نتانياهو ينجح في رهانه بالعودة إلى السلطة بدعم من المتطرفين

  • 11/2/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

القدس - نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو في رهانه بالعودة إلى السلطة بدعم من حلفائه من الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة في أعقاب انتخابات تشريعية قد تفرز نتائجها النهائية عن مفاجآت. واحتلّ حزب الليكود بزعامة نتانياهو المركز الأول في الانتخابات مقتربًا من الحصول على الأغلبية وفقًا لاستطلاعات شبكات تلفزيونية، لكن لا يزال غير واضح ما إذا كان سيتمكّن من تشكيل حكومة مع حلفائه. وقال نتانياهو لمؤيديه فجر الأربعاء في القدس "نحن أقرب إلى نصر كبير". وأضاف "لا نعرف النتائج النهائية بعد لكن إذا كانت مثل استطلاعات الرأي فسوف أقوم بتشكيل حكومة وطنية". وتابع "لدي خبرة، لقد خضت عدة انتخابات وعلينا انتظار النتائج النهائية، لكن طريقنا، طريق الليكود، أثبت أنه الطريق الصحيح". وأظهرت استطلاعات الرأي هوامش ضئيلة للغاية، كما كان متوقعًا في الدولة المنقسمة بشدة التي أجرت الثلاثاء انتخاباتها الخامسة في أقل من أربع سنوات، لكن المؤشرات الأولية تبدو إيجابية بالنسبة للزعيم اليميني المخضرم (73 عاما). وبحسب استطلاعات رأي أجرتها ثلاث شبكات إعلام إسرائيلية كبرى، حصل الليكود على 30 أو 31 مقعدًا في البرلمان المكون من 120 عضوًا. وأظهرت التوقعات الأولى أن حزب نتانياهو وحلفاءه حزب "شاس" لليهود الشرقيين "سفراديم" وحزب "يهودوت هاتوراه" لليهود الغربيين "الاشكنازيم" و"القوة اليهودية"، حصدوا 61 أو 62 مقعدًا، وهو عدد مقاعد كافٍ للحصول على الأغلبية في البرلمان (الكنيست). لكن فروقات طفيفة في الأرقام مع فرز الأصوات وصدور النتائج الرسمية، قد تبدّل المشهد بشكل كبير. إقبال كبير ويبدو أن حزب "يش عتيد" برئاسة رئيس الوزراء يائير لبيد سيحلّ في المركز الثاني، حسب التوقعات التي منحته ما بين 22 و24 مقعدًا. وبذلك تكون الكتلة "المناهضة لنتانياهو" ككل لم تحقق أي انتصار. وأكد لبيد في خطاب أمام مؤيديه على ضرورة "انتظار النتائج النهائية". وأضاف "لم يتم إقرار أي شيء، سنتحلى بالصبر.. سنواصل ما قمنا به، كفاحنا من أجل دولة يهودية وديموقراطية وليبرالية وحديثة". وقال رئيس المعهد الإسرائيلي الديموقراطي يوهانان بليسنر لوكالة فرانس برس "تشير استطلاعات الرأي إلى توجه ما لكن من المهم أيضا ملاحظة أنه كان هناك تناقضات بين هذه الاستطلاعات والنتائج الفعلية في الجولات السابقة للانتخابات". وجاءت انتخابات الثلاثاء بعد انهيار تحالف من ثمانية أحزاب متباينة كان قد أطاح صيف العام الماضي بنتانياهو منهيا مسيرته في رئاسة الوزراء بعد 12 عاما متواصلة في المنصب، وهي الأطول في تاريخ إسرائيل. ويحاكم نتانياهو بتهم تتعلق بالفساد لكنه ينفيها بشدة، كما أنها لم تؤثر بشكل واضح على مؤيديه. وسادت مخاوف من أن يشعر الناخبون بالإرهاق وألا يتوجهوا للإدلاء بأصواتهم بسبب تكرار الانتخابات إلا أنّ نسبة المشاركة بلغت نحو 71.3 في المئة مع إغلاق صناديق الاقتراع في تمام الساعة العاشرة بالتوقيت المحلي (20.00 ت غ) وهي الأعلى منذ 2015، بحسب لجنة الانتخابات المركزية. وتجاوز عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم 4.8 مليون. ائتلاف من المتطرفين سيلعب زعيم اليمين المتشدد إيتمار بن غفير دورا محوريا في مساعدة نتانياهو على العودة إلى السلطة مع حزب "الصهيونية الدينية" الذي يتزعمه، إذ تشير النتائج الأولية إلى حصوله على 14 مقعدا. صباح الثلاثاء، وعد بن غفير بتشكيل "حكومة يمينية كاملة" بزعامة نتانياهو. وقال مخاطبا مناصريه بعد صدور النتائج الأولية "صوّت الجمهور للهوية اليهودية ... حان الوقت أن نعود لنكون سادة بلدنا". أما وزير العدل جدعون ساعر زعيم حزب الأمل الجديد فاعتبر انتخاب "ائتلاف من المتطرفين" مخاطرة لإسرائيل. وتتزامن الانتخابات في إسرائيل مع تصاعد العنف في القدس الشرقية والضفة الغربية اللتين احتلتهما إسرائيل في العام 1967. وقتل في الضفة الغربية منذ مطلع الشهر الحالي 29 فلسطينيا وثلاثة إسرائيليين وفق حصيلة لوكالة فرانس برس. وفيما اعتبر الكثير من المرشحين أن الأمن مصدر قلق، لم يقم أي منهم بحملة على أساس برنامج لإحياء محادثات السلام المتوقفة مع الفلسطينيين. لا تغيير استحال غلاء المعيشة في البلاد قضية ساخنة في هذا الموسم الانتخابي في إسرائيل، حيث يعاني السكان من ارتفاع الأسعار منذ فترة طويلة وباتوا يشعرون أكثر بتداعيات الأزمة وسط الاضطرابات الاقتصادية العالمية المرتبطة بغزو روسيا لأوكرانيا. لكن في جولات الانتخابات المتكررة منذ نيسان/أبريل 2019 لم يغير سوى عدد قليل من الناخبين ولاءاتهم بشكل كبير. كان لبيد مهندس التحالف الأخير برئاسة نفتالي بينت الذي ضم للمرة الأولى حزبًا عربيًا "القائمة العربية الموحدة -الحركة الاسلامية" برئاسة منصور عباس، وضم يساريين ووسطيين ويمينيين. وانفصل عباس عن القائمة العربية المشتركة في العام 2021 ما مهد لانضمامه الى الائتلاف. وقال النائب العربي في الكنيست "اليوم، نعيده (نتانياهو) إلى السلطة، نقدم له هدية لأننا سلبيين". وقال الناخب فارس منصور من بلدة الطيرة (وسط) "حاول (عباس) لكنه لم يأت بشيء، لا تغيير ولا أموال". ومن المتوقع أن تعود القائمة العربية الموحدة إلى البرلمان مع خمسة مقاعد على ما تشير إليه النتائج الأولية. ولم تثر هذه العودة الاستغراب خاصة مع تحول التركيز باتجاه حزب بلد بزعامة سامي أبو شحادة والذي يرفض أي تعاون مع إسرائيل. وتشير النتائج الأولية إلى عدم تجاوز الحزب نسبة الحسم البالغة 3.25 في المئة، وهي النسبة اللازمة لتأمين الحد الأدنى من المقاعد في البرلمان والبالغ أربعة. وإذا تجاوز الحزب نسبة الحسم بعد فرز جميع الأصوات فسيطرأ تغيير على الحصيلة النهائية ما يسدد ضربة قاسمة لنتانياهو. وقال رئيس التجمع للقناة 11 الإسرائيلية "إذا كانت أرقامنا أعلى بقليل من الساعة الثامنة مساء وهو ما أتوقعه فإن ذلك سيجعلنا نتجاوز العتبة الانتخابية". أما المرشحة من حزب الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة عايدة توما سليمان فقالت إن "وجود الفاشيين إلى جانبه (نتانياهو) يقلقنا أكثر من أي شيء آخر". وأضافت "إنه يوضح توجه الدولة وما ينتظر الفلسطينيين الذين يعيشون في هذا البلد". مهمة إلهية لإنقاذ إسرائيل بنيامين نتانياهو الذي شغل منصب رئيس الوزراء لأطول فترة في تاريخ إسرائيل، سياسي مخضرم يقول إن حماية الدولة العبرية من أعدائها "مهمة حياته". ويقرّ حلفاء وخصوم نتانياهو على السواء على أنه لم يفقد ذرة من نشاطه وسط سعيه الدؤوب للعودة مجددا إلى السلطة. وفي سن الثالثة والسبعين قد يكون زعيم حزب الليكود قريبا من تحقيق هذه العودة بعد أن أشارت نتائج أولية لخامس انتخابات إسرائيلية تُجرى في أقل من أربع سنوات الى أن تكتل الأحزاب الذي يدعمه في طريقه لتحقيق غالبية برلمانية. واستخدم نتانياهو في حملته الانتخابية هذه السنة سيارة زجاجية مجهزة أمنيا أطلق عليها اسم "بيبيموبيل" بوحي من سيارة البابا "باباموبيل"، وقد جاب بها أنحاء البلاد. ورغم أنه يخضع لمحاكمة بتهم تتعلق بالفساد، يرى خبراء سياسيون أن قواعد حزب الليكود الذي يتزعمه ستبقى داعمة له. وهي المرة الأولى التي يخوضها فيها الانتخابات منذ أربع سنوات، وهو على رأس المعارضة، لا السلطة التي أطيح منها في العام 2021 على يد ائتلاف منوّع. ويرى البعض أن هذه الانتخابات تمثل فرصة "بيبي" الأخيرة في العودة الى المشهد السياسي من باب السلطة. وقال المتحدث السابق باسمه أفيف بوشنسكي لوكالة فرانس برس إن نتانياهو لن يتنحى طوعا. وأضاف "مستحيل... سيحاول فعل كل ما في وسعه لتشكيل تحالف مهما كان ذلك جنونيا، وفي رأسه مهمة إلهية أسندت اليه لإنقاذ البلاد". مستقبل شعب ولد نتانياهو في 21 تشرين الأول/أكتوبر 1949 في تل أبيب، وورث عن والده المؤرخ عقيدة متشددة، إذ كان الأخير المساعد الشخصي لزئيف جابوتنسكي، زعيم تيار صهيوني يقدّم نفسه على أنه "تصحيحي" ويسعى الى تأسيس "إسرائيل الكبرى". في العام 1976، كان شقيقه يوناتان الجندي الإسرائيلي الوحيد الذي قتل أثناء مشاركته في عملية عسكرية نفذتها وحدة كان يشرف عليها لتحرير رهائن محتجزين في طائرة خطفتها منظمتان فلسطينية وألمانية في أوغندا. في مذكراته التي نشرها الشهر الجاري، قال إنه "لن يتعافى أبدا" من مقتل شقيقه. ويضيف "عندما وصلني خبر وفاة يوني في عنتيبي، شعرت وكأن حياتي قد انتهت". ونشأ نتانياهو في جزء من حياته في الولايات المتحدة، وتخرّج من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا العريق. بفضل طلاقته باللغة الإنكليزية، ركّزت القنوات التلفزيونية الأميركية عليه أثناء كلامه عن إسرائيل بين أواخر ثمانينات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، وهو ما ساهم في صعود نجمه كشخصية سياسية على الصعيدين المحلي والدولي. في الثمانينات، شغل منصبا دبلوماسيا في سفارة بلاده في واشنطن. وتولّى نتانياهو الذي لطالما شكّك في اتفاقيات أوسلو للسلام، زعامة حزب الليكود العام 1993، وفاز في الانتخابات العام 1996، ليكون أصغر رئيس وزراء لإسرائيل سنا عندما كان يبلغ من العمر 46 عاما. خسر السلطة سنة 1999، لكنه استعادها بعد عشر سنوات ليبقى على رأسها حتى العام 2021. وجاء في مذكراته "كجندي، قاتلت للدفاع عن إسرائيل في ساحات القتال، وبصفتي دبلوماسيا صدّيت الهجمات على شرعيتها في المحافل الدولية، وبصفتي وزير مالية سعيت إلى مضاعفة قوتها الاقتصادية والسياسية بين الدول". وكتب "ساعدت في تأمين مستقبل لشعبي القديم".  مئة في المئة ولم ينخرط نتانياهو في محادثات سلام فعلية مع الفلسطينيين خلال فترة حكمه، بينما أشرف على توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة. ساهم في دفن عملية السلام مع الفلسطينيين التي بدأت في 1990، وارتفع عدد المستوطنات في الضفة الغربية خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة خمسين في المئة. فبات عدد المستوطنين 475 ألفا يعيشون وسط 2,8 مليون فلسطيني. في السياسة الخارجية، ركّز نتانياهو على إيران وبرنامجها النووي والجماعات المتحالفة معها مثل حزب الله اللبناني. خلال السنة الأخيرة من حكمه، نجح في إبرام أربع اتفاقيات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، ونجح أيضا في إخراج البلاد من الإغلاق بعدما أطلق حملة تطعيم طموحة ضد فيروس كورونا. ورغم تقدمه في السن واتهامات الفساد الموجهة اليه من القضاء وقلة عدد الأصوات التي حصدها في الانتخابات الأربع الماضية، يبقى طموحه الى السلطة على ما هو عليه. في حزيران/يونيو وبعد ثلاث ساعات من انهيار ائتلاف منافسيه وبدء الحديث عن انتخابات جديدة، وصل نتانياهو إلى مركز للتسوق في القدس وتعهد بالحد من ارتفاع تكاليف المعيشة. وقبل أيام من انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، خاطب حشدا صغيرا في مغدال هعيمك، معقل الليكود، ودان حينها الحكومة التي شكلها منافسوه ولم تعمّر طويلا، ووصفها بأنها "تجربة خطيرة وكارثية". يومها قالت راشيل كوهين (25 عاما) التي جاءت للتعبير عن تأييدها له إنها متأكدة "بنسبة مئة في المئة" من فوز نتانياهو لأنه "يهتم بالبلد" على عكس منافسيه". وأضافت الشابة التي تعمل سكرتيرة، "ليس بالضرورة أن يكون بيبي (الفائز)، لكن يجب أن يكون شخصا صالحا لنا ويهتم بنا وبأمننا". وبعد أقل من 18 شهرا على تخليه عن السلطة، قال نتنياهو إنه سينتظر النتائج الفعلية لفرز الأصوات، ومن المتوقع صدور النتائج النهائية في الأيام القليلة المقبلة. وانتهى عهد نتنياهو القياسي الذي استمر 12 عاما متتاليا كرئيس للوزراء في يونيو/ حزيران 2021 عندما تمكن يائير لابيد المنتمي لتيار الوسط من تشكيل تحالف غير تقليدي ضم أحزابا ليبرالية ويمينية وحزبا عربيا لأول مرة. لكن التحالف الهش انهار بعد عام واحد في الحكم. وقال نتنياهو "الناس يريدون طريقا مختلفا. يريدون الأمن. يريدون القوة وليس الضعف... يريدون الحكمة الدبلوماسية ولكن بحزم". وطغت على الحملة الانتخابية الشخصية المؤثرة لنتنياهو، الذي فاقمت معاركه القانونية حالة الجمود التي تعرقل النظام السياسي الإسرائيلي منذ 2019 وعمقت الانقسام بين مؤيديه وخصومه. وعززت عودة نتنياهو المحتملة شكوك الفلسطينيين في احتمال التوصل إلى حل سياسي للصراع بعد حملة انتخابية جرت وسط عنف مستمر منذ أشهر في الضفة الغربية المحتلة تضمن مداهمات واشتباكات بصورة شبه يومية.

مشاركة :