خرج الدكتور فيصل من القاعة بعد انتهاء محاضرة مقرر الديناميكا، وتبعة أحد الطلبة يناقشه، بأنه لم يستوعب كيف يمكن لرادار طائرة معينة أن يقيس سرعة طيارة أخرى، وهما يتحركان باتجاهين مختلفين. فرد الدكتور فيصل سأكون في مكتبي الساعة الواحدة بعد الظهر -بإذن الله - يمكنك أن تأتي لنناقش ما أشكل عليك. اتجه الدكتور فيصل لقاعة الاجتماعات الخاص بمجلس القسم، وكان المجلس قد بدأ للتو بالموضوع الأول، وهو طلب ترقيه لدرجة الأستاذية، تقدم به زميله أحمد، والذي قد أنهى الدكتوراه بعده بسنتين. فكانت مؤثّرة على الدكتور فيصل، فمع تمنيه الخير لزملائه، إلا أنه أحس بحسرة على نفسه، حيث لا يزال على درجة أستاذ مساعد. أما الموضوع الثاني المطروح على مجلس القسم فقد كان لتحديد مشرفي طلبة الدراسات العليا، و الموضوع الثالث كان تجديد التعاقد مع الدكتور حسن والذي تقاعد قبل سنة، ثم ختم رئيس القسم المجلس وانصرف الجميع. ذهب الدكتور فيصل للمصلى ثم إلى مطعم الجامعة، وبعدها إلى مكتبه. في المكتب، بدأ فيصل بإعداد كأس القهوة، وإذا بباب مكتبه يُطرق. فإذا هو الطالب الذي واعده ليشرح ما أشكل عليه. جلس الطالب، وبدأ الدكتور يشرح على ورقة أمامه، فقام برسم الطائرتين وكتب معادلات الحركة بينهما حتى انتهى. فرد الطالب، الآن فهمت. فسأله الدكتور، وما المشكلة التي صادفتك في القاعة. فرد الطالب، في القاعة يتم التدريس عبر الشرائح الجاهزة، وبالنسبة لي، لا أستوعب الدرس كما يتم عبر الكتابة والتوضيح باليد. فرد الدكتور، ولكن زملاءك يفهمون، فقال الطالب إن أغلبهم يذهبون إلى مدرس خصوصي. واستوقف النقاش صوت طرق الباب، فإذا هو الدكتور حاتم صاحب المكتب المجاور للدكتور فيصل. انصرف الطالب ثم قال الدكتور حاتم: شممت رائحة قهوتك فجلبتني مع كأسي الفارغ إليك. فرد الدكتور فيصل: بارك الله في القهوة ورائحتها التي جاءت بك إلينا، فلدي استشارة صغيرة. يكفيها زمن القهوة، ناولني كأسك. فناوله الكأس الفارغ، قائلاً، عسى ألا تكون الاستشارة مالية، فالرواتب لم يحن وقتها بعد. فقال الدكتور فيصل، لا عليك، الاستشارة علميه بحثية، حيث وصلتني رسالة بالأمس تفيد برفض هذا البحث الذي أمامك، لأنه لا يرقى لمستوى المجلة. فما الذي علي أن أعمله، لكي يرقى لمستواها. مع أن زميلنا الدكتور أحمد قد نشر فيها أكثر من بحث. أخذ الدكتور حاتم أوراق البحث وبدأ يقلّب فيها، فتساءل: هل ستنشر هذا العمل في مجلة الصوت والاهتزازات من إلسفير؟ هذه المجلة ذات معدل تأثير مرتفع، ولا تقبل إلا أبحاثا عالية المستوى من ناحية المحتوى والتحرير. وبحثك يا دكتور فيصل، واعذرني على هذه الكلمة «هزيل»، لا يقبله إلا مجلة مبتدئة، أو مؤتمر تجاري. دعني أبدأ قراءة البحث من الخلف، كم عدد المراجع لديك؟ 12 مرجعا! فلا بد من زيادة كمية البحث الأدبي عن المراجع السابقة، فلا يقل عدد المراجع عن ثلاثين مرجعاً. فلنستمر بالقراءة من الأسفل، وقبل المراجع، لنأتي على الخاتمة، فالخاتمة تلخص نتائج البحث، وتعطي التوصيات لأبحاث لاحقة. وهنا أرى أن خاتمة بحثك اقتصرت على نقطتين وهما: المعامل الأول له تأثير إيجابي على المخرجات والمعامل الثاني تأثيره محدود. فيتبيّن بشكل مباشر ضعف البحث من خلال الخاتمة فقط. ويفضل أن تزيد عدد المدخلات، ويمكنك استخدام أساليب تصميم التجارب، لتحديد أهم المدخلات التي تحتاجها لعمل الدراسة، وكم عدد النقاط أو المستويات، التي ستستخدمها لكل متغير. وهل هناك مخرجات معينة، تسعى من خلالها لتحقيق الأمثلية. وبعد ذلك حدد مجموعة من التوصيات، تقدمها لمن يريد أن يتناول بحث الموضوع مرة أخرى، بمتغيرات مختلفة أو بطرق بحثية أخرى. بعد ذلك نقفز للأعلى، دعنا نرى النتائج ومناقشتها. قاطعه الدكتور فيصل: حسناً دكتور حاتم، لا تكمل، سوف أرتب البحث من جديد، وأرسله لك على بريدك الإلكتروني. ومتى ما سمح لك الوقت بقراءته وإبداء الملاحظات فسأكون سعيداً بذلك. فرد الدكتور حاتم: حسناً ولكن أوصي بنشر البحث بعد التعديل في مجلة الصوت والاهتزاز من تيك ساينس برس، حيث ستكون إجابتهم أسرع. عكف الدكتور فيصل، مسترشداً بملاحظات زميله الدكتور حاتم، وأرسل البحث للمجلة التي أوصى بها. وبعد حوالي شهر، وصل بريد إليكتروني من المجلة الأخيرة، يفيد بقبول البحث مع بعض الملاحظات المحدودة. فنزل الدكتور فيصل ساجداً لله شكراً، بعد أن اكتملت النقاط الأربع والتي تمكِّنه من التقدم للترقية لأستاذ مشارك. جامعة القصيم
مشاركة :