بعد أربع سنوات من التدقيق المتواصل، رُفِعت باكستان أخيراً من «القائمة الرمادية» المشينة لمجموعة العمل المالي، حيث تُعنى هذه المجموعة بمراقبة عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وأُضيفت باكستان إلى هذه القائمة في يونيو 2018 بسبب تقصيرها في محاربة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب في المجالات القانونية، والمالية، والتنظيمية، والقضائية، وفي التحقيقات، والمحاكمات، والقطاعات غير الحكومية. يُعتبر القرار الأخير لمجموعة العمل المالي متنفساً لباكستان التي تتعامل مع مجموعة متداخلة من الكوارث الاقتصادية، والسياسية، والمناخية، لكن يُفترض ألا يشكّل حذف البلد من القائمة الرمادية مصدر إلهاء للحكومة والمؤسسات، إذ يجب أن تستمر الجهود الرامية إلى إنشاء مجتمع يخلو من الفساد وتبييض الأموال. تنجم أزمات باكستان على مستوى الفساد وتبييض الأموال عن حسابات مغلوطة ومشاكل راسخة ومتعددة الأوجه، ولهذه الأسباب نفسها، بقيت محاولات إطلاق إدارة شاملة وفاعلة للتصدي لهذه المشاكل الحادة ضعيفة وشائبة، فقد كان وضع باكستان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي يحمل أبعاداً سياسية، لكنه انعكس إيجاباً على إطار العمل القانوني وشبه المُعطّل لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهما من أبرز الأهداف التي تهمّ باكستان. بعد إدراج البلد على القائمة الرمادية، عمدت باكستان إلى تعديل نظامها القانوني كله، فأطلقت حملة مُركّزة لإصلاح المؤسسات وبناء القدرات للتعامل مع مشكلة تمويل الإرهاب، كذلك بذلت الحكومة جهوداً مكثفة لتقوية أُطُر العمل المالية، والتنظيمية، والاستقصائية، والقضائية، وإجراءات المحاكمات، ولتعزيز مشاركة القطاع غير الحكومي، فأحرزت باكستان تقدّماً بارزاً لمعالجة عدد كبير من الثغرات القانونية، واستهدفت جماعات متشددة تهمّ مجموعة العمل المالي. بعد رفع باكستان من القائمة الرمادية، يجب ألا يخسر البلد زخمه في هذا المجال، بل تتابع إسلام أباد تحسين التحقيقات بقضايا تمويل الإرهاب وتبني قدرات المؤسسات المعنية، وتَحقّق تقدّم بارز في القطاع القانوني، لكن تبرز الحاجة إلى بذل جهود أخرى لزيادة فاعلية هذه الحملة، ويجب أن تزيد الاستثمارات مثلاً في بناء القدرات والتدريبات العملية في السلك القضائي، ووكالات إنفاذ القانون، وفي أوساط القضاة، والمحامين، والنيابة العامة، والشرطة، والمحققين، وجهات أخرى معنية بمسار التحقيقات، كذلك يجب أن تحصل وكالات إنفاذ القانون على معدات أفضل وكمية إضافية من الأدوات التحليلية المبنية على البرمجيات، ويُفترض أن تُستعمَل الأدوات التقنية لتحسين فاعلية هذه العملية كلها، وفي غضون ذلك يجب أن تترافق هذه المرحلة مع عمليات تفتيش وتدقيق واسعة النطاق بحق المنظمات غير الحكومية، والجمعيات الخيرية، والمدارس الدينية، وحفلات جمع التبرعات. تبرز الحاجة أيضاً إلى فرض قواعد صارمة ومنصفة لتنفيذ القوانين، وإلا لن تُحقق هذه الجهود كلها الأهداف المنشودة، حتى أنها قد تعطي نتائج عكسية مستقبلاً. أخيراً، يجب ألا يصبح التهرب من قوائم مجموعة العمل المالي الهدف النهائي لباكستان، بل يُفترض أن تُعطى الأولوية لتقوية المؤسسات، وتطبيق التدابير اللازمة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، حفاظاً على السلام والاستقرار والتقدّم في أنحاء البلد، فقد كانت التطورات الحاصلة في السنوات القليلة الماضية مثمرة وبناءة، لا سيما في نظام العدالة الجنائية. بعد رفع باكستان من القائمة الرمادية، يُفترض أن يتشجع البلد على بذل جهود أخرى مستقبلاً، إذ لا تزال الحكومة بحاجة إلى تحليل الخطوات الفاعلة حتى الآن وتحديد التعديلات المستقبلية اللازمة، وفي الوقت نفسه يجب أن تتابع باكستان تعقب المتورطين في قضايا الفساد وتبييض الأموال، إذ يُفترض ألا تُستعمَل الأموال الباكستانية في أي نشاطات إجرامية داخل البلد أو في الخارج، ويجب ألا تصل تلك المبالغ في نهاية المطاف إلى حسابات أجنبية. * مريم شاه
مشاركة :