ليليـات رمادة.. روايـة ترصد الصراعات خـلال كورونـا

  • 11/5/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

رواية "ليليات رمادة" للكاتب واسيني الأعرج، تدور حول وباء كورونا الذي هزّ العالم من خلال سرد حكاية رمادة والمايسترو شادي اللذين يتلقيان في بيته الساحلي قبيل إحيائه لسهرته الأخيرة في الأوبرا الوطنية وسفره نحو فيينا استجابة لالتزاماته الفنية، فتتغير حياتهما كليا، ليلة واحدة كانت كافية ليكتشفا الحياة الكامنة فيهما من جديد، والذهاب بعيدًا في مغامرة الحياة، إلا أن انتشار وباء كورونا، يغير كل شيء، لكنه لا يهزم الرغبة في مواصلة الحلم، وفي فيينا يفاجأ "شادي" بإصابته بفيروس كورونا، ولكن حبّه لرمادة يرفع من درجة مقاومته للمرض، وفى ليالي الانكفاء الباردة، تقرر رمادة أن تكتب في كل ليلة رسالة لحبيبها شادي، حتى لو كانت تعرف سلفاً أنه لن يقرأها بسبب وهنه الصحي. في مدينة تغير اسمها مع كل وباء يصيبها عبر تاريخها والتي أصبح اسمها مع جائحة كوفيد 19 "كوفيلاند"، مدينة بمثابة وطن، إنها مدينة الأوبئة، قاومت الأوبئة منذ القرن الميلادي الأول حتى اليوم. وهذه المدينة تعددت أسماؤها التاريخية بمقتضى الأوبئة التي ضربتها. فسميت أنطونيلاند تيمناً بطاعون أنطونين. وفي القرن السادس سميت جوستينيالاند تيمناً بطاعون جوستينيان الذي أودى بخمسين مليون إنسان. وفي نهاية القرن التاسع عشر، ضربتها الحمى الصفراء فصار اسمها المدينة الصفراء "جوانفيل"، وظلت تحمل هذا الاسم حتى استقلت عام 1962، تطور الاسم بعد الاستقلال إلى أرض الجراد "كركيلاند" ثم سيدلاند تيمناً بفيروس السيدا عام 1981، ثم صار "كوفيلاند".  تحمل بطلة الرواية رمادة اسمين غير هذا الاسم، "راما"، "أفين"، لكل اسم قصة مختلفة ومعانٍ راسخة عكست ظلالاً نفسية وانطباعية متباينة للبطلة، ويقول الكاتب واسيني عن الرمزية المسببة خلف الأسماء الثلاثة: "يمكن اختبارها من خلال مجريات النص: "رمادة"، هو الاسم الى الذي اختاره لها والدها، حيث كان ينتمي، في مرحلة مبكّرة من حياته، للتيارات الإسلامية، إذ تعاملت هذه التيارات مع كل الرموز التاريخية، وأعادت بعثها في الحياة العامة؛ سواء مع أسماء الشوارع والأسواق والمحلات، وكذلك أسماء الأشخاص، كانوا يستخدمون كل ما يحيل إلى العنصر الديني في سبيل مكافحة ما سموه بـ"التغريب"، من هنا اختار الأب لابنته اسم "رمادة" تبركاً بعام الرمادة الذي جاء في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، والواقع أنه لم يكرمها بهذا الاسم، بل دمرها لرمزيته السلبية. على النقيض تماماً كان اسم «أفين» الذي اختارته لها والدتها، وهو يعني في اللغة التركية "الربيع والجمال"، حيث كانت الأم مرتبطة بالثقافة التركية لأصول أجدادها التركية. كما أن الحب الأول في حياتها كان لشاب تركي، لكن علاقتهما لم تتطور بصورة حاسمة، ثم تزوجت "والد رمادة" الذي لم تكن تحبه بالدرجة الكافية. ومن هنا جاء اختيار الأم اسم "أفين" كدليل على المقاومة الأنثوية في وجهة الغطرسة الذكورية، وتعبيراً عن رفضها اسم "رمادة" الذي فرضه عليها زوجها فرضاً دون مناقشة. أما "راما" فهو في الحقيقة تصغير اسم "رمادة" كما أن إيقاعه أكثر سلاسة وموسيقية، وكان اسم التدليل الذي اعتاد حبيبها "شادي" مناداتها به، وكذلك أخوها الذي كان يحبُّها حباً جماً. والاسم يشبه أيضاً في إيقاعه الصوتي كلمة "رحمة"، وهي بالفعل كانت شخصية رحيمة، ودودة، ومحبّة للآخرين. إذاً نجد أن بطلة الرواية قد جمعت بين الاسم المرفوض "رمادة" والاسم المحبب "أفين" واسم التدليل المختزل الذي يحيل إلى الرحمة، وهي بالفعل الصورة الثلاثية المتكاملة التي تعطينا جوهر شخصية البطلة، فهي متقاطعة بين حالة الرماد التي كانت تعيشها يومياً في بلد يواجه الموت والوباء، لكنها في الوقت نفسه حالمة بالحب، متشبثة به كرشفة النجاة الأخيرة، ثم إن كل ما فيها هو "رحمة"، فهي محبة للناس ومتسامحة، حتى مع زوجها أبيها التي ألحقت الضرر البالغ بالعائلة". رواية "ليليات رمادة" تمزج بين الحب ومعاناة المرض، المسكن والألم، غير أن هذا التمازج لا يخلو من فجوات في السرد، مثلاً كان من المفترض أن تكون أسرة رمادة محافظة لكن شقيقتها تعيش بمفردها وتعاشر بكل حرية صديقها "باسيون"، ولا يوجد للأب أي تأثير على سلوكها على عكس تعامله مع رمادة، كما أن نهاية الرواية كانت صادمة لكونها مغايرة لإيقاع الأحداث، حيث تفقد "رمادة" جنينها الذي جسَّد رمزية الأمل طوال الأحداث، ولكن واسيني صمم النهاية بغرض الانتصار إلى صيرورة الواقع الروائي. وإن المجتمع الذي تدور على أرضه أحداث الرواية، لا يقودني إلا إلى مثل هذه اللحظة التي مثلت مفترق طرق بين البطلين. ذكر واسيني سبب اختياره لكلمة "ليليات" وليس "ليالي" عنوان للرواية: "الليليات هي الأمسيات الموسيقية التي تتضمن مقطوعات موسيقية قصيرة تتناغم مع البناء الهرمي للموسيقى، متضمنة ثلاث فواصل موسيقية، تجمعها هرمونيا واحدة، وعلى الرغم من قصر هذه المقطوعات، هي قوية من ناحية البناء، ومن لديه ثقافة موسيقية ولو خفيفة، يستطيع معرفة ذلك، لقد قمت باختيارها لكونها تناسب البعد الدرامي للرواية وللشخصيات، ولأنها أيضاً مقطوعات تضفي السكينة، وتنفذ إلى الأعماق. وما إن تنتهي حتى تدفع المستمع إلى لحظات تأملية عميقة، وكأنها تفتح شهية الروح. والواقع أننا وسط مشاعر الحزن والخوف والانكسار التي احاطتنا بها الجائحة، نحتاج إلى سند روحي يمكننا الاتكاء عليه، لكي يستقيم الوضع ولو قليلاً، ولهذا جاءت هذه المقطوعات الموسيقية متناغمة تماماً مع رسائل البطلة وكأنها تتمة لهذه اللحظة التي ترتفع بها عالياً وتهبط بها ما بين قطبي اليأس والتفاؤل".

مشاركة :