العالم الحقيقي. حجة نظام واتسون الجدل حول قدرات نظام واتسون ليس مجرد نقاش نظري. مع تقلّص الكثير من أعمال تكنولوجيا المعلومات التقليدية في شركة آي بي إم بسبب انتقال الزبائن إلى تكنولوجيات خدمات السحابة الأحدث، أصبح نظام واتسون يلعب دورا كبيرا في جهود الشركة لإثبات أنها لا تزال ذات صلة بعالم الأعمال الحديث. هذا ما جعلها أمرا أساسيا لنجاة جيني روميتي، الرئيسة التنفيذية التي، بعد أربعة أعوام من تسلم المنصب، تواجه صعوبة في تحويل الشركة بشكل جذري. شهرة نظام واتسون لا تزال مرتبطة بشكل وثيق بنجاحه في برنامج جيباردي. يقول كريس هاموند، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة نورثويستون، "إنه شيء اعتقد الجميع أنه مستحيل تماما. ما يفعله هو أنه يناقض طريقتنا في النظر إلى الآلات. إنه يفعل شيئا يُعتبر بشريا بشكل مذهل". من خلال التكهّن بمعنى الأسئلة التي صيغت بشكل غامض والعثور على الإجابات في قاعدة بياناته ذات المعرفة العامة، أظهر نظام واتسون قدرة على فهم اللغة الطبيعية، وهي واحدة يعتبر حلها من أصعب المشكلات على الكمبيوتر. كان يبدو أن عرضا يُشير إلى زمن حيث أجهزة الكمبيوتر "تفهم" المعلومات المُعقّدة وتتحدث مع الناس بشأنها، من خلال التكرار وفي النهاية التفوّق على معظم أشكال الخبرة البشرية. التحدّي الأكبر لشركة آي بي إم كان في تطبيق هذه القدرة على الهياكل المُعقّدة للمعلومات، التي تتجاوز الحدود الضيّقة لبرنامج الألعاب والتوصّل إلى إجابات ذات معنى. بالنسبة لبعض الزبائن، تبيّن أن هذا أمر أصعب بكثير مما كان متوقّعا. بدأ مركز إم دي أندرسون للسرطان في جامعة تكساس بمحاولة تدريب النظام قبل ثلاثة أعوام لتمييز أعراض المرضى، حتى يتمكّن الأطباء من القيام بتشخيصات أفضل ووضع خطة العلاجات. تقول ليندا تشين، رئيسة الابتكار في النظام الطبي في جامعة تكساس: "إنه لم يصل إلى النقطة التي كنت أظن أنه سيصل إليها. نحن على مسافة بعيدة للغاية من النهاية. هذا أمر صعب تماما". تحويل كمبيوتر يلعب لعبة الكلمات إلى خبير في الأورام وأمراض السرطان بين عشية وضحاها، هو أمر غير محتمل بقدر ما يبدو. جزء من المشكلة يكمُن في استيعاب معلومات العالم الحقيقي: قراءة وفهم مجموعة ملاحظات الأطباء التي من الصعب على أي جهاز كمبيوتر استيعابها وتنظيمها. هناك أيضا مشكلة معرفية أعمق. تقول تشين: "في برنامج جيباردي هناك إجابة صحيحة للسؤال"، لكن، في عالم الطب، غالبا ما تكون هناك مجرد آراء مستنيرة إلى حد كبير. ينفي كيلي أن شركة آي بي إم تُقلّل من مدى صعوبة مثل هذه التحدّيات، ويقول إن عددا من المنظمات الطبية هي على وشك جلب أنظمة تشخيص مماثلة على الإنترنت. تطبيق التكنولوجيا كانت خطة شركة آي بي إم الأولية هي تطبيق نظام واتسون على مشكلات صعبة للغاية، حيث أعلنت في البيانات الصحافية الأولى عن مشاريع "مُبتكرة" "لوضع حدّ لمرض السرطان" وتسريع التطوّر في إفريقيا. على أن بعض الوعود تبخّرت بمجرد صدور البيانات الصحافية. على سبيل المثال، الشراكة بعيدة المدى مع "سيتي بانك" لاستكشاف استخدام نظام واتسون في مجموعة واسعة من الأنشطة في البنك، لم تحقق أي شيء. منذ التكيف في عام 2014، تبيع شركة آي بي إم الآن بعض الخدمات تحت العلامة التجارية لنظام واتسون، المتوافرة من خلال واجهات برمجة التطبيقات، أو برمجة "وصلات" تجعلها متوافرة كمكوّنات حوسبة فردية، تشتمل هذه الخدمات على تحليل المشاعر - صيد المعلومات مثل مجموعة من التغريدات على موقع تويتر لتقييم الحالة المزاجية - وتعقّب الشخصية، التي تقيس مدخلات الشخص على الإنترنت باستخدام 52 خاصيّة مختلفة للتوصّل إلى حُكم. في خلفية تفكير معظم الزبائن، يقول كيلي إنه لا يزال لديهم بعض المشاريع "المُميّزة" الطموحة التي يأملون أن القوة الكاملة لنظام واتسون ستكون في يوم ما قادرة على حلها؛ لكنهم مُتحمّسون على المدى القصير من حيث إجراء تحسينات على أعمالهم، التي يقول إنها قد لا تزال كبيرة. هذه الصيغة الأكثر واقعية، التي تؤجّل حل المشكلات الكبيرة بالفعل إلى يوم آخر، بدأت تؤتي ثمارها بالنسبة لشركة آي بي إم. الشركات مثل مجموعة الطاقة الأسترالية، وودسايد، تستخدم قدرات نظام واتسون اللغوية كشكل من أشكال محرك البحث المُتطوّر لصيد "قواعد المعرفة" الداخلية الخاصة بها. بعد تغذية أكثر من 20 ألف وثيقة من 30 عاما من المشاريع في النظام، أصبح بإمكان المهندسين في الشركة الآن، استخدام ذلك للاستفادة من الخبرات الماضية، مثل حساب الحد الأقصى من الضغط الذي يُمكن استخدامه في خط أنابيب مُعين. بالنسبة للنقّاد في عالم الذكاء الاصطناعي، فإن نظام واتسون الجديد ذا المكوّنات ليست له علاقة تُذكر بالإنجازات الأصلية ويُقلّل من فعالية التكنولوجيا. يقول هاموند: "الأمر يبدو كأنهم يضعون الكثير من الأشياء تحت اسم العلامة التجارية لنظام واتسون - لكنها ليست نظام واتسون". إتزيوني يذهب أبعد من ذلك، حيث يدعي أن شركة آي بي إم لم تفعل أي شيء لتُظهر أن إنجازها الأصلي للكمبيوتر، الذي يلعب برنامج جيباردي يُمكن أن يُسفر عن نتائج في العالم الحقيقي، حيث يقول: "ليس لدينا أي دليل على أن شركة آي بي إم قادرة على أخذ ذلك النجاح الضيّق وتكراره في مجالات أوسع". ويضيف أنه من مجموعة الحيل التي تُباع الآن تحت اسم نظام واتسون، "لست على دراية بأي تطبيق واحد مُثير للاهتمام جدا". بالنسبة لشركة آي بي إم، مثل هذه الشكاوى لا علاقة لها بالموضوع. يقول كيلي: "كل شيء نضع عليه علامة تحليلات نظام واتسون هو ذكاء اصطناعي متطوّر جدا"، يتضمن "تعلّم الآلة وبيانات غير منظمة عالية السرعة". بعد خمسة أعوام من برنامج جيباردي، تطوّر النظام إلى أبعد من مجموعته الأصلية من الحيل، من خلال إضافة قدرات مثل التعرّف على الصور ليقوم إلى حد كبير بتوسيع مجموعة معلومات العالم الحقيقي التي يستطيع استهلاكها ومعالجتها. اعتماد النظام هذه الحجة قد لا تكون مهمة كثيرا إذا ارتقت العلامة التجارية لنظام واتسون إلى وعدها. يُمكن أن يكون نظاما يُحقّق ذاته إذا قام عدد من الزبائن في وقت مبكر باعتماد التكنولوجيا، ووضع العمل لتدريب النظام من أجل العمل في صناعاتهم، وهذا شيء من شأنه توسيع قدراته بشكل تدريجي. يقول شون جريجوري، رئيس التكنولوجيا والاستراتيجية في وودسايد: "بمجرد أن يعمل، سترغب في قيادة الاعتماد. وتكون مُتقدّما في المعرفة والتعلّم. فالآلات لا تنسى أبدا". هناك تحدّ آخر للمستخدمين في وقت مبكر لنظام واتسون وهو معرفة مقدار الثقة التي يُمكن وضعها في الإجابات التي يُنتجها النظام. تقول تشين من مركز إم دي أندرسون للسرطان إن نهجه الاحتمالي يجعله يشبه البشر كثيرا. بعد تدريبه من قِبل الخبراء، يغلب عليه القيام بالأحكام من النوع الذي يقوم به البشر، مع ما ينطوي على ذلك من تحيّز. في عالم الأعمال، يقول هاموند إن الآلة الذكية التي تُنتج حلا لإحدى المشكلات لكن لا تستطيع شرح نفسها لن تكون ذات فائدة تُذكر. "إذا دخلت إلى مكتب الرئيس التنفيذي وقلت إننا بحاجة إلى إغلاق ثلاثة مصانع وتسريح الموظفين، فأول ما سيقوله الرئيس التنفيذي هو: ’لماذا؟‘". ويُضيف: "مجرد إنتاج حل ليس كافيا". ويُضيف أن محاولات شركة آي بي إم لجعل النظام أكثر شفافية، على سبيل المثال من خلال استخدام أداة تصوّر تُسمى واتسون باثس لمنح شعور بالطريقة التي توصّل بها إلى الاستنتاج، لم تُسفر عن أي نتيجة كافية. يقول كيلي إن المراجعة الكاملة لعملية اتخاذ القرار من قِبل نظام واتسون هي جزء لا يتجزأ من النظام، حتى لو تطلّب الأمر مستخدما متطوّرا لفهمه. "بإمكاننا العودة ومعرفة نوع نقاط البيانات التي ربطها نظام واتسون" للتوصل إلى إجابته. كما يُقارن شركة آي بي إم أيضا بغيرها من شركات التكنولوجيا مثل جوجل وفيسبوك، اللتين تستخدمان الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات الخاصة بهما أو جعل أنظمة الإعلانات فيها أكثر فعالية. ويُجادل أن شركة آي بي إم هي وحدها التي تحاول جعل التكنولوجيا أكثر شفافية بالنسبة لعالم الأعمال: "نحن ربما نكون الوحيدين الذين فتحنا الصندوق الأسود". حتى بعد إحباطات الصراع مع نظام واتسون، لا يزال الزبائن مثل مركز إم دي أندرسون يعتقدون أنه من الأفضل أن يكونوا موجودين في بداية أي تكنولوجيا جديدة. تقول تشين: "أنا ما زلت أعتقد أن القدرة يُمكن تطويرها إلى ما كنا نعتقد". استخدام التكنولوجيا لوضع قدرات التفكير التي يتمتع بها خبراء أمراض السرطان في العالم بين أيدي أطباء آخرين يُمكن أن يكون أمرا بعيد المنال: "الطريقة التي حقّقتها شركة أمازون في مجال تجارة التجزئة والتسوق، ستعمل على تغيير كيف يبدو تقديم الرعاية". وتُضيف تشين أن نظام واتسون لن يكون محرك التفكير الوحيد الذي تم نشره في تحوّل معلومات الرعاية الصحية. وتقول إنه ستكون هناك حاجة لتكنولوجيات أخرى لتكملته. بعد خمسة أعوام من حركة نظام واتسون الذكية في برنامج الألعاب، نجحت شركة آي بي إم أخيرا في إثارة الآمال لإحداث ثورة الذكاء الاصطناعي في مجال الأعمال. الآن، ما عليها سوى الارتقاء إلى مستوى وعودها.

مشاركة :