نيابة عن الملك.. محمد بن مبارك يفتتح أعمال ملتقى البحرين للحوار نيابة عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، افتتح سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة الممثل الخاص لجلالة الملك المعظم، أمس بمركز عيسى الثقافي، أعمال ملتقى البحرين للحوار (الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني)، الذي يقام على مدى يومين، بتنظيم من مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي ومجلس حكماء المسلمين والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وبمشاركة عدد من أبرز الشخصيات الفكرية البارزة وممثلي الأديان من مختلف دول العالم. وانطلقت أعمال الملتقى بعزف السلام الملكي، ثم تلاوة آيات بينات من القرآن الكريم، ثم ألقى الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كلمة نقل خلالها تحيات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء إلى المشاركين في الملتقى، وتمنياتهما لهم التوفيق والنجاح. وتقدم بالنيابة عن جميع المشاركين بعظيم الشكر لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم على هذه المبادرة الكريمة، التي من شأنها أن تدعم قيم الخير والتعايش للعالم أجمع من أمن وسلام ومحبة ووئام. رئيس الأعلى للشؤون الإسلامية: البحرين تتمتع بحريات دينية واسعة رئيس تتارستان: الملتقى فرصة للاستماع إلى الآراء حول التعايش والوئام الاجتماعي وأعلن تفضل صاحب الجلالة الملك المعظم بإنشاء جائزة الملك حمد الدولية للحوار والتعايش السلمي تأكيداً لأهمية الحوار والتفاهم والتعاون المشترك بين الدول، ودعماً من جلالته لكل جهود الخير والسلام والتقارب بين كل البشر من دون تمييز، وهو ما دعت إليه الأديان السماوية وتنظمه القوانين الدولية من أجل رفعة الأمم والشعوب. وأعرب الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة عن ترحيبه بمشاركة فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين وقداسة البابا فرانسيس رئيس الكنيسة الكاثوليكية، مقدرًا عاليًا جهود مجلس حكماء المسلمين والفاتيكان ومشاركتهما في تنظيم هذا الملتقى الكبير، سائلا الله عز وجل أن يأخذ بأيدي الجميع للإسهام في خدمة الإنسانية من خلال حوارات رصينة تكرس التعايش وثقافته وأسسه في التعاطي حول العالم، وتجعله رسالة حقيقية تتبناها الحكومات والمنظمات والشعوب. وأكد أن مملكة البحرين حظيت بجغرافيا متميزة وموقع استراتيجي مهم، حيث كانت عبر العصور ملتقى حضاريًا لمختلف الحضارات القديمة ومركزًا حيويا لخطوط التجارة والملاحة، ما جعل أهلها منفتحين على التعاطي البناء مع مختلف الأديان والمذاهب والمعتقدات والأفكار والثقافات والحضارات. وأشار إلى أن الشواهد الحضارية تبرز كشاهد على تلك الصورة الناصعة، التي يتجاور فيها المسجد والمأتم والكنيسة والكنيس والمعبد، ويمارس فيها كل فرد أو جماعة عباداتهم وطقوسهم العبادية بكل حرية وأمان، وبذلك تجذَّرت قيمة التعايش باعتبارها جزءًا من الثوابت الأصيلة للإنسان البحريني، ومرتكزًا رئيسيًّا للتعاطي العام والعمل الوطني والاجتماعي. وشدد على أن العمق الحضاري للبحرين، والتاريخ الإنساني فيها، هما من أهم مقومات التعايش فيها، مشيرا إلى عاملين أساسيين لإشاعة التعايش وديمومته ورسوخه في المجتمعات، أولهما احترام الخصوصيات الدينية والمذهبية؛ إذ إن احترامها يجعل البلدان والدول مستوعبةً للتعددية فيها، بل إنها تجعل من التعددية عاملًا حضاريًّا للبناء والتنمية، وهو ما حرصت على ترسيخه بلادنا منذ زمن بعيد. ونوه الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة إلى أن ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين وقوانيننا الوطنية تصون هذه الخصوصية، وتؤكدها، وقد حرصت البحرين على جعل تشريعاتها وأنظمتها متوائمة مع هذا التنوع، ففي قضايا الأحوال الشخصية أو الأحكام الأسرية مثلاً؛ يتحاكم كلُّ فردٍ بحسب دينه ومذهبه، وكذلك الحال فيما يتعلق بالأوقاف الإسلامية. وأشار إلى أن العامل الثاني هو الحرية الدينية، وتتمتع مملكة البحرين بحريات دينية واسعة لا تقتصر على منحها فحسب، بل تتعداه إلى دعم تلك الحريات والشعائر، وكفالتها ومساندتها وترسيخها، باعتبارها وجهًا حضاريًّا للبلاد وأهلها، فصارت البحرين نموذجًا عالميًّا يُحتذى في هذا المجال. وأوضح أن البحرين تحتل المرتبة الأولى عالميًّا من حيث نسبة عدد المساجد والجوامع ودور العبادة قياسًا إلى عدد سكانها ومساحتها حيث يمارس الجميع شعائرهم الدينية في إطار من التعايش البناء. وقال إنه مع إطلالة القرن الحادي والعشرين، كانت البحرين على موعدٍ مع التاريخ بقيادةٍ استثنائيةٍ حكيمةٍ من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، الذي دشَّن عهده الزاهر بإطلاق مشروع وطني إصلاحي تنموي شامل؛ يبني على ثوابت البلاد وقيمها وهويتها وعاداتها وتقاليدها، صاغه جلالته برؤية ثاقبة، وأسس صلبة متماسكة. وأضاف أن مملكة البحرين حملت بقيادة جلالته رسالة التعددية والتعايش والسلام لتبثها في العالم كله، مصافحةً بذلك كل الجهود الدولية في هذا المضمار؛ انطلاقًا من إيمانها الراسخ بأهمية هذه الرسالة ليعم الخير أرجاء المعمورة. وأشار إلى أن جلالته أطلق سلسلةً من المبادرات السامية في هذا المجال؛ ومن أهمها إنشاء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وتدشين كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي بجامعة سابينزا الإيطالية العريقة، وتوقيع إعلان مملكة البحرين في الولايات المتحدة، وإطلاق مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية. بالإضافة إلى دعوة جلالته لفضيلة شيخ الأزهر الشريف وقداسة بابا الفاتيكان إلى المشاركة في أعمال هذا الملتقى المبارك. وأكد أن مملكة البحرين وقيادتها الحكيمة حملت رسالة التعايش والسلام بكل حرصٍ وإيمانٍ ووفاءٍ، لتكون منارةً لبث هذه القيم النبيلة، ومركزًا لمبادراتٍ عالميةٍ استباقيةٍ نوعيةٍ في هذا المجال؛ إيمانًا بما لهذه القيم الإنسانية السامية من دورٍ وإسهامٍ فعَّالٍ في خير العالم وأمنه ونهضته، وستبقى مملكة البحرين بقيادة مليكها المعظم وفيةً ومخلصةً لهذه الرسالة السامية والنبيلة، رائدةً معطاءةً فيها، يشهد لها التاريخ فيها برسوخ القدم وصدق النية والعزيمة، نحو عالم أكثر سلمًا وسلامًا وأمانًا. وفي ختام الكلمة، دعا الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة الجميع إلى التكاتف والتعاون لدعم قيم الخير والتعايش والسلام، والتصدي بكل مسؤولية لدعاة الفتنة والتحريض والكراهية. بعدها، ألقى فخامة رستم مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان كلمة أعرب فيها عن خالص الشكر والتقدير لجلالة الملك المعظم على هذه المبادرة والدعوة إلى عقد الملتقى، ولاسيما أن قضية الحوار بين الأديان والثقافات تعد أمرًا مهمًا جدًا للعالم في هذه المرحلة التي يمر فيها بأوضاع صعبة ومعقدة. وأشار إلى أن الملتقى يمثل فرصة للاستماع إلى مختلف الآراء القيمة حول سبل التعايش والوئام الاجتماعي بين الثقافات والديانات المختلفة. واستعرض تجربة بلاده تتارستان في تعزيز التعايش بين جميع الأطياف والمكونات التي تعيش على أرضها، وما تمتلكه من إرث حضاري وتاريخي يقوم على التنوع والتعدد والاحترام المتبادل، والجهود التي تقوم بها لدعم هذه القيم الإنسانية، مشددًا على أهمية هذه القيم في تحقيق التقدم والنماء للشعوب. ثم ألقى الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش بدولة الإمارات العربية المتحدة عبر فيها عن عظيم الشكر والامتنان لراعي الملتقى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، وذلك تقديراً صادقاً لحرص جلالته على نشر وتأكيد مبادئ التسامح والتعايش السلمي، والاحترام المتبادل بين الجميع. وأعرب عن الشكر والتقدير لمملكة البحرين لاستضافتها هذا الملتقى، الذي يعكس ما تتسم به المملكة من ريادة وتميز في الحوار والتسامح والتعايش والسعي إلى بعث الأمل والثقة، في مستقبل العالم. وقال إن هذه النخبة المتميزة من المفكرين ورموز وممثلي الأديان حول العالم يعبرون بوجودهم في هذا الملتقى عن أننا جميعاً أعضاء في مجتمع إنساني واحد نعمل سوياً من أجل تحقيق حياة حرة وكريمة للجميع في كل مكان. وأشار إلى أن هذا الملتقى يؤكد من جديد ضرورة أن يكون الطابع الروحي للأديان، والقيم الإنسانية التي يشترك فيها البشر في كل مكان، أساساً لإحداث تغييرات قانونية، وأدبية، وأخلاقية، وسلوكية، واقتصادية، في حياة الناس، تحقق التعارف والحوار والعمل المشترك بين الجميع، لما فيه مصلحة الجميع. وتطرق إلى جهود دولة الإمارات برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في دعم قيم التسامح والتعايش. بعدها، ألقى قداسة برثلماوس الأول البطريرك المسكوني رئيس أساقفة القسطنطينية بالجمهورية التركية كلمة شدد فيها على أهمية الحوار في مواجهة التحيز والتعصب وسوء فهم الآخر وما لذلك من آثار سلبية على السلام، مشددًا على أهمية بذل من الجهود الإنسانية المشتركة التي تعزز من قيم الحوار وتسهم في ترسيخ التعايش بما يسهم في التغلب على الأزمات. ثم ألقى السفير حسين إبراهيم طه الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي كلمة أعرب فيها عن شكره لجلالة الملك المعظم ولمملكة البحرين على تنظيم هذا الملتقى، والمبادرة التي تهدف إلى خدمة الإنسانية والقيم البناءة المشتركة بين الأديان من أجل التعايش السلمي والتسامح بين الجميع. وأكد أن الملتقى يكتسب أهمية بالغة على مستوى الأفكار التي تساند القيم التي تنادي باحترام الاختلاف العرقي والديني والتعدد الثقافي، مستعرضًا الجهود التي تقوم بها منظمة التعاون الإسلامي في ترسيخ مبادئ الحوار وما توليه من اهتمام بكل ما من شأنه أن يحقق السلام والاحترام المتبادل بين الأديان ورفعة قيم المحبة والتسامح بين مختلف الأمم والشعوب. بعدها، ألقى ميغيل أنخيل موراتينوس وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات كلمة أعرب فيها عن سعادته بالمشاركة في هذا الملتقى والتي تأتي في إطار رؤى مملكة البحرين بقيادة جلالة الملك المعظم في دعم قيم التعايش واحترامها للتنوع الثقافي والتعددية الدينية وما تشكله هذه القيم من أولويات في نهج مملكة البحرين. وأشاد بالجهود التي يقوم بها جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه في سبيل دعم الجهود الدولية الرامية إلى نبذ التطرف والعنف والكراهية، منوهًا إلى ما تحظى به مملكة البحرين من تاريخ وحاضر يقوم على احترام الحريات والتعددية الثقافية والدينية. وتطرق إلى احترام الدين الإسلامي لقيم التعايش واحترام الآخر وكل ما يخدم الإنسانية ويدفعها إلى التقدم. ثم تم عرض فيلم عن تاريخ مملكة البحرين وقيمها الحضارية التي تميزت بها عبر العصور من تعايش وسلام حتى أصبحت قبلة حاضنة لكل الثقافات، وما وصلت إليه من تطور في هذا المجال في ظل العهد الزاهر لجلالة الملك المعظم. المتحدثون يؤكدون الدور الرائد للبحرين في نشر دعائم السلام العالمي اتفق المتحدثون في الجلسة الرئيسية من ملتقى البحرين للحوار «الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني»، الذي يقام برعاية كريمة من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، تزامنا مع زيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، التي عقدت أمس الخميس، في مركز عيسى الثقافي، على ضرورة تبني الممارسات الصحيحة والمسؤولة لمبدأ الأخوة الإنسانية كأسلوب حياة مستدام، للتغلب على الصراعات والنزاعات والتصدي للتحديات التي تواجه البشرية في مختلف بقاع الأرض. وأكد المتحدثون في الجلسة التي حملت عنوان «تجارب تعزيز التعايش العالمي والأخوة الإنسانية»، الدور الرائد والكبير الذي تضطلع به مملكة البحرين في مجال نشر دعائم السلام العالمي وتعزيز ثقافة التعايش والتسامح واحترام الأديان، مثمنين بكثير من التقدير الجهود والمبادرات القيّمة والمتميزة لحضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم، على الصعيدين الإقليمي والدولي، ما جعل البحرين أحد أبرز النماذج والتجارب الإنسانية العالمية لترجمة محور هذه الجلسة والتعبير عنها بشكل واقعي. وفي مستهل الجلسة أوضح السيد محمدو إيسوفو، الرئيس السابق لجمهورية النيجر عضو مجلس حكماء المسلمين، أن ما يمر به العالم اليوم من صراعات وأزمات سياسية واقتصادية وأمنية إلى جانب قضايا الفقر والجوع والمناخ، وضعت الشعوب تحت ضغوط هائلة تستوجب التعاون والتقارب والالتقاء عبر حوارات الأديان للعبور بسفينة الإنسانية إلى بر السلام والأمان المنشود. وأضاف إيسوفو في استعراض تجربة النيجر للتعايش، إن مرجعية جميع البشر ينبغي أن تكون هي الأخوة في الإنسانية بعيداً عن التقارب الفئوي أو التصنيفات البغيضة القائمة على الدين أو المذهب أو العرق واللون والهوية، مؤكداً أن الهوية الإنسانية أشمل وأكثر شمولية. من جانبه قال نيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الكنيسة المارونية في لبنان، إن ملتقى البحرين للحوار بين الشرق والغرب من أجل التعايش، همزة وصل تربط بين وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها بابا الفاتيكان وفضيلة شيخ الأزهر في أبوظبي عام 2019 من جهة، والرسالة العامة للسلام التي أطلقها بابا الفاتيكان في 2020 تحت شعار «كلنا جميعاً أخوة»، وهذا يؤكد أن البشر جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات والكرامة. وأوضح نيافة الكاردينال أن التعايش الإنساني يتطلب التزاماً محلياً وإقليمياً ودولياً لنبذ التطرف الديني واللعب على عامل الأديان والمعتقدات لتكريس الانقسام والتباعد والكراهية بدلاً من الوحدة بين أبناء الشعب الواحد وجميع شعوب الأرض. وخلال استعراضه لتجربة بلاده مع التعايش، أكد أن الحوار بين الأديان المختلفة لا يتحقق بالدبلوماسية والسياسة بل بالصداقة والتعاون وتقاسم القيم الروحية بين مختلف الأجناس، والانفتاح الحقيقي على الجميع تحقيقاً للأهداف المنشودة من هكذا ملتقيات وحوارات. إلى ذلك، حذر نيافة هيرومونك جريجوري ماتروسوف، رئيس المجلس البطريركي للتواصل مع المسلمين في روسيا الاتحادية من تفاقم خطر النزاعات والحروب لأسباب مختلفة على أمن واستقرار المجتمع الإنساني في ظل تطور العصر ومتطلبات العولمة التي جعلت الحاجة أكثر إلحاحاً للعودة إلى جوهر الأديان طلباً للسكينة والاطمئنان والتدبر في كيفية الوصول إلى عالم يتقبل وجود الآخر مع الاختلاف من دون خلاف. ولفت نيافة ماتروسوف، إلى وجوب التكاتف بين المؤسسات الدينية والمدنية والحكومية من أجل التصدي للمؤامرات الخبيثة التي تُحاك لضرب السلام بين الأديان وتشويه صورتها عبر الجرائم الإرهابية التي يقترفها بعض المتطرفين باسم الأديان ولكن في حقيقة الأمر هم لا يدركون أنهم يسيؤون لدياناتهم وللبشرية التي تتأثر بفعل هذه الجرائم. وفي معرض استعراضه لجهود مملكة البحرين في ملف التعايش والسلام، أشاد الحاخام مارك شناير، رئيس مؤسسة التفاهم العرقي بالولايات المتحدة الأمريكية، بما تبذله المملكة عالمياً عبر مد جسور التواصل والتقارب بين كل شعوب العالم عبر مبادرات وممارسات أثبتت نجاحها واكتسبت ثقة كبيرة أهلتها للريادة في هذا المجال وجعلت منها المحطة الثانية خليجياً في زيارات قداسة بابا الفاتيكان الخارجية. وأكد الحاخام، أن مملكة البحرين ليست بحاجة إلى تخصيص عام للتسامح لأنها في واقع الأمر تمارس التسامح والتعايش كل يوم وبالتالي فجميع الأعوام في البحرين تستحق أن تكون أعواماً للتسامح. واستعرض السيد إيوان سوكا الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي ومقره سويسرا، عدة تجارب إنسانية للتعبير عن التنوع والاختلاف والذي هو جوهر الأديان والأصل المتعارف عليه في الأديان الإبراهيمية بشكل عام. وأكد السيد سوكا أنه من الضروري الإتيان بقيم مشتركة لمعالجة القضايا والمشكلات والالتزام ببناء الثقة بين الشعوب رغم الاختلافات الكثيرة بينها، وأوضح أن من أهم التجارب في التعايش والتي تواجه البشرية جمعاء في السنوات الأخيرة هي قضايا المناخ التي تتطلب الوحدة والتعاون والعزم الحقيقي لتغيير السلوك البشري للتغلب على هذه الأزمة التي تهدد كوكب الأرض. وفي ختام الجلسة، قال المستشار الدكتور محمد عبدالسلام، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين إن كلمة «المحبة» هي الكلمة الجامعة التي تردد على لسان جميع المشاركين في جلسات هذا الملتقى الذي يلتئم فوق أرض مملكة البحرين، والتي تعتبر نموذجاً حياً وراقياً في تكريس قيم التسامح والأخوة الإنسانية في أروع صورها. وأضاف د. عبد السلام، أن العالم في الشرق والغرب يزخر بعدد هائل من المؤسسات المدنية والدينية المستقلة والحكومية التي تعمل سوياً من أجل هدف انساني واحد مشترك وهو إرساء السلام ونبذ الخلافات والتعايش مع الاختلافات بين الأسرة البشرية الواحدة. وأكد أن العالم الآن أصبح لديه وثيقتان ومرجعيتان إنسانيتان مهمتان هما: إعلان مملكة البحرين للتعايش السلمي، ووثيقة الأخوة الإسلامية، إلى جانب المواثيق العالمية والأممية التي تكفل الحريات وتدعو إلى السلام والاحترام المتبادل. د. مفيد شهاب: المجتمع الدولي مازال يعاني من ويلات التعصب الديني والعرقي والطائفي بسبب فرض القوى الكبرى لرؤيتها وتوجهاتها أكد د. مفيد شهاب أستاذ القانون الدولي أن أحد أهم التحديات المعاصرة التي تواجه مجتمعاتنا هي كيفية التعامل مع الاختلاف والتنوع الديني والمذهبي، مضيفا أنه مع تزايد وتيرة التحريض على العنف وارتكاب جرائم تحت مبررات دينية وعرقية، أصبح موضوع إدارة التنوع عبر التعايش الإنساني من الموضوعات المهمة. وقال إن هذا لا ينطبق على أصحاب القرار السياسي، ولكن يمتد إلى الأفراد في مختلف المجتمعات، مشيرا إلى أن التعايش الإنساني بات محورا أساسيا لحسن إدارة التنوع في المجتمعات وقوة دفع لتعزيز التماسك المجتمعي، وتحقيق السلام، وهو أولوية تنطلق مع الثقة والاحترام المتبادل والرغبة الحقيقية في تعاون مثمر من أجل النهوض بالمجتمعات، وبديله هو الإقصاء والإلغاء مع ما يترتب عليهما من كراهية وعنف. وتطرق إلى وثيقة الأخوة الإنسانية التي تم تدشينها في أبو ظبي في 2019، لافتا إلى أن دور المجتمع الدولي في تعزيز ونشر ثقافة قيم التسامح والتعايش يأتي من منطلق أن الشرق والغرب على جرف واحد بمسار الاهتمام بالقيم الإنسانية، يكمل بعضهما بعضا. وأوضح د. شهاب أن قيم التعايش والتسامح هي من الفطرة، أما التعصب والكراهية والبغضاء فهي أمور عارضة لا تستقيم مع النهج القويم، ومن حق الإنسان أن يختلف مع غيره، ولكن ليس من حقه أن يجعل الاختلاف زريعة للكراهية والبغضاء، لأن إشاعة الكراهية بين الناس تمزق وحدة مجتمعاتهم وتقتل فيهم الإحساس بهويتهم الإنسانية. وتساءل أستاذ القانون الدولي إلى أي مدى استطاعة المنظمات الحكومية وغير الحكومية في نشر ثقافة قيم التعايش والتسامح الإنساني، وهل نجح المجتمع الدولي في الاستفادة من نصوص الإعلانات والمواثيق الدولية المعنية بنشر قيم التسامح والتعايش وتحويلها إلى واقع ملموس يخدم البشرية، وكيف يمكن لقيم التعايش الإنساني والتسامح أن تجد طريقها في مجتمعات متنوعة الميول والنزعات وخصوصا أن العالم يعيش وجها لوجه بفعل العولمة؟ واختتم د. مفيد شهاب حديثه مؤكدا أنه رغم النصوص الصريحة الواردة في المواثيق الدولية ذات الصلة والتي سعت المنظمات إلى تفعيلها، إلا أن المجتمع الدولي، وبكل أسف، مازال يعاني من ويلات التعصب الديني والعرقي والطائفي بسبب فرض القوى الكبرى لرؤيتها وتوجهاتها، دون فهم أو استيعاب لغيرها من الدول والشعوب، ومن دون نظر لاحتياجات الشعوب الفقيرة، إذ لا يعني هذه الدول الكبرى إلا نفسها، وقد تناست أنه من دون التسامح والتعايش لا مجال للحياة، ومن دون السلام لا يمكن الحديث عن تنمية. العلامة علي الأمين يدعو إلى تدريس التعايش الإنساني دعا المرجع الشيعي اللبناني، عضو مجلس حكماء المسلمين، سماحة العلامة السيد علي الأمين، الأمم المتحدة إلى دعم فعاليات التعايش الإنساني والتي تجمع بين مختلف الأطياف والفئات، والمساهمة في وضع كتاب مدرسي بعنوان «الحوار بين الأمم والشعوب» يتضمن دورسا وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية، ويتم تدريسه إلزاميا في المدارس والجامعات، كما اقترح على المنظمة الأممية إنشاء معهد جامعي للدراسات الحوارية من مختلف أنواع الأديان والثقافات، وهو ما يساعد على تخريج جيل من الدعاة المبشرين بثقافة التسامح والحوار ينشرونها في أوطانهم وبين شعوب العالم. د. خالد بن خليفة: أهمية كبيرة لجائزة الملك حمد الدولية للتعايش أكد د. خالد بن خليفة آل خليفة رئيس مركز أمناء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي أهمية جائزة جلالة الملك حمد الدولية للحوار والتعايش السلمي التي تم تدشينها على هامش أعمال الجلسة الافتتاحية لـ«ملتقى البحرين للحوار.. الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني»، لافتا إلى أنها واحدة من المبادرات السامية التي أطلقها جلالة الملك المعظم في سبيل نقل تجربة البحرين في التعايش السلمي إلى العالمية، منوها إلى أن المملكة احتضنت العديد من المؤتمرات والملتقيات والمنتديات ذات العلاقة بملف التعايش السلمي على مدار العشرين عاما الماضية. وقال إن ملتقى البحرين للحوار يضم نخبة من العلماء والمفكرين والقادة الدينيين من مختلف أنحاء العالم، مشيرا إلى أهمية إعلان مملكة البحرين الذي خطه جلالة الملك المعظم بنفسه فكرا ورؤيته للتعايش والتسامح الديني. قاضي قضاة فلسطين: الملك يمثل رمزية عربية وإنسانية أكد الدكتور محمود الهباش، قاضي قضاة فلسطين ومستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، على ما يمثله جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين المعظم، من أهمية ورمزية في المنظومة العربية والإنسانية، بما يعكسه على الدوام من رؤى إنسانية تعمل على نشر قيم السلام والعدل والمساواة بين الشعوب قاطبة. جاء ذلك في تصريح خاص لوكالة أنباء البحرين (بنا)، على هامش انعقاد «ملتقى البحرين للحوار: الشرق والغرب من أجل التعايش الإنسان»، والذي انطلقت أعماله صباح أمس الخميس، بمشاركة نخبة من رجال الدين والعلماء والمثقفين والإعلاميين. وأشار الدكتور الهباش إلى ما تتميز به مملكة البحرين منذ قديم الزمن من مساحات كبيرة للتعايش والحوار وقبول الآخر، وما جعلها من أكثر الدول تميزاً وانفتاحاً، مشيدا بجهود الشيخ عبدالرحمن بن محمد آل خليفة، رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، على تنظيم وإدارة هذا الملتقى الإنساني العالمي. وعن أهمية انعقاد ملتقى البحرين للحوار؛ قال قاضي قضاة فلسطين إنه في ظل ما يشهده العالم من مظالم وحروب واختلافات، لا بد أن يكون هناك لقاءات ذات طابع إنساني عالمي، لأن المشترك الإنساني أقوى من كل القضايا الخلافية، لذلك من المهم البحث عن القواسم المشتركة لتحقيق العدل والسلام والأمن والاستقرار للجميع، كما يجب تضافر الجهود الإنسانية لإنهاء كل الصراعات والمظالم الإنسانية حول العالم وإقرار الحقوق المشروعة للشعوب، ومنها الشعب الفلسطيني، والذي لا زال يعاني من الاحتلال. وأضاف الدكتور الهباش أننا كمسلمين نؤمن بأهمية التعايش الإنساني، لأننا كلنا من آدم، ومن أصول واحدة، لذلك فما يجمعنا من قيم أكثر مما يفرقنا. وأشار قاضي قضاة فلسطين إلى الدور الكبير والإيجابي الذي يقوم به رجال الدين في تعظيم القواسم الإنسانية المشتركة بين البشر، إذ يجب أن يكونوا جزءاً من حل الخلافات والإشكاليات القائمة، لأن الدين في جوهره سلام وأمن ومحبة، لذلك أصبح من المهم تضافر جهود رجال الدين بما لهم من قدرة وتأثير روحي وإنساني لنشر قيم السلام بين البشر، وأن يكون جزءًا أساسياً من حل الخلافات وليس سبباً لها.
مشاركة :