هل يُعقل أن تتقابل أرواح الأحياء بالموتى؟ فإذا كان كذلك فأين وكيف؟. لا يخفى على أحد أن عالم الأحلام أو المنام هو واقعٌ نلمسه و نُقر به، ولا سيما الرؤى التي تنعكس على واقعنا، فأحد ملوك الفراعنة في أيام نبي الله يوسف عليه السلام، رأى أحوال مصر لأربعة عشرة سنة قادمة، رخاءٌ لسبعة أعوام ثم تعقبها شدة وضنك، تمثلت في سبع بقرات سمان تأكلهن سبع بقرات عِجاف، لم يستطع كهنة مصر أن يحلّوا هذه الأحجية جميعًا، فكانت سببًا في الإفراج عن نبي الله يوسف. و الملفت في الأمر أنه خرج من السجن بعد سبع سنواتٍ قضاها بين قضبانه. فما قصة الرقم سبعة وما سرهُ؟، حتى أن الطواف حول الكعبة سبع مرات، وهذا ليس موضوعنا الآن، اتركه لكم تبحثون فيه. جُلنا نرى أحلامًا ونشعر بها ولكن لا نعلم كم تستغرق من الوقت، لأنها خارجة عن مقياس اليقظة، وقد تتلاشى مع النسيان بعد الاستيقاظ، إلّا إذا كانت مؤشرًا لحدثٍ ما فتعلقُ في الذاكرة، وهذا ما حدث مع ملك مصر تمامًا. ومهما أمتد وقت النوم فلا يشعر به الإنسان فيعتقد أنه نام يومًا أو جزءًا منه، وهذا ما شعر به نبي الله عُزير حينما دخل على قريةٍ خاويةٍ وقد تهدمت عروشها، فتوجس في نفسه من قدرة الله على إحيائها، فأماتهُ الله مائة عام ثم بعثه ليُريهُ كيف أنهُ قادرٌ على إحياء كل شيء من العدم وأرجع ما عطب إلى أصله ؛ {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}. وفي جزءٍ آخر من الآية قطع الله له الشك باليقين حينما جعله يشاهد إعادة ترميم حماره وارجاعه إلى أصله بعد أن غدت عظامه رميم ؛{وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ}. وجرت العادة تسمية النوم بالموتةُ الصغرى وهو مغادرة الروح الجسد ثم العودة إليه مرة أخرى عند الاستيقاظ، وكم من نائمٍ كانت نومته الأخيرة يقبض الله فيها روحه وينتقل إلى الرفيق الأعلى. تنتقل روحه أو ينتقل هو إلى الحياة البرزخية التي عِلمُها عند الله، إلّا أنه ذكر بعض صفاتها وما يحدث فيها للأموات فمنهم من يُنّعم جزاء منه ؛ {ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، ومنهم من يُعّذب إلى أن تقوم الساعة، أمثال آل فرعون الطغاة الذين تَجّبروا وطغوا في البلاد ؛{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}. وفي عدة مواضع مثّلَ الله الموتَ بالرقود والقيام منه مثل النوم في الدنيا ؛{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ، هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}، وفي قصة الفتية الذين انزوا إلى كهفٍ فرارًا بدينهم ناموا في سبات عميق لمدة ثلاثمائة عامٍ ولم يشعروا بها، فظنوا أنهم ناموا يومًا أو جزءًا منه {وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ}. وهذا يبعث الحيرة فينا ونتسائل كيف لم يشعروا بطول الحياة البرزخية التي قد تمتد لآلاف السنين والأعوام، ولا يشعرون بها بعد بعثهم، فيظنون أنهم كانوا رقودًا ليومٍ أو جزءًا منه، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فما تفسير رؤية تقابل الأحياء أثناء منامهم بأقاربهم أو معارفهم الأموات الذين تحللت أجسادهم بين التراب وغدت جزءًا منه. وقد حدث معي ذلك أكثر من مرة، فقد قابلت أبي وخالي المتوفيان منذ أكثر من عشرين عامًا وهما يتسامران و سعيدان فقبّلتُ رأسيهما. وقد قالت أُمنا عائشة رضي الله عنها: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: « الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف». وبناءً على ماسبق يتضح لنا أن حياة البرزخ هي محطة لأرواح الموتى بين الدنيا والآخرة، وبنفس الوقت هي حديقة مؤقتة تتلاقى فيها الأرواح أحياءً و أمواتًا، والروح هي النفس التي ذكرها الله في القرآن والتي تكمن فيها نوازع الخير والشر، وقد اختلف العلماء في كينونتها، فمنهم من يعتقد أن الروح والنفس هما شيءٌ واحد، ومنهم من يعتقد أن الروح شيء والنفس شيءٌ آخر، وبغض النظر عن أي الاعتقادين أصح فهي الصندوق الذي يُحفظ فيه ما يقترفه الإنسان من أعماله بكينونته الذاتية في الحياة الدنيا، وعلى ضوءه يحاسبه المولى، وذلك تصديقًا لقول المولى ؛{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}. وهذا طبعا في علم الغيب لا يعلمه إلّا الخبير العليم سبحانه، وما لنا غير الاستنتاجات التي قد تصيب وقد تخيب، وإن أصبنا فذلك رزقٌ من عند الله وحده، وإن أخطئنا فذلك من عندي أنفسنا وهو اللطيف الغفور، وهذا ليس عيبًا، لأن الحصول على الحقيقة لا يأتي إلّا من خلال الاستنتاجات وقد شاهدنا كثيرًا من النظريات تم تثبيتها لدلالتها وفتح مجال للتعرف أكثر على الحقائق، بينما صُرف النظر عن البعض التي وجدت أنها تخالف الواقع، ما عدا ما تم ذكره في كتاب الله وفي الصحيحين والذي يقطع الشك باليقين.
مشاركة :