إنهم مجانين

  • 11/2/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إنهم مجانين   رباح آل جعفر   ‏قال شاعرنا العاشق: ‏يُسمُّونني المجنـون حينَ يَرونَنـي ‏نعم بـيَ من ليلـى الغـداة جُنـونُ ‏وليس كل الشعراء مجانين، ولا كل أهل الهوى مساكين، ولا كل من ذاق الهوى عرف الهوى كما يقول أهل الحب والغرام. ‏والعالم اللغوي البصري أبو العباس المبرّد يقول: دخلت دار المجانين، فوقفت تجاه مجنون وأخرجتُ لساني، فحوَّل وجهه عني، فجئتُ إلى الناحية التي حوَّل وجهه إليها وأخرجتُ لساني، فحوَّل وجهه إلى ناحية أخرى، فجئتُ إليه وفعلتُ مثل ذلك، فلمَّا أضجرته رفع رأسه إلى السماء قائلاً: أنظرْ يا رب مَن منَّا العاقل ومَن المجنون؟!. ‏وكثير من العباقرة مجانين. وبعض العبقرية جنون. وبديع الزمان يؤكد في مقاماته: ما العقل إلا الجنون: فريديريك نيتشه، وبيتهوفن، وفان كوخ، والكاتب الأميركي إرنست همينغوي الذي انتحر بإطلاق الرصاص من بندقيته العامرة بالبارود عندما انتهى إلى علاجه بالصدمات الكهربائية. ‏وكثير من الشعراء والأدباء دخلوا مستشفى الأمراض العقلية، أو دار المجانين، من الأديبة السمراء مي زيادة إلى الشاعر والفنان المأساوي نجيب سرور. وفي العراق يعرفون هذه المستشفى بالشماعية، وفي مصر يطلقون عليها العباسية، واشتهرت عند أهل الشام باسم العصفورية. ‏وعن مي وثلاثمائة ليلة وليلة أمضتها في جحيم العصفورية كتب واسيني الأعرج واحدة من أحلى رواياته “ليالي إيزيس كوبيا” الليالي التي سرقت من مي كل شيء جميل وأذاقتها ألواناً من الحرمان. ‏وفي التراث العربي تقرأ قصصاً مشوّقة وأخباراً شيِّقة عن هؤلاء العقلاء من المجانين، أو البهاليل والمجاذيب من المهاويس، والممسوسين، والموسوسين، الجاحظ في “البيان والتبيين”، والنيسابوري في “عقلاء المجانين”، وابن عبد ربه في “العقد الفريد”، والثعالبي يضع لهم مراتب ودرجات في “فقه اللغة” تبدأ بالموسوس أقلُّهم جنوناً ثم الممسوس وأكثرهم المعتوه!. ‏ومن الموسوسين المؤرخ البلاذري صاحب كتاب “فتوح البلدان”. ‏وهناك ببليوغرافيا طويلة من الشعراء الذين قتلهم العشق، أو صرعهم الجنون: قيس بن الملوح، وقيس بن ذريح، وعبد الله بن العجلان، وجميل بن معمر، والأبله البغدادي، وعروة بن حزام القائل: ‏وما بي من خَبَلٍ ولا بي جِنَّـةٌ ‏ولكنَّ عمّـي، يا أخـي، كذوبُ ‏وفي مكتبة صديقنا الأديب عبد العزيز القديفي في سوق السراي كنَّا نلتقي بشاعر رقيق من أشفّ الشعراء عشقاً وأصدقهم عاطفة، في كلّ مرة نقابله، كنّا نراه يتحدّث إلى نفسه، وعندما نسأله عن أخباره مع حبيبته التي لا وجود لها إلا في خياله، كان يبادرنا ببيت من الشعر لابن زيدون يقول: ‏أتـلفتنـي كلفاً أبلـتـني أسفاً ‏قطّعتني شغفاً أورثتني عللا ‏ثم مرّت الأيام وتباعدت السنين، افتقدنا ذلك الشاعر العاشق لحبيبة لا يراها إلا طيفاً في خياله، لكنها تعذّبه ويعذّبها، ويحبّها ويبكيها.. وقيل لنا: إنه فَقَدَ عقله، أو أصبح نصف مجنون.. ثم مات، وقالوا لنا انتحر!.

مشاركة :