بعد تراجع عديد من المعادن الصناعية أول أمس افتتحت بورصة لندن أمس على اتجاهات سعرية أعلى للمعادن الصناعية أو الأساسية وهي النحاس والنيكل والزنك والقصدير والرصاص، مسجلة زيادة بنسبة 0.9 في المائة. وواصل الرصاص تفوقه على غيره من المعادن، محققا زيادة بـ 1.4 في المائة، يليه النيكل والزنك بزيادة قدرت بـ 1.1 في المائة و1.0 في المائة على التوالي، بينما حافظ النحاس والألومنيوم على ارتفاع بنحو 0.8 في المائة، بينما لم تتغير أسعار القصدير. التحسن طال أيضا المعادن النفيسة، التي تم التداول فيها بزيادة إجمالية في المتوسط السعري قدر بـ 0.5 في المائة، وارتفعت أسعار البلاديوم بـ 1.3 في المائة، يليه البلوتونيوم بـ 0.8 في المائة، وبينما انخفض الذهب 0.2 في المائة ارتفعت الفضة 0.1 في المائة. أما في بورصة شنغهاي، فإن تعاقدات المعادن الأساسية للشهر الجاري أصيبت ببعض التراجع وبلغ المتوسط العام لتراجعها 0.7 في المائة، وكان الزنك والألومنيوم أسوأهم أداء إذ تراجعا 1.6 و1.4 في المائة على التوالي، أما القصدير والنيكل والنحاس فقد انخفضت أسعارها 0.9 و0.6 و0.3 في المائة على التوالي، ومثل الرصاص استثناء في حركة المعادن ببورصة شنغهاي، حيث حقق ارتفاعا طفيفا قدر بـ 0.3 في المائة. وبات التساؤل هل من عوامل مفسرة لما يحدث في سوق المعادن؟ وهل يمكن استشراف الأسعار في المستقبل القريب والمتوسط؟ وهل ستتباين مسارات المعادن الأساسية والمعادن النفيسة خلال الفترة المقبلة؟ ويؤكد آرنولد فولي كبير المحللين الماليين في بورصة لندن، أنه بالنسبة للمعادن الأساسية، فإن التوقعات هي أن تستقر تحركاتها السعرية في الأجل القريب، نتيجة اتجاه الأوضاع المالية المضطربة في الصين للاستقرار، ولكن لا يمكن أن نستبعد تحركات سلبية في المؤشرات السعرية خلال الأسبوع المقبل، بسبب ضعف رغبة المستثمرين في الاستثمار. ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه بالنسبة للمعادن النفيسة مثل الذهب والفضة والبلاتونيوم، فإن أغلب التكهنات ترجح زيادة خلال اليومين المقبلين، على أن تحقق مزيدا من الارتفاع في الأسبوع المقبل، وربما يرتفع الطلب نتيجة الأسعار المنخفضة حاليا، بينما يتحسن طلب المستثمرين على الفضة، كلما تحسن المناخ المالي والاستثماري على المستوى العالمي. ولكن إذا كانت تلك هي التوقعات بشأن قطاع المعادن، سواء الأساسية أو النفيسة، فما هي العوامل الموجهة لوضعه السعري الراهن؟، تقول لـ"الاقتصادية"، الدكتورة تينا كامبالي أستاذة التجارة الدولية في جامعة أكسفورد، إن المحدد الأساسي لتراجع أسعار المعادن بشقيها الأساسي والنفيس بالإضافة إلى انهيار أسعار النفط يعود إلى الوضع المضطرب للاقتصاد الصيني منذ آب (أغسطس) الماضي. وتضيف كامبالي أنه على الرغم من أن التخمة الراهنة في سوق النفط، سمحت بإخراج عديد من منتجي النفط الصخري من الأسواق، بما يعنيه ذلك من انخفاض الخام المنتج من الزيت الصخري، فإن تراجع الطلب الصيني – أحد أكبر المساهمين في زيادة الطلب على النفط خلال العقد الماضي- أوجد مخاوف حقيقية لدى المنتجين، وفي اعتقادي أن الأسواق ربما تفتقد القدرة بمفردها على إحداث التوازن بين العرض والطلب. ويعتقد معظم الخبراء الآن أن انخفاض الطلب على المعادن سيتواصل ليس فقط هذا العام، بل والأعوام المقبلة، في ضوء تراجع الاستثمارات الصينية في مجال البنية الأساسية، خاصة في قطاع الكهرباء أحد أكبر القطاعات استهلاكا للمعادن وتحديدا النحاس. وتشير التقديرات إلى أن أعلى سعر يمكن أن يصل إليه طن النحاس هذا العام هو 5200 دولار للطن، بينما يمكن أن يتدنى السعر إلى 3850 دولارا للطن، وسط توقعات بتراوح الأسعار في المتوسط عند مستوى 4600 دولار للطن. وأشار لـ"الاقتصادية"، جون هربر من بورصة لندن، إلى أن الوضع في سوق النحاس مترد للغاية، والأسعار الراهنة أقل من تكلفة الإنتاج، ونحو 17 في المائة من مناجم النحاس الآن تتعرض للخسارة عند المستويات السعرية الراهنة، ويتوقع أن يتم خفض الإنتاج العالمي من النحاس خلال النصف الثاني من 2016، ما قد يمنح الأسعار دفعة للأمام. والألومنيوم هو الآخر يواجه وضعا صعبا في ضوء الانخفاض المتواصل في أسعاره، ويبدو أن مشكلة المعدن أكثر تعقيدا من غيره من المعادن في ظل رفض معظم المنتجين خفض الإنتاج، ما أسهم في ارتفاع الناتج العالمي للألومنيوم بنحو 10 في المائة. ومع هذا يعتقد بعض الخبراء أن معركة الألومنيوم ستتوج بفوز المنتجين الصينيين في مواجهة نظرائهم في الغرب وإجبارهم على الإغلاق خلال السنوات القليلة المقبلة، حيث تقترب الصين من التحول من مستهلك إلى منافس، جراء انخفاض تكلفة الإنتاج لديها، وقيامها باستخدام أحدث أساليب الإنتاج، كما أن أكبر ست شركات منتجة للألومنيوم في الصين تخطط لمشروع مشترك لضمان الحد من منافسة بعضها بعضا، والتكتل في مواجهة خصومها الخارجيين، ولا شك أن النجاح في تكوين هذا المشروع، سيغير بشكل جذري من هيكل السوق والإنتاج في قطاع الألومنيوم عالميا. ويبدو الوضع في سوق خام الحديد الأكثر سوداوية حاليا، فالأرباح تنخفض بالنسبة للمنتجين، خاصة بعد تراجع الأسعار إلى 40 دولارا للطن، ويوجد شبه إجماع حاليا بأن الأسعار ستواصل الانخفاض هذا العام، خاصة مع مواصلة كبرى المناجم الأسترالية الإنتاج بذات الوتيرة السابقة في الوقت الذي يتقلص فيه الطلب الصيني. وحول أسعار الذهب والفضة يقول لـ "الاقتصادية"، هنري شيبرد الباحث الاقتصادي إن "بنك أوف سكوتلاند" أصدر تقريرا لعملائه أعرب فيه عن توقعه بأن يشهد العالم أزمة ركود، معتبراً العام الراهن "كارثياً" ودعاهم إلى بيع كل شيء باستثناء السندات، وفي مثل هذه الأجواء المشحونة بالسلبية، فإن المستثمرين لن يكون أمامهم سوى اللجوء للمعادن النفيسة كالذهب والفضة. وحول تأثير قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة على سوق الذهب يشير شيبرد إلى أن تلك الزيادة ضعيفة، ولم تؤثر في الطلب على الذهب، مضيفاً أن تأثير تراجع الأوضاع الاقتصادية في الصين أكبر، لكن إذا واصل الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة هذا العام فيمكن أن نكون أمام مشهد مختلف ستخرج منه المعادن النفيسة خاسرة.
مشاركة :