إصلاح العلاقة الأميركية - السعودية أمر بالغ الأهمية لمصلحتهما الجيوستراتيجية المتبادلة

  • 11/8/2022
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تشير حتى مراجعة سريعة للعلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على مدى السنوات العديدة الماضية إلى أن الولايات المتحدة أساءت بشكل عام فهم علاقاتها الثنائية مع السعودية. الفكرة السائدة هي أن السعوديين يحتاجون إلى الولايات المتحدة أكثر بكثير من العكس، مما يضع الولايات المتحدة في وضع يسمح لها بتقديم مطالب إلى الرياض بدلاً من العمل عن كثب كحلفاء لهم مصلحة جغرافية استراتيجية مشتركة. وبهذا الصدد أزعم من طرفي على أن التوتر الحالي المتصاعد بين البلدين لم يكن ليبلغ الحدّ الأدنى له لو تلقى الرئيس بايدن نصيحة أفضل حول طبيعة العلاقات الأميركية السعودية، سواء خلال حملته الرئاسية أو منذ دخوله البيت الأبيض قبل نحو عامين. وصف بايدن أثناء ترشحه لمنصب الرئيس المملكة العربية السعودية بأنها “منبوذة”، وأن لقيادتها “قيمة تعويضية ضئيلة للغاية”. وعندما قررت أوبك خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، هدد بايدن السعوديين بالقول: “… عندما يعود مجلسي النواب والشيوخ للإنعقاد، ستكون هناك بعض العواقب لما فعلته (السعودية) مع روسيا“. وزاد الطين بلة عندما تعهد بعدم التحدث مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المعروف باسم “إم.بي.إس”(MBS)، الذي يُعتبر هو الملك في الواقع. وربما الأسوأ من ذلك كله، أنه استغرق أكثر من عام من توليه المنصب لتعيين سفيراً في الرياض، وهو المنصب الذي لا يزال ترشيحه معلقًا، الأمر الذي يعتبره السعوديون أكثر أشكال عدم الاحترام الصارخة التي يمكن أن تظهرها الولايات المتحدة. قد يعتقد المرء أنه بمجرد أن يقرر بايدن زيارة المملكة، في المقام الأول للمطالبة بزيادة إنتاج النفط في أعقاب أزمة الطاقة التي أثارتها الحرب في أوكرانيا، فإنه سيبذل جهدًا لإصلاح العلاقة. وفي الواقع، حدث العكس تمامًا. لقد أهان الأمير محمد بن سلمان برفضه مصافحته وألقى محاضرات على السعوديين حول انتهاكاتهم لحقوق الإنسان. علاوة على ذلك، فإن الأمير محمد بن سلمان زعيم جديد وعديم الخبرة ولا يقدّر بالضرورة أهمية التحالف، الأمر الذي زاد من زعزعة أسس العلاقة الأميركية – السعودية. ومن المؤكد أنها كانت زيارة مشؤومة. كان ينبغي أن يقوم بايدن بالرحلة بقصد إصلاح العلاقة بين البلدين، ولكن نتيجة هذه الرحلة بدون هذا القصد زادت ببساطة الأمور سوءًا، خاصة بسبب ازدرائه للنظام الملكي السعودي الذي كان ظاهرا على مدار العامين الماضيين. علاوة على ذلك، فسّر السعوديون خطوات الولايات المتحدة على أنها بقصد لتقليل اعتمادها على النفط السعودي، ومحور توجهها نحو آسيا لاحتواء النفوذ الصيني المتنامي كدليل على اهتمام الولايات المتحدة الضيق بحماية شراكتها الجيوستراتيجية وانعكاساتها على أمنها القومي. وأخيرًا، أدى استمرار انتقاد بايدن العلني لانتهاكات السعوديين لحقوق الإنسان إلى مزيد من نفور الأمير محمد بن سلمان، الذي يعتبر نفسه مصلحًا ورفض التدخل الأميركي في شؤون بلاده الداخلية، وهو ما ينسبونه إلى غطرسة الولايات المتحدة وابتعادها عن الواقع. يتجلى من وجهة نظر السعوديين سوء فهم الولايات المتحدة للبلاد من خلال عدة مجالات: مبيعات الأسلحة: عندما يدلي الديموقراطيون رفيعو المستوى ببيانات وقحة في السياسة الخارجية، كما حدث عندما قدم السناتور ريتشارد بلومنثال والنائب رو خانا مشروع قانون “للإيقاف الفوري لجميع مبيعات الأسلحة الأميركية إلى المملكة العربية السعودية” في أعقاب خفض إنتاج النفط، فهذا يوضح أين يكمن موقف الحزب ككل بشكل عام. علاوة على ذلك، لم يتكلم بايدن حتى الآن ضد هذا القانون، مما يوضح مدى خلل وجهات نظر الإدارة بشأن مشروع مبيعات الأسلحة بالكامل إلى المملكة العربية السعودية. بادئ ذي بدء، بيع الأسلحة للسعوديين ليس مساهمة خيرية. إنهم يدفعون عشرات المليارات من الدولارات لشراء الأسلحة وهو ما تستفيد منه الصناعة العسكرية الأميركية بشكل كبير. إنه يسمح للولايات المتحدة بأن يكون لها موطئ قدم قوي في السعودية من خلال المدربين والدعم اللوجستي والأفراد العسكريين مما يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكل ذلك مع تعزيز العلاقات بين البلدين التي تدرّ المليارات من الفوائد الاقتصادية. المصالح الوطنية: إن نهج السياسة الأميركية كما يراها السعوديون تجاههم يقوم على فرضية ما هو الأفضل للولايات المتحدة باعتبارها القوة المتفوقة في علاقاتهم الثنائية، أي أن الولايات المتحدة كانت باتّة وغير مقيّدة أو مشروطة إلى حد ما في مطالبها من حيث الولاء السعودي طارحة للسعوديين خيارين أساسيين، كما كان وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان يردّد على لسان الولايات المتحدة: “هل أنت معنا أم ضدنا؟” لقد خفّضت الولايات المتحدة من المصالح السياسية للسعوديين والاعتبارات الاقتصادية في كثير من الأحيان، كما تجلى الأمر في قرار الرياض بدعم خفض أوبك للنفط. لقد أراد السعوديون على وجه الخصوص الحفاظ على استقرار الأسعار وخاصّة بسبب قلقهم من الركود العالمي الوشيك، بالإضافة إلى أنهم يريدون الاستعداد للطلب المتزايد على النفط بفصل شتاء غامض. ومن خلال النظر إلى العلاقة بشكل واضح وأعمق، يشعر السعوديون بالضعف والقيود التي لم يعودوا على استعداد لتحملها. انتهاكات حقوق الإنسان: هذه القضية تثير استياء السعوديين بشدة لأنهم يزدرون إلقاء المحاضرات عنها وانتقادهم علناً بها. وعلى الرغم من وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في السعودية، فإن السؤال هو: إذا كانت الولايات المتحدة تريد للسعوديين إنهاء أو تقليص انتهاكاتهم لحقوق الإنسان بشكل كبير، فهل من الممكن تحقيق ذلك من خلال التوبيخ العلني أو من خلال المناقشات وراء الكواليس؟ الجواب واضح. إن إدانة وإهانة السعوديين علنًا بشأن سجلهم في مجال حقوق الإنسان يخدم عكس الهدف النهائي للولايات المتحدة. بمقدور الولايات المتحدة بالأحرى أن تشير من خلال أوضاع محددة إلى مدى استفادة النظام الملكي إذا شعر الناس بمزيد من الحرية والإبداع ولا يخضعون للاحتجاز التعسفي والعقوبات غير المتناسبة وعدم المساواة بين الجنسين، وما إلى ذلك. المطلوب الآن هو فتح فصل جديد في العلاقات بين البلدين، وتحديداً من خلال الاعتراف بالدور الحاسم للمملكة العربية السعودية على عدة جبهات: كصانعة سلام: في اجتماع عُقد مؤخرًا بين الرئيسين الأميركي والإسرائيلي، بايدن وهرتسوغ، قال الأخير: “اعتقد حقًا بأن المملكة العربية السعودية لاعب مهم جدًا في المنطقة وأيضًا ركيزة مركزية للغاية في العالم الإسلامي”. أجل، بدون موافقة السعودية لم تكن قد أبرمت اتفاقيات إبراهيم التي أوجدت على حد تعبير هرتسوغ “نقلة نوعية استراتيجية، شيء كنا نحلم به منذ زمن طويل”. يظل السعوديون، الذين قدموا مبادرة السلام العربية في عام 2002، ملتزمين بإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بينما يتعاونون ضمنًا مع إسرائيل في مجموعة من القضايا، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية وشراء التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة وبالتأكيد تبادل الآراء وتقييم المخاطر فيما يتعلق بالتهديد الإيراني. وبالإضافة إلى ذلك، صوّت السعوديون لإدانة ضم روسيا للأراضي الأوكرانية ويواصلون جهودهم لمساعدة أوكرانيا، هذا ضمن العديد من الجهود الأخرى. إنتاج النفط: بغض النظر عن النزاع الأميركي – السعودي تظل الرياض أكبر منتج للنفط. وبالنظر إلى أزمة الطاقة العالمية، يمكن للسعوديين إحداث فرق كبير. صحيح أن السعوديين ما زالوا يريدون موازنة وضبط العرض والطلب على النفط وحماية مصلحتهم الوطنية، ولكن مع ذلك، ينبغي على إدارة بايدن العمل مع السعوديين في معالجة أزمة النفط العالمية من خلال مفاوضات هادئة، وذلك لسببين: أولاً، في الخامس من كانون الأول/ديسمبر سيبدأ الحظر النفطي الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على النفط الخام الروسي المحمول بحراً، مما قد يؤدي إلى اندلاع أزمة جديدة مع اقتراب برد الشتاء. وثانيًا، في 4 ديسمبر سيعقد الإجتماع القادم لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حيث ينبغي أن تتوصل الولايات المتحدة والسعودية قبل انعقاده إلى تفاهم متبادل المنفعة حول إنتاج النفط. إصلاح العلاقات: بالتأكيد، هناك العديد من المجالات الأخرى يمكن من خلالها للولايات المتحدة والسعودية أن تتعاونا بشكل كامل وينبغي عليهما فعل ذلك. هذا يشمل التعاون الكامل في التعامل مع التهديد الإقليمي الإيراني وطموح إيران في أن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة التي يحتمل أيضا ً أن تكون مجهزة بأسلحة نووية، والعمل كذلك معًا لإنهاء الحرب في اليمن ووقف الموت والدمار المروعين؛ والمساعدة في التخفيف من حدة الحرب الأهلية الدائرة في السودان حيث يموت آلاف الأبرياء دون أي إغاثة تلوح في الأفق؛ والاستمرار في تعزيز السلام بين إسرائيل والدول العربية الأخرى والضغط معًا لتسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المستمر منذ أكثر من سبعة عقود. وعلى الرغم من التقلبات في العلاقات الأميركية – السعودية، فقد استمر تحالفهما سبعة عقود وأثبت مرونته وأهميته الجيوستراتيجية بعيدة المدى لكلا البلدين. حان الوقت الآن لإعادة النظر في علاقتهما وتجديد التزامهما بالتحالف والصداقة، وهو أمر محوري للسلام والاستقرار الإقليميين في منعطف تاريخي من الاضطرابات العالمية.

مشاركة :