الجزائر - يستعد حزبا جبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم لعقد مؤتمريهما في غضون الأشهر المقبلة، وسط جمود غير مسبوق يخيم على المشهد السياسي والحزبي في الجزائر، وهو ما يطرح التساؤل عن مغزى تلك المؤتمرات. ووجه الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحائز على أغلبية المجالس المنتخبة في البلاد أبوالفضل بعجي، على هامش لقاء تحضيري مع كوادر الحزب من أجل تحضير المؤتمر الحادي عشر للحزب، رسائل تتماهى مع أجندة السلطة السياسية وتعطي الانطباع بأن جبهة التحرير هي المنصة الحزبية الأولى للسلطة، رغم تجاهل الأخيرة منذ انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون، للأذرع السياسية التقليدية وتوجهها إلى المجتمع المدني كشريك أول لها. واستغل بعجي فرصة انعقاد القمة العربية الواحدة والثلاثين في بلاده، ليقدم “رسائل الثناء والإشادة بدور السلطة السياسية للبلاد في إنجاز المكسب الوطني والعربي”، وهو ما يوحي بأن الحزب الذي حافظ على ريادة الطبقة السياسية خلال الاستحقاقات الثلاثة الأخيرة، يريد البقاء في ثوب السلطة وتبني نفس الخطاب الذي خلق في السنوات الأخيرة حالة من الجمود الحزبي والسياسي. وأفاد بيان صادر عن الحزب بأن “هذه القمة العربية بذل فيها الرئيس تبون مجهودات جبارة في مجال إعادة القضية الفلسطينية لتصدر جدول أعمال القمة العربية بعد أيام قليلة من توقيع الفصائل الفلسطينية على إعلان الجزائر الذي حقق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية”. صراع الأجنحة الذي خيم على حزب جبهة التحرير لعدة سنوات ولأسباب مختلفة يتجه إلى هدنة طويلة الأمد وأضاف “ما الحضور الدولي إلا دليل ومؤشر إضافي على المكانة الدولية التي ما فتئت تعود إليها الجزائر تدريجيا”، مرحبا في نفس الوقت “بالجو الإيجابي والمسؤولية التاريخية التي سادت خلال مجريات أشغال القمة حيث أجمع الخبراء والمحللون على أن الجزائر أعادت للجامعة العربية روحها التضامنية”. وتعيش القيادة السياسية للحزب الأول في البلاد حالة من الاستقرار الداخلي عكس جميع القيادات السابقة، حيث استفادت من المناخ الأحادي الذي ترسمه السلطة في السنوات الأخيرة، ولذلك يجري التحضير للمؤتمر القادم في ظروف عادية بعيدا عن الصراعات والمناكفات التي طغت على الحزب خلال العقود الماضية. واللافت أن صراع الأجنحة الذي خيم على الحزب لأسباب مختلفة يتجه إلى هدنة طويلة الأمد، الأمر الذي سيسهم في بسط المزيد من الجمود على المشهد السياسي للبلاد، وتكريس الخطاب الذي تروج له السلطة، فحتى قطب الموالاة لم يعد له دور في الساحة رغم محاولاته ركوب القارب، حيث بات يكتفي ببيانات دعم وتأييد مقتضبة دون أي رؤية مستقبلية أو قدرة على تعبئة القواعد النضالية. وذكر بيان الحزب بأن “المؤتمر الحادي عشر هو مؤتمر عادي، لكن بتحديات استثنائية ونوعية فهو ينعقد في سياق وطني جديد بكل ما يفرضه ذلك من رهانات تنظيمية وسياسية وفكرية، بمعنى أن هناك إعادة ترتيب كبرى وعلى الحزب أن يجاريها ليواكب دوره الجديد ويجب عليه أن يقدم رسالة واضحة تحدد مستقبله”. وأضاف “حزب جبهة التحرير الوطني يكون حيث سيكون الشعب وحيث ستكون الدولة، وقد استطعنا منذ تولينا مسؤولية الحزب ومن خلال جهد إصلاحي مكثف وخطاب سياسي صريح ومغاير وإرادة قوية أن نعيد الحزب إلى مناضليه وإلى الشعب الجزائري بعد سنوات من الشرعية المفقودة وقرارات فوقية حمقاء وسلوكات همجية”. القيادة تسعى لكسب ثقة السلطة والتماهي مع خطابها، رغم تجاهلها المستمر للقوى التقليدية وتوجهها إلى طبقة مستجدة من الأحزاب والمنظمات الأهلية ويبدو أن القيادة تريد القطع مع مرحلة سابقة هيمن فيها الجناح الموالي للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة على الحزب حيث توفي الرجل وهو يحمل صفة الرئيس الشرفي له، وتسعى لكسب ثقة السلطة والتماهي مع خطابها، رغم تجاهلها المستمر للقوى التقليدية وتوجهها إلى طبقة مستجدة من الأحزاب والمنظمات الأهلية. وتوحي المقاربة التي يقدمها خطاب الحزب قبل انعقاد المؤتمر، بأنه لا يريد إزعاج السلطة أو الدخول في مناكفات معها، في وقت تعمد فيه إلى تحقيق المزيد من الاستقرار والتطابق في الرؤى والتصورات، خاصة وأن التحضيرات الجارية لا تؤشر إلى أي منافسة على المواقع القيادية وأن جناح بعجي هو الذي يستمر في الواجهة. ويعتبر حزب جبهة التحرير الوطني، القوة السياسية الأولى التي دفعت ضريبة التوازنات داخل السلطة بعد الحراك الشعبي، حيث سجن اثنان من قادته، الأول محمد جميعي الذي أطلق سراحه منذ نحو عام، والثاني جمال ولد عباس الذي لا يزال رهن الحبس لحد الآن، كما لقي العديد من المسؤولين والوزراء المنتمين له نفس المصير. ولفت بعجي إلى أن “الإعلان عن تاريخ المؤتمر الحادي عشر سيكون عن قريب ونسعى لأن يكون قبل نهاية العام الجاري، ولا نريد أن نكون مضغوطين في التحضيرات”. وفي المقابل تواصل حركة مجتمع السلم الإخوانية تحضير مؤتمرها المنتظر خلال السداسي الأول من العام القادم في جو من التكتم. ويكتنف الغموض مستقبل الحركة في ما يتصل بدورها وعلاقتها مع السلطة، خاصة وأن القيادة الحالية التي يديرها عبدالرزاق مقري بلغت نهايتها القانونية ولا يمكنها الاستمرار على رأس حمس، بموجب النصوص الناظمة لها، مقابل تحرك ما يعرف بـ”الحمائم” الذين يرفضون المواقف المعارضة حاليا ويسعون للعودة إلى حضن السلطة وفق التوافقات التقليدية القائمة على ما يعرف بـ”مبدأ المشاركة”.
مشاركة :