تحتضن الجزائر، اليوم، رابع قمة عربية في تاريخها على مستوى القادة في دورتها العادية رقم 31، فيما تعتبر القمة الحالية رقم 49 في تاريخ القمم العربية العادية والطارئة والاقتصادية خلال نحو 8 عقود. وتأتي مشاركة الإمارات في القمة تأكيداً للنهج الإماراتي الراسخ، القائم على تعزيز جسور الشراكة والحوار، من أجل ضمان الاستقرار والازدهار للشعوب العربية كافة. فلم يكن رفع علم دولة الإمارات في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، في السادس من ديسمبر عام 1971، مجرد إشارة تفيد بانضمام دولة جديدة إلى «بيت العرب»، الذي كان قد أُسِسَ قبل ذلك التاريخ بنحو ربع قرن، وإنما بدا ذلك إيذاناً بتدشين مرحلة جديدة ومختلفة، في مسيرة العمل العربي المشترك. فخيوط العلاقات الوطيدة التي تربط الإمارات بمحيطها العربي، نُسِجَت حتى قبل تأسيس الدولة. ولم يكن أيضاً من قبيل المصادفة، أن يحرص القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، على أن تنضم الإمارات إلى جامعة الدول العربية في اليوم نفسه الذي أُعْلِنَ فيه تأسيسها، لتصبح العضو الثامن عشر فيها، حتى قبل انضمامها للأمم المتحدة، بعد ذلك بأسبوع. وشكلت تلك الخطوة، تجسيداً عملياً للمادة السادسة من دستورها، التي تنص على أن الإمارات «جزءٌ من الوطن العربي الكبير، تربطه به روابط الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك» وأن شعبها هو «جزءٌ من الأمة العربية». وعبر القمم العربية التي عُقِدَت منذ ذلك الحين، اضطلعت الدولة بدور شديد الفاعلية والتأثير، في تعزيز البنيان العربي، وتمكينه من التعامل بكفاءة، مع كل ما واجهه طيلة العقود الخمسة الماضية، من مخاطر وتحديات سياسية واقتصادية وأمنية. كما ضخ انضمام الدولة إلى الجامعة العربية ومشاركتها في أعمالها على مستوى القمة، دماء جديدة في شرايين العمل العربي الجماعي. فحرصت الإمارات على تفعيل دورها السياسي وتكريس مواردها الاقتصادية، لإعلاء مصالح الشعوب العربية، ومنحها فرصتها المُستحقة في أن تنعم بالسلام والأمن والتنمية، وهو ما عبرت عنه المقولة المأثورة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، التي قال فيها: «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي»، والتي لا تزال ماثلة بقوة، في العقل الجمعي العربي. توحيد الصف ويجمع المراقبون على أن مشاركة الإمارات في القمم العربية اعتباراً من مطلع السبعينيات، أكسبت هذه الآلية من آليات التنسيق الإقليمي، مزيداً من الديناميكية والفاعلية، وكان المحك الأول لذلك أزمة الحرب الأهلية اللبنانية، التي شكلت محوراً لاجتماعات قمم متعددة منذ اندلاعها في عام 1975. فقد ترأست الدولة اجتماعاً طارئاً لوزراء الخارجية العرب، عُقِدَ في منتصف أكتوبر من العام نفسه، ودعت كل الأطراف اللبنانية إلى وضع السلاح جانباً، والانخراط في الحوار لحل أي خلافات. كما كانت الإمارات عضواً في اللجنة الرباعية، التي تقرر تشكيلها خلال ذلك الاجتماع، وضمت كذلك وزيريْ خارجية الكويت ولبنان بجانب الأمين العام للجامعة العربية حينذاك، من أجل بلورة المقترحات المتعلقة بسبل حقن الدماء وإسدال الستار على الاقتتال في الأراضي اللبنانية. وخلال قمتيْ الرياض الطارئة والقاهرة العادية، اللتين عُقِدتا في خريف عام 1976، واصلت الإمارات الاضطلاع بدورها الفاعل في إطار الجامعة العربية، على صعيد السعي لإنهاء المأساة اللبنانية، وهو ما كان له إسهام بارز، في القرارات التي خَلُصت إليها القمتان، وأكدت ضرورة وقف القتال بين الفرقاء اللبنانيين. وفي القمة العربية التاسعة التي استضافتها بغداد عام 1978، كان للإمارات على لسان القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، موقف حاسم يطالب بالترفع عن جميع الخلافات والصراعات الداخلية العربية، وذلك حتى يتسنى للعالم العربي القيام بدوره بشكل فعال، للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة عبر التضامن والتآزر وتوحيد الصفوف. تضامن الرسالة نفسها صدرت جلية عام 1980، عندما دعت الإمارات إلى عقد مؤتمر للتضامن العربي، يفرز «قيادة واحدة يقف خلفها كل العرب وقفة رجل واحد»، على ضوء أن الأمة العربية قوية بتآزرها وتكاتفها. وبمناسبة انعقاد القمة العربية الحادية عشرة في العاصمة الأردنية عمّان في العام نفسه، أكدت الدولة حرصها على العمل لتعزيز الصف العربي، توخياً للتضامن وجمعاً للكلمة، بهدف المصلحة العربية العليا، وتحقيق الأهداف المنشودة المشتركة. وانطلاقاً من إيمان الإمارات بأن تضافر جهود دول الخليج وترسيخ أركان التضامن فيما بينها، يصب في صالح الأمة العربية ككل ويزيد من رصيدها الاستراتيجي، وُلِدَت فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي. وعلى طاولة القمة العربية في عمّان 1980، طُرِحَت الاستراتيجية الخليجية المشتركة للمرة الأولى، قبل أن يخرج مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى النور في عام 1981، وتحتضن أبوظبي القمة الخليجية الأولى في مايو من العام نفسه، بحضور الأمين العام للجامعة العربية حينذاك. كما كان الصوت الإماراتي، خلال اجتماعات القمة العربية الثانية عشرة في مدينة فاس المغربية عام 1982، مؤيداً وداعماً بقوة لمشروع السلام في الشرق الأوسط، الذي أُقِر خلال الاجتماعات، تعبيراً عن نهج الدولة الثابت، في العمل على إشاعة أجواء التسامح والاعتدال والتعايش بين الشعوب، ونبذ العنف والتطرف والكراهية. وتقديراً للقناعة الإماراتية الراسخة بضرورة تغليب لغة الحوار من أجل تبديد الخلافات بين الأشقاء العرب، اتفق القادة المشاركون في قمة الدار البيضاء الطارئة التي التأم شملها في المغرب عام 1985، على أن تكون الإمارات عضواً في إحدى لجنتين، تم تشكيلهما لتنقية الأجواء العربية. وضمت تلك اللجنة كذلك المغرب، الدولة المضيفة للاجتماعات، بجانب موريتانيا، وتولت ملف العلاقات بين ليبيا والعراق. وبعد عامين فحسب، وفي قمة عمّان الطارئة التي عُقِدَت في أكتوبر 1987، أبدت الإمارات دعمها الكامل لدعوات عودة مصر إلى الصف العربي، بعد غياب استمر نحو عقد من الزمان، وهو ما تحقق في القمة التالية التي استضافتها الدار البيضاء في مايو 1989، بما يعكس عمق الرؤية الإماراتية الداعية على الدوام، لإزالة أي شوائب من العلاقات العربية العربية. حكمة وتوازن وفي السنوات التالية، وفي مواجهة الغزو العراقي للكويت عام 1990، حرصت الإمارات داخل أروقة القمم العربية وخارجها، على الاضطلاع بدور دبلوماسي شديد التوازن والحكمة، يستهدف ضمان رد العدوان من جهة، وحماية مقدرات الأمة من جهة أخرى. فخلال قمة القاهرة الطارئة التي عُقِدَت بعد أيام من الغزو، لم تتردد الإمارات في إدانة العدوان والتأكيد على سيادة الكويت، وشجب أي تهديدات موجهة لدول الخليج العربية. أما بعد تحرير الكويت في فبراير 1991، فلم تتأخر الإمارات، عن الدعوة لتضميد الجراح الناجمة عن ما حدث والالتفات إلى ما تواجهه الأمة من تحديات. وقد حظي ذلك بتجاوب عربي لافت، عبر القرارات التي خَلُصَت إليها القمة الطارئة التي عُقِدَت في القاهرة عام 1996، وكانت الأولى من نوعها منذ 6 سنوات. إذ شهدت الاجتماعات الاتفاق، بحضور ودعم الإمارات، على إنشاء محكمة العدل العربية، وبلورة آلية تابعة للجامعة العربية للوقاية من النزاعات وإدارتها وتسويتها، بجانب الإسراع في إقامة منظمة التجارة الحرة العربية الكبرى. وفي قمة بيروت 2002، قطعت الأمة العربية خطوة واسعة على طريق نشر قيم السلام والتعايش، التي ترفع الإمارات لواء ترسيخها وتعزيزها منذ تأسيسها، وذلك عبر تبني مبادرة السلام، التي طرحها وقتذاك العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، حينما كان ولياً للعهد، والتي أصبحت تُعرف منذ ذلك الوقت، بالمبادرة العربية. إرث ممتد مصداقاً للمكانة الرفيعة التي حظي بها القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» في قلوب ملايين العرب شعوباً وقادة، بدأت القمة العربية السابعة عشرة التي استضافتها الجزائر عام 2005 أعمالها، بدقيقة حداد على فقيد البلاد والأمة، الذي كان قد انتقل إلى جوار ربه في الثاني من نوفمبر 2004. وفي عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «طيب الله ثراه»، وعبر مشاركتها في القمم العربية التالية وصولاً إلى القمة الثلاثين في تونس 2019، واصلت الإمارات عملها الدؤوب، لتفعيل وتعميق التلاحم العربي، ومواجهة أي تدخلات إقليمية سلبية في شؤون المنطقة، والتصدي للتهديدات التي تمثلها القوى الظلامية والمتطرفة. وعلى الصعيد التنموي، حرصت الإمارات على أن تجعل مشاركاتها في القمم العربية، العادية منها والاقتصادية التي انطلقت للمرة الأولى من الكويت عام 2009، فرصة لتذليل الصعوبات التي تواجه الاستثمارات البينية، وإعطاء دفعة لجهود تحفيز الإبداع والابتكار، خصوصاً بين الشباب العرب، الذين أصبحت الدولة قِبلةً لهم، بفضل مشروعاتها الرائدة على شتى الصعد، خاصة وأن الإمارات باتت أنموذجاً يُحتذى به في الازدهار والتطور، وكذلك التسامح والتنوع الاقتصادي. وفي خضم تحولات إقليمية متواصلة، تفرض تحديات متغيرة على العالم العربي، لا تألو الإمارات، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، جهداً في ترسيخ أواصر الأخوة مع أشقائها العرب، والعمل على تلبية تطلعات وآمال الشعوب العربية، وتثبيت أسس الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم. وتأتي القمة العربية، في الجزائر اليوم، بعد توقف 3 سنوات، حيث كان مقرراً عقدها في مارس 2020، لكن جرى تأجيلها نظراً لجائحة «كورونا»، حيث عقدت آخر قمة عربية اعتيادية في تونس عام 2019، وهي القمة العربية الدورية الثلاثون. والقمة الحالية تُعقد وسط تحديات وظروف معقدة يشهدها العالم، جراء الأزمة الأوكرانية، وتحمل على طاولتها أجندة حافلة بملفات وقضايا عدة، يتطلع المشاركون فيها إلى التوصل لتفاهمات تنعكس بصورة إيجابية على المنطقة. وقال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير، حسام زكي، إن اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري ناقش كافة البنود المدرجة على مشروع جدول أعمال القمة العربية، بشكل توافقي، تمهيداً لانعقاد القمة العربية.
مشاركة :