منذ عام 1998 تسبح محطة الفضاء الدولية في مدارها حول الأرض حاملة طواقم رواد الفضاء من علماء ومهندسين، يعملون على اختبارات لدراسة بيئة الفضاء والجاذبية الصغرى إلى جانب اختبار أنظمة المركبات الفضائية للبعثات المستقبلية. فهذه الجهود الدولية في خلق بيئة مستدامة في الفضاء لطالما واجهت عائق توفر الأدوات وقطع الغيار اللازمة للقيام بأعمال الصيانة والتجارب والاختبارات، وذلك بسبب محدودية الرحلات إلى محطة الفضاء الدولية. حتى عام 2014 حيث جاء معلناً لبداية عصر جديد لعلوم الفضاء، وذلك بعد إطلاق والتجريب الناجح لأول طابعة ثلاثية الأبعاد إلى محطة الفضاء الدولية. فمن أكبر التحديات لوكالات الفضاء هو توفر الأدوات وقطع الغيار على متن محطة الفضاء، وذلك بسبب محدودية الرحلات إلى المحطة وارتفاع تكاليف نقل المعدات وقطع الغيار اللازمة لدعم رواد الفضاء وضمان تشغيل محطة الفضاء الدولية. فيقدر نقل كيلوغرام واحد من الأدوات أو المعدات إلى المحطة بحوالي 20000 دولار أمريكي، ويتم تزويد المحطة سنوياً بحوالي 3.5 أطنان من المعدات وقطع الغيار. ولتفادي الأعطال الحرجة فانه يتم تخزين حوالي 15000 كيلوغرام من المعدات والأدوات على متن المحطة، فعملية تخزين المعدات على متن المحطة تستنفز من مساحتها المحدودة، الأمر الذي يعيق حرية حركة رواد الفضاء. فهذه التحديات كانت الدافع الأبرز لتطوير وإطلاق الطابعة الثلاثية الأبعاد الأولى من قبل شركة «ميد ان سبيس» بالتعاون مع وكالة «ناسا» للفضاء، لتسهيل عملية توفر المعدات على متن المحطة في وقت أسرع وبتكاليف أقل. تعمل الطابعة الثلاثية الأبعاد بتحميل التصميم المراد طباعته من الأرض من قبل طاقم المحطة، ومن ثم يتم طباعة التصميم على شكل طبقات، وذلك بتغذية الطابعة بسلك من البلاستك وباستخدام الحرارة يتم تشكيل السلك على سطح الطابعة طبقة وراء طبقة إلى أن يتم تشكيل التصميم الثلاثي الأبعاد. فأول أداة تم طباعتها في المحطة كانت «مفتاح ربط»، وبالرغم من بساطة التصميم إلا أن هذه التجربة أثبتت نجاح الطباعة الثلاثية الأبعاد في الفضاء وأسهمت في التحقق من جودتها تحت تأثير الجاذبية الصغرى، وذلك بمقارنة جودة التصميم المطبوع على متن المحطة وعلى الأرض، وأظهرت النتائج فروقات هندسية ضئيلة ما أسهم في اعتماد التصاميم المطبوعة على متن المحطة. ومن بعد التجارب الأولية تم طباعة أجزاء ومعدات أخرى مثل: جزء من هوائي الاستقبال، وأجزاء لمنفذ الهواء في نظام توليد الأكسجين، وروبوتات حرة الطيران مستخدمة للبحث في المحطة الفضائية. وبعد نجاح تجربة الطباعة الثلاثية الأبعاد في الفضاء، تطلع العلماء لإعادة تدوير المواد المستخدمة وتحويلها إلى مواد أولية للطابعة الثلاثية الأبعاد، ما سيسهم في توفير الموارد خصوصا للمهمات المستقبلية لبناء المهمات الاستيطانية على سطح القمر ومن ثم كوكب المريخ، وتقليل كلفة نقل كميات كبيرة من المواد اللازمة لإتمام عملية الطباعة. وفي عام 2019 بدأت التجارب على متن المحطة لتحقيق هذا الهدف وتحويل المواد البلاستيكية والعناصر المطبوعة سابقا إلى مادة أولية يمكن استخدامها في عملية الطباعة. كما تسعى وكالات الفضاء إلى تطوير طابعات ثلاثية الأبعاد لتلبي الاحتياجات الأخرى للمهمات الفضائية، مثل المعدات أو قطع الغيار التي تتطلب المعادن في تصنيعها، حيث المعادن هي من المواد الأكثر طلبا وشيوعا في المهمات الفضائية كالألمنيوم والتيتانيوم والفولاذ. فوكالة «ناسا» للفضاء تعاونت مع عدد من الشركات الصغيرة والناشئة لتطوير قدرة الطابعات المعدنية. إلا أن تقنيات الطباعة المعدنية المستخدمة على الأرض ليست ملائمة لبيئة الفضاء، الأمر الذي دفع بالمعنيين بالبحث والتطوير العلمي إلى التفكير في عمليات أخرى للتكيف مع الفضاء، مثل: تقنيات الموجات فوق الصوتية أو ترسيب المعادن. إلى جانب الطابعات المعدنية الثلاثية الأبعاد، يتم تطوير طابعات إلكترونية يتم دراستها حاليا على الأرض ليتم لاحقا اختبارها في بيئة الفضاء، وتمكن هذه الطابعات رواد الفضاء من طباعة اللوحات الإلكترونية المتعطلة، كون أعطالها الأكثر شيوعا أو تحتاج إلى استبدال لمواكبة التطويرات المستمرة في محطة الفضاء الدولية. { مهندس فضاء أول - الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء
مشاركة :