التنافس الأمريكي الصيني قضية عالمية، لكن مركز هذا الصراع يوجد في منطقة المحيطين الهندي والهاديء وهي المنطقة الأشد اكتظاظا بالسكان وتتميز بالديناميكية الاقتصادية المهمة من الناحية الاستراتيجية. فالتحدي الصيني للقوة الأمريكية وللنظام الدولي الذي تدعمه هذه القوة أقوى وأشد حدة فيها. بل إن هذه المنطقة هي المكان الأشد ترجيحا ليكون ساحة أي حرب بين واشنطن وبكين، على حد قول المحلل الاستراتيجي الأمريكي هال براندز أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية. ويقول براندز في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن هذه المنطقة تضم أربع دول يمكن أن تحدد نتيجة أي مواجهة أمريكية صينية من خلال خيارات تلك الدول. والحقيقة أنه منذ عامين فقط، كان من يعتقدون أن الصين قد تقوم بغزو تايوان أو تشعل أي صراع إقليمي كبير خلال العقد الحالي أقلية، لكن الأمر تغير الآن، على الأقل في واشنطن وأصبح هذا التصور مطروحا لدى قطاع عريض في دوائر القرار والفكر الاستراتيجي الأمريكي. ويقول براندز الباحث المقيم في معهد "المشروع الأمريكي" والحاصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة ييل الأمريكية "الأكثر من ذلك، أنني سمعت مسؤولين أمريكيين بينهم من يمكن وصفهم بالكاد أنهم من الصقور، يقولون في جلسات مغلقة إن واشنطن وبكين قد تدخلان في اختبار قوة خلال السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة. وقال قائد البحرية الأمريكية إن قتالا قد ينشب بين الجانبين قبل ذلك الوقت. فالطموح الصيني المتزايد في استعادة السيادة على تايوان وإعادة تشكيل المنطقة، سيصطدم بالإصرار الأمريكي على منع هذا السيناريو. وإذا نشبت حرب بين الصين والولايات المتحدة، فلن تكون قتالا بشأن تايوان أو نقطة ساخنة أخرى. فالحرب ستكون قتالا من أجل الهيمنة في منطقة حيوية، وعلى النفوذ العالمي ككل الذي يستتبع ذلك. وإذا هزمت الصين الولايات المتحدة في أي حرب فقد تتحطم القوة العسكرية الأمريكية، وتنهار الثقة فيها، في المحيط البحري لآسيا، في الوقت الذي ستتعزز فيه رواية الرئيس الصيني شي جين بينج حول صعود الشروق واضمحلال الغرب على المسرح العالمي. أما إذا سحقت واشنطن بكين، فسنقول وداعا لفكرة أن الصين قادرة على السيطرة على آسيا وما ورائها. بغض النظر عمن سينتصر في هذه المواجهة المفترضة، يمكن أن تكون لأي حرب أمريكية صينية عواقب هائلة. فقد يتسع نطاق الصراع جغرافيا، مع قيام القوات الأمريكية بقطع طرق واردات الطاقة من الصين إلى أوروبا أو استهداف السفن الصينية أينما وجدت. وستكون الحرب بمثابة زلزال اقتصادي، يدمر سلاسل الإمداد ويؤدي إلى اضطراب بعض أكثر طرق التجارة زحاما وأهمية على مستوى كوكب الأرض. وسيكون هناك احتمال قوي لاستخدام السلاح النووي في هذا الصراع. كما أن أي حرب في غرب المحيط الهادئ لن تكون حربا أمريكية صينية فقط. فقد تتغير طبيعة هذه الحرب بناء على خيارات الدول الأخرى في المنطقة. وسيتوقف أداء الصين في أي معركة تايوانية على حجم وقوة التحالف المناهض لها. كما أن قدرة الولايات المتحدة على العمل العسكري الفعال عبر مسافات بعيدة في المحيط الهادئ تتوقف على الدعم والخدمات اللوجيستية والقوة العسكرية التي تحصل عليه من شركائها وحلفائها. كما يمكن للدول التي لا تستطيع المشاركة الفعلية في القتال أن تحدث الفارق من خلال السماح للولايات المتحدة أو منعها من استخدام موانئها ومجالها الجوي، أو تجديد مخزون الولايات المتحدة من الذخائر أو الاشتراك في أي عقوبات اقتصادية وتكنولوجية ضد بكين. وللأسف فإن واشنطن ليست متأكدة من أن الموقف سيكون على النحو الذي تأمله. فمنطقة المحيطين الهندي والهادئ تفتقد إلى التحالف العسكري الواحد واسع النطاق مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي يربط بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. لذلك فإن الرد على أي عدوان صيني سيكون عبارة عن لعبة خيارات جيوسياسية. في الوقت نفسه يعتبر تجمع "الحوار الأمني الرباعي" الذي يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة وتجمع "أوكوس" لذي يضم أستراليا وبريطانيا أهم إطارين أمنيين في منطقة المحيطين الهندي والهاديء. ويضم التجمعان ثلاثة من أقوى حلفاء الولايات وهم اليابان وأستراليا وبريطانيا، إلى جانب شريك أمني بعيد نسبيا وهو الهند. وتنخرط هذه الدول الخمس حاليا في الجهد الرامي إلى صياغة مستقبل منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مواجهة الأطماع الصينية دون أن يصل الأمر إلى درجة الحرب. لكن إذا نشبت الحرب فستكون هذه الدول بين أخطر رهانات واشنطن للحصول على الدعم الدولي. وسيكون على هذه الدول اتخاذ قرارات صعبة بشأن التعامل مع تلك الحرب. ويرى هال براندز في نهاية تحليله إن أي حرب تخوضها الولايات المتحدة في غرب المحيط الهادئ دون حلفاء سيكون مصيرها الهزيمة بنسبة كبيرة. في المقابل فإن الحرب التي يسبقها قيام تحالف ديمقراطي واسع لن يكون في مقدور الصين الفوز فيها. وكلما زادت مخاوف الصين من هذا السيناريو الأخير، ازداد ردع بكين عن اللجوء إلى القوة كخيار أول.
مشاركة :