أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم (الأحد) توقيعه مرسوم استقالة حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، موجها رسالة إلى البرلمان دعاه فيها إلى اتخاذ إجراءات فورية لتجنب الفراغ المزدوج الرئاسي والحكومي في البلاد. وأعلن عون توجيه الرسالة إلى البرلمان وتوقيعه مرسوم استقالة حكومة ميقاتي في كلمة ألقاها في احتفال وداعي رسمي وشعبي لدى مغادرته القصر الجمهوري قبل يوم من انتهاء ولايته الرئاسية الى دارته بشرق بيروت. ويترافق إصدار مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، عادة بحسب العرف، مع صدور مراسيم تشكيل حكومة جديدة، إلا أن توقيع عون استثنائيا هذا المرسوم يعود لتقديره بأن حكومة تصريف الأعمال ليست كاملة الصلاحيات لتتولى صلاحيات رئيس البلاد وسط العجز عن انتخاب رئيس جديد. وكان البرلمان انتخب ميشال عون رئيسا للبلاد في 31 أكتوبر 2016، بعد عامين ونصف من الفراغ الرئاسي بسبب الخلافات السياسية على شخصية توافقية، وهو السبب ذاته الذي أدى إلى إخفاق البرلمان مؤخرا لعدة مرات في انتخاب خلف له ودخول البلاد مجددا في الفراغ الرئاسي من جديد. ويترافق الفراغ الرئاسي المتوقع اعتبارا من أول نوفمبر المقبل مع أزمة حكومية وسط جدل دستوري وسياسي حول إدارة البلاد في ظل هذا الفراغ. وحذر الرئيس عون في رسالته إلى البرلمان، من أخطار وفوضى دستورية في البلاد. واعتبرت رسالة عون أن أمام البرلمان خيارات إنقاذية فورية بينها نزع التكليف الذي أعطاه البرلمان إلى رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي "إذا لم يعتذر" ليصار إلى تكليف سواه. كما رأت الرسالة أنه بإمكان البرلمان الدعوة لإصدار مراسيم تشكيل حكومة جديدة برئاسة ميقاتي، أو انتخاب رئيس جمهورية جديد. وكان عون قد كلف ميقاتي في يوليو الماضي بتشكيل الحكومة بعد حصوله على أصوات 54 من أعضاء البرلمان من أصل 128. وكانت الخلافات تصاعدت بين عون وميقاتي منذ شهر يونيو الماضي حول تشكيل الحكومة وتقاسم الحصص الوزارية. وحذر عون في رسالته للبرلمان من "خطورة قيام رئيس حكومة تصريف الأعمال المكلف والممتنع عن التأليف في عقد جلسات لمجلس الوزراء (..) بما يخالف مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها". وينص الدستور اللبناني على تولي "مجلس الوزراء مجتمعا" صلاحيات الرئيس في حال تعثر انتخاب رئيس جديد للبلاد إلا أن خلافات عدة تسود في الأوساط السياسية والقانونية بشأن تولي الحكومة الحالية صلاحيات الرئيس باعتبارها مستقيلة وتصرف الأعمال. ويصر عون وفريقه على اعتبار حكومة تصريف الأعمال غير مخولة تولي صلاحيات الرئاسة، بينما يرى ميقاتي وآخرون أن الحكومة تستطيع القيام بدورها في فترة الفراغ الرئاسي إلى حين انتخاب رئيس جديد. وقال عون، في كلمته الوداعية أمام آلالاف من مناصريه في (التيار الوطني الحر)، "سنبدأ اليوم مرحلة جديدة مبنية على النضال"، معتبرا أنه "يترك خلفه وطنا مسروقا ما يحتاج إلى مواقف وجهود لاقتلاع الفساد من جذوره". وأكد أن "مؤسسات الدولة مهترئة لأن القيمين عليها خائفون من عصا تهددهم"، مشيرا إلى أن "رئيس مجلس القضاء الأعلى لا يريد تعيين قاض لينظر بملف انفجار مرفأ بيروت ولا يريد أن يوصل الأبرياء أو المشتبه بهم في السجون إلى العدالة". ولفت إلى أن "كل الجرائم المالية التي ارتكبها حاكم مصرف لبنان المركزي (رياض سلامة) لم تتمكن من إيصاله إلى المحكمة"، متسائلا "من يحميه ومن شريكه وكلهم في المنظومة الحاكمة منذ 32 سنة وقد أوصلونا إلى هذه الحالة والبلد بحاجة إلى إصلاح لكي يعيش". ورأى أن "الدولة لا يمكن أن تقوم إلا على عمودين هما الأمن والقضاء"، وقال "لا يقوم القضاء بدوره ولا يزال المرتكبون خارج المحاكم وربما لأنهم من التابعين للقيمين على الحكم". واعتبر أنه لا يمكن للبنان أن يقوم من أزمته إلا من خلال استخراج النفط والغاز، مؤكدا "أننا لن نهدأ قبل انتشاله من الحفرة التي وضعوه فيها". وشدد على أن "أموال الشعب يحميها الشعب" وعلى أن "سرقة المال العام في لبنان أكبر جريمة مالية تحصل في العالم". ويرى مراقبون أن الشغور الرئاسي من دون انتخاب رئيس للبلاد في المهلة الدستورية يقحم البلاد التي تواجه أزمة اقتصادية خانقة غير مسبوقة في مرحلة تصعيد سياسي جديدة تتعدد فيها الأزمات. وكانت السابقة الأولى لحالة فراغ رئاسي في لبنان قد استمرت 15 شهرا وحصلت بين سبتمبر 1988 ونوفمبر1989 فيما وقع الشغور الرئاسي الثاني بين نوفمبر 2007 ومايو 2008 (5 شهور) أما الشغور الرئاسي الثالث والأطول في تاريخ لبنان، فقد دام بين مايو 2014 وأكتوبر 2016 (30 شهرا) وانتهى بانتخاب ميشال عون رئيسا للبلاد .
مشاركة :