أنهت القمة العربية الـ 31 أعمالها بالجزائر مساء اليوم (الأربعاء) بالإتفاق على إعلان الجزائر الذي حمل عددا من القرارات والالتزامات التي تصب في إطار تعزيز العمل العربي المشترك وحماية الأمن القومي العربي من التهديدات والتدخلات الخارجية والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، في حين سوف تعقد القمة العربية المقبلة في الرياض. وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي تترأس بلاده القمة الحالية في كلمة لاختتام إن القمة أكدت الإلتزام المشترك والثابت للدول العربية للدفاع عن القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. من جهته، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته على أن الأمن القومي العربي هو كل لا يتجزأ بسبب أن الأخطار التي "تداهم دولنا واحدة" وترتبط في مجملها بمفهوم تهديد الدولة الوطنية وتدخل قوى اقليمية أجنبية في شؤون المنطقة من خلال تغذية النزاعات وصولا إلى الاعتداء العسكري المباشر على بعض الدول العربية وكلها عوامل أفضت إلى طول أمد الأزمات دون حل. واعتبر أن الاستقطاب الدولي أصبح عنصرا ضاغطا سياسيا واقتصاديا على نحو بات يؤثر على الجميع، ودعا إلى تبني مقاربة مشتركة وشاملة تهدف إلى تعزيز قدرات الدول العربية الجماعية على مواجهة مختلف الأزمات. وفي مؤتمر صحفي مشترك عقده وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في ختام القمة، قال لعمامرة إن "قمة الجزائر كانت قمة التجديد والتجدد ووضعت لبنة كبيرة على درب عملية التعزيز والتطوير للعمل المشترك العربي". وأكد أن الجامعة العربية برهنت على قدرة التفاعل مع الأحداث والتأقلم مع مستجدات العمل العربي وقدرتها على أداء دورها الكامل في تأطير العمل العربي المشترك. من جانبه، أعلن أبو الغيط أن القمة العربية المقبلة ستعقد في الرياض. ونوه بأنه لمس من قادة الدول العربية شعورهم بالحاجة إلى التفاعل مع العالم ككتلة وليس كدول فرادى، مع استحواذ البعد الاقتصادي العربي المشترك على اهتمام أساسي بسبب أزمة الطاقة والغذاء والمياه والتغيرات المناخية التي لها تأثيراتها على الدول العربية. ودعا الإعلان إلى تفعيل دور جامعة الدول العربية في الوقاية من النزاعات وحلها وتكريس البعد الشعبي وتعزيز مكانة الشباب والابتكار في العمل العربي المشترك. وشدد على أهمية الالتزام بمضاعفة الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادي العربي وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصادات العربية وللفرص الثمينة التي تتيحها، بهدف التفعيل الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تمهيدا لإقامة الاتحاد الجمركي العربي. وأكد على أهمية تظافر الجهود من أجل تعزيز القدرات العربية الجماعية في مجال الاستجابة للتحديات المطروحة على الأمن الغذائي والصحي والطاقوي ومواجهة التغيرات المناخية. وقال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور توفيق بوقعدة في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن النقطة الأساسية في الإعلان هي المقاربة الجزائرية التي تحاول أن تعيد العمل العربي المشترك من خلال البعد الاقتصادي والمقاربة الاقتصادية التي أبان القادة العرب ومندوبيهم باهتمام كبير بضرورة تدعيم العمل الاقتصادي وتحديث الآليات التي تسمح بتنفيذ القرارات على مستوى القمة. ورفض إعلان الجزائر التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية والتمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية عبر تقوية دور جامعة الدول العربية في الوقاية من الأزمات وحلها بالطرق السلمية والعمل على تعزيز العلاقات العربية العربية. من ناحية أخرى، شدد الإعلان على مركزية القضية الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في الحرية وتقرير المصير وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948. وثمن إعلان الجزائر السياسة المتوازنة التي انتهجها منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها وهي مجموعة تعرف باسم "أوبك بلس"، من أجل ضمان استقرار الأسواق العالمية للطاقة واستدامة الاستثمارات في هذا القطاع الحساس ضمن مقاربة اقتصادية تضمن حماية مصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور رشيد بلقرع في تصريح لـ((شينخوا)) أن هذا الموقف الذي أدرج في إعلان الجزائر يأتي في ظل انزعاج الإدارة الأمريكية بشكل كبير من قرار "أوبك بلس". وقال بلقرع إن قرار خفض الإنتاج بمليوني برميل يوميا والابقاء على الأسعار مستقرة في حدوث 100 دولار للبرميل قد أضر بالمصالح الأمريكية، لكن "الدول تتعامل طبقا لمصالحها الوطنية". وأضاف أن قرار "أوبك بلس" أثار انزعاج الرئيس الأمريكي جو بايدن خصوصا مع تداعيات الأزمة الأوكرانية وتأثر الاقتصاد العالمي بأزمة الطاقة الحالية، واستغلال الجمهوريين ذلك لإثبات فشل سياسة بايدن الاقتصادية ومن ثم التأثير على توجهات الناخب الأمريكي. واعتبر أن "فشل" الولايات المتحدة في إقامة عالم تسود فيه العدالة والمساواة وتورطها الأخلاقي في بؤر التوتر العالمي وآخرها احتلال العراق في 2003 والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول ومحاولة تقويض الإرادات السياسية للدول ذات السيادة "يؤشر ويظهر كعامل يثبت تراجع القيادة الأمريكية عبر العالم". وقال إن سياسة الولايات الأمريكية هي محل انتقاد وهي على المحك من قبل معظم الدول النامية وحتى الدول الكبرى والحرب في أوكرانيا تثبت أن هناك توجها دوليا يرفض الآن وبشكل عملي القيادة الأحادية للولايات المتحدة بما يتيح التوجه إلى عالم متعدد الأقطاب.
مشاركة :