بدأ العد التنازلي إلى الكارثة التي ألمت بحكومة تراس عندما أعلن بنك إنجلترا أنه يعتزم إنهاء خطة دعم الدين الحكومي "السندات الذهبية" في الـ 14 من تشرين الأول (أكتوبر). كان من المتوقع تماما أن ذلك سيكون اليوم الذي تضطر فيه الحكومة إلى الوعد بإعادة النظر في موقفها المالي، وهو ما فعلته تراس بإقالة وزير ماليتها. على هذا، يبدو أن سقوط تراس كان راجعا إلى صدام بين ما يسميه أهل الاقتصاد الهيمنة المالية "وعود الإنفاق من جانب الحكومة" والهيمنة النقدية "تفويض البنك المركزي للحفاظ على استقرار الأسعار". وهذه المرة كانت الغلبة للهيمنة النقدية، لأن رواية جديدة عن إسراف الحكومة والمسؤولية السياسية استحوذت على الأسواق المالية، لتحل محل الرواية المشربة بالنظرية النقدية الحديثة حول فضل الإنفاق العام والعجز. لكن التفكير فيما حدث لتراس رئيسة الوزراء من منظور السياسات المالية والنقدية المتضاربة يغفل جزءا مهما ومدهشا من القصة: مدى ضعف جزء رئيس من القطاع المالي في المملكة المتحدة أمام ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض أسعار السندات. استفادت صناعة صناديق معاشات التقاعد، الملتزمة بسداد تكاليف سياسات محددة المزايا، من حيازاتها من الدين الحكومي من أجل السعي وراء عوائد أعلى. إذا هبط سعر الدين العام بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، تواجه الصناديق طلبات ضمان. والآن، نجد أن صناديق معاشات التقاعد في المملكة المتحدة، التي تحتفظ بما تقترب قيمته من 1.5 تريليون جنيه إسترليني من هذا النوع من المخططات، تواجه نقصا في السندات التي يمكن بيعها بسهولة. يفسر تدخل بنك إنجلترا التحول الغريب في أسعار الدين الحكومي، حيث انخفضت أسعار الأوراق المالية المربوطة بالمؤشر أو المقاومة للتضخم إلى مستويات أدنى من تلك التي شهدتها الأوراق المالية العادية، لسبب بسيط مفاده أن صناديق معاشات التقاعد كانت تحتفظ بكميات أكبر كثيرا من الأوراق المالية المربوطة بالمؤشر. وبدلا من الهيمنة المالية أو النقدية، كانت هيمنة التمويل، مع تسبب التزامات معاشات التقاعد في إصابة الاختيارات السياسية بالشلل. نصب هذا الفخ قبل جيل كامل، بموجب قانون معاشات التقاعد في المملكة المتحدة لعام 2004، وكان المقصود منه توفير قدر أكبر من الأمن أو الحماية لأصحاب المعاشات من خلال زيادة صعوبة احتفاظ صناديق معاشات التقاعد بالأسهم. وبذلك، كان لزاما على صناديق التقاعد الانتقال إلى السندات وإلى استراتيجيات الروافع المالية، التي كانت تعتمد على افتراض سيولة أسواق السندات الدائمة. الواقع أن المخاطر والقيود السياسية التي أوجدها هذا تشكل توبيخا أشد قهرا للقائمين على البنوك المركزية وهيئات التنظيم المالي مقارنة بفكرة التدخل المسيس في أكتوبر 2022. والاحتجاج بحقيقة أن بنك إنجلترا لم يكن مسؤولا بشكل مباشر عن التنظيم المالي في عام 2004 ليس أكثر من عذر واه. كان فشل الهيئات التنظيمية ومجتمع السياسات في عموم الأمر في تحديد الآلية التي نصبت الفخ للحكومة شديد الوضوح. لقد فجرت ليز تراس لغما بريطانيا بامتياز، وربما كان لينفجر في أي وقت خلال العقد الماضي. وربما تكون ألغام أخرى كامنة في أنظمة مالية أخرى. إن فشل تراس يعني أن الشعبوية المالية، التي انتهجها أيضا سلفها بوريس جونسون، أصبحت مستبعدة الآن في بريطانيا. لكنها أصبحت أيضا أشد خطورة في أماكن أخرى الآن. ولم يعد الساسة أحرارا في الإقدام على رهانات ضخمة في المستقبل. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2022.
مشاركة :