«يمر العالم اليوم بمرحلة حاسمة في مجال العمل المناخي تفرض علينا تسريع الجهود والعمل المشترك. لقد بدأت تداعيات التغير المناخي السلبية تنعكس على جميع الدول والمجتمعات». بهذه الكلمات الموجزة البليغة الدقيقة، كشف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عن حجم الاهتمام الكبير الذي توليه الإمارات لقضية «التغير المناخي»، وحذر سموه من أنه «سيكون لها تكلفة كبيرة على الاقتصاد العالمي وحياة الإنسان والتنوع البيئي». وتعكس هذه التحذيرات التي وردت في كلمة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، أمام «منتدى الاقتصادات الرئيسية الخاص بالطاقة وتغير المناخ» الذي عُقِدَ في منتصف يونيو الماضي، إدراكاً واعياً من الإمارات على أرفع المستويات، بالتحديات التي يفرضها تغير المناخ على العالم، وفي القلب منه منطقة الشرق الأوسط التي تُوصف بأنها أكثر بقاع الكرة الأرضية افتقاراً للمياه، وما ينجم عن ذلك من أزمات ومخاطر. وانطلاقاً من الرؤية الاستراتيجية التي يتبناها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على صعيد حماية المناخ، تتبنى الإمارات الكثير من المبادرات الرامية لتعزيز التوجه نحو الطاقة النظيفة في شتى أنحاء العالم، وكذلك لتوفير الطاقة المتجددة للدول النامية والمجتمعات النائية، فضلاً عن دعم الجهود المبذولة لخفض الانبعاثات، والحد من ظاهرة التغيّر المناخي. مسيرة فريدة تشكل الرؤية الإماراتية الشاملة لقضية المناخ وما يتصل به من تبعات، انعكاساً لنظرة ثاقبة تبنتها الدولة، منذ عهد الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. فبعد ستة أشهر فحسب من تأسيس الدولة، شارك وفد إماراتي رفيع المستوى، في المؤتمر الأول للأمم المتحدة المعني بحماية البيئة والعمل من أجل استدامة الموارد الطبيعية. وفي عام 1975، شهدت الإمارات صدور أول قانون وطني في المنطقة بأسرها، يستهدف حماية البيئة. ودشنت تلك الخطوة، مسيرة امتدت على مدار خمسة عقود تقريباً من العمل الدائب لمواجهة تغير المناخ، تُوِجَت في أكتوبر من العام الماضي، بإعلان الإمارات «المبادرة الاستراتيجية للسعي نحو تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050»، لتصبح بذلك الدولة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تطلق مثل هذا التحرك الذي وصفه مراقبون وخبراء بالنوعي. وتزدان هذه المسيرة الفريدة بالكثير من المحطات المُلهمة التي تؤكد ريادة الإمارات على صعيد التعامل بفاعلية وكفاءة وبشكل استراتيجي مع ملف المناخ شديد الأهمية والخطورة معاً. ففي عام 1989، انضمت الدولة لاتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال الذي يهدف لحماية هذه الطبقة، من خلال الوقف التدريجي لإنتاج عدد من المواد التي يُعتقد أنها مسؤولة عن نضوبها. ولم يكن من المستغرب في ضوء الاهتمام البالغ الذي توليه الدولة للقضايا البيئية والمناخية، أن تشارك وبشكل مكثف في اجتماعات تحضيرية قادت لتوقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992، وهو الاتفاق الذي صدَقَّت عليه الإمارات عام 1995، وذلك قبل تسع سنوات تقريباً من تصديقها على بروتوكول كيوتو الملحق بهذه الاتفاقية، فور دخوله حيز النفاذ في عام 2004. وفي السنوات التالية، شُكِلَّت في الإمارات اللجنة الوطنية الدائمة العليا لآلية التنمية النظيفة، بجانب تشكيل اللجنة الوطنية لتغير المناخ، بموجب قرار أصدره مجلس الوزراء عام 2010، وذلك بعد عام واحد من الإجماع الدولي على اختيار أبوظبي مقراً دائماً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا». أخبار ذات صلة عبدالله بن زايد يبحث تعزيز العلاقات مع وزراء خارجية تركيا وباكستان وليتوانيا وإثيوبيا الإمارات.. مكانة عالمية مرموقة في مواجهة تحديات المناخ رؤية 2021 في عام 2010، كُشِفَ النقاب عن «رؤية الإمارات 2021» التي شَكَلَّ الحفاظ على البيئة المستدامة أحد محاورها الرئيسة، وأكدت الدولة عبرها التزامها بـ«المشاركة في تطوير وتطبيق الحلول المبتكرة لحماية البيئة وضمان استدامتها»، وذلك «بصفتها جزءاً من النسيج العالمي». كما أكدت هذه الرؤية التزام الإمارات بـ«التخفيف من حدّة تأثير التغيرات المناخية بهدف حماية بيئتنا لجيل اليوم والغد.. عبر التدابير الوقائية كتخفيض الانبعاثات الكربونية، وعبر التدابير التنظيمية التي تحمي الأنظمة البيئية الهشّة من التوسّع المدني». وتطبيقاً لتلك الرؤية الحكيمة، كانت الإمارات أولى دول المنطقة التي تُصادَّق على «اتفاق باريس» الذي يُطلق عليه اسم «كوب 21»، وهو أول اتفاق عالمي يتم التوصل إليه بشأن المناخ، وجرى التوافق عليه عقب مفاوضات عُقِدَت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة الـ21 للتغير المناخي في باريس عام 2015. وفي العام التالي مباشرة، تقرر تعديل مسمى «وزارة البيئة والمياه» إلى «وزارة التغير المناخي والبيئة»، لتصبح هذه الوزارة مسؤولة عن إدارة جميع الجوانب المتعلقة بشؤون التغير المناخي دولياً ومحلياً، وذلك في مؤشر يبرهن على المستوى الرفيع من الاهتمام الذي باتت تحظى به هذه القضية في الإمارات، بما يعكس النظرة الاستشرافية لقيادتها الحكيمة، وإدراكها لأهمية هذا الملف، كأحد محاور مستقبل التنمية للدولة والعالم. وفي عام 2019، تم تنظيم اجتماع «أبوظبي للمناخ» الذي شدد على ضرورة التحول لحقبة جديدة من النمو الاقتصادي المعتمد على تحفيز الاستثمار في الأعمال والأنشطة التي يمكن عبرها مواجهة التغير المناخي والحد من تداعياته، فضلاً عن تركيز جهود العمل من أجل المناخ على البشر والصحة العامة، بموازاة التركيز على البيئة ومواردها الطبيعية بشكل عام. مشاريـع وانعكاساً لإدراج «التغير المناخي» ضمن القضايا الحيوية المتعلقة باستراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل، اتجهت الدولة قبل أكثر من خمسة عشر عاماً نحو الطاقة النظيفة، وباتت الآن تحتضن ثلاثاً من كبريات محطات الطاقة الشمسية في العالم وأقلها تكلفة، في الوقت نفسه. فضلاً عن ذلك، حرصت الإمارات على أن تكون الدولة الشرق أوسطية الأولى التي تُشْغِّل محطة طاقة نووية عديمة الانبعاثات الكربونية، وكذلك أول دولة في المنطقة، تُشيّد منشأة صناعية لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، فضلاً عن مضيها على الحلول الطبيعية المتبعة على هذا الصعيد، من قبيل مشروعها الرائد لزراعة 100 مليون شجرة مانجروف بحلول عام 2030. بجانب ذلك، تعكف الإمارات على تعزيز الاستثمارات التي يتم ضخها في موارد الطاقة المبتكرة، مثل الهيدروجين النظيف. وفي مايو من العام الماضي، دشنت الدولة أول مشروع صناعي في الشرق الأوسط مختص بما يُعرف بـ«الهيدروجين الأخضر»، وهو الاسم الذي يُطلق على وقود خفيف وعالي التفاعل، يُنتج عبر عملية كيمياوية، يُستخدم فيها تيار كهربائي لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء. كما تتوازى هذه المشروعات، مع تكثيف الإمارات جهودها الرامية لزيادة إنتاج الهيدروجين الأزرق الذي يُشتق من الغاز الطبيعي، من خلال عملية إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، وذلك بهدف تنويع مزيج الطاقة. أما على الصعيد الخارجي، فقد ضخت دولة الإمارات استثمارات في مشاريع للطاقة النظيفة في 40 من دول العالم، بلغت قيمتها الإجمالية ما يزيد على 50 مليار دولار، وتعتزم أيضاً ضخ استثمارات مماثلة لإطلاق مشروعات في المجال نفسه، خلال العقد المقبل. وفي العام الماضي، أماطت الدولة اللثام عن سلسلة من المبادرات الرامية لمواجهة تحدي التغير المناخي على المستوى العالمي، ومن بينها مبادرة تحمل اسم «الابتكار الزراعي للمناخ»، وهي عبارة عن تحرك دولي واسع النطاق، تقوده الإمارات والولايات المتحدة، وتنضوي تحت لوائه 30 من دول العالم، بقيمة التزامات مبدئية تصل إلى أربعة مليارات دولار، وذلك بهدف تكثيف جهود تطوير أنظمة غذائية وزراعية، تُوصف بـ «الذكية مناخياً» على مدار الأعوام الخمسة المقبلة. وبالإضافة إلى هذه المبادرة التي تعهدت دولة الإمارات بتخصيص استثمار إضافي في إطارها بقيمة مليار دولار، تم الإعلان عن «خريطة طريق»، لتحقيق الريادة في مجال الهيدروجين منخفض الكربون ومنتجاته ومشتقاته التقليدية والجديدة. تحضيرات بلغت المسيرة الإماراتية المتفردة للاضطلاع بدور قيادي على صعيد مواجهة تغير المناخ، مرحلة مفصلية مع «المبادرة الاستراتيجية للسعي نحو تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050» التي أُعْلِنَت قبل عام من الآن، وكان لافتاً ما قوبل به هذا التحرك من تقدير فوري من جانب العالم بأسره، تجسد في اختيار الإمارات بعد شهر واحد على تدشينها، دولة مضيفة لمؤتمر «الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي» المعروف اختصاراً بـ «كوب 28» والذي سيُعقد عام 2023. وفي إطار تحضيراتها لاستضافة هذا الحدث الكبير الذي يشارك فيه قادة وزعماء العالم، احتضنت الدولة على مدار الشهور الماضية، فعاليات متنوعة ذات صلة بالعمل على استدامة المناخ، من بينها «أسبوع المناخ الإقليمي الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2022». كما شكلت قضايا التغير المناخي والاستدامة، أحد أهم محاور جلسات «القمة العالمية للحكومات» التي عُقِدَت في مقر معرض «إكسبو 2020 دبي» في ربيع العام الجاري، ضمن باقة من الفعاليات والندوات واللقاءات التي ركزت بشكل رئيس على ملف المناخ والتنوع الحيوي. وفي الوقت الذي تستعد فيه الدولة للإسهام بخبراتها المتراكمة ورؤيتها المتبصرة في إثراء نقاشات الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر «الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ» «كوب 27» الذي تستضيفه مصر، بدا لافتاً توجيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بأن تُجرى أعمال الدورة المقبلة من المؤتمر نفسه في مدينة «إكسبو دبي» التي أقيمت في الموقع ذاته الذي شهد فعاليات معرض «إكسبو 2020 دبي». فمن شأن ذلك، ضمان أن يلتئم شمل المشاركين في المؤتمر الذين ستضم قائمتهم رؤساء دول وحكومات ومسؤولين عن منظمات دولية وأكاديميين وخبراء وممثلين للقطاع الخاص ولمنظمات المجتمع المدني، بين جنبات مدينة صديقة للبيئة، هي الأحدث التي يتم إنشاؤها في العالم وفقاً لمعايير بيئية قياسية. ويكتسب هذا المؤتمر أهميته، من كونه سيركز على سبل تضافر الجهود الدولية لتنفيذ الالتزامات والتعهدات المناخية، وكذلك اتخاذ إجراءات عملية ملموسة، لضمان مستقبل مستدام للبشرية. كما أن «كوب 28» سيشهد، كما هو مقرر، أول عملية تقييم على مستوى العالم، للخطوات التي قطعتها الدول المختلفة، في الوفاء بما هو منوط بها بمقتضى اتفاق باريس للمناخ.
مشاركة :