مباشرة بعد عودتها من سورية "قصرياً" وهي التي انتقلت إليها بدعوة من وزارة الإعلام السورية للوقوف على الوضع هناك، تحكي المراسلة الحربية الجزائرية نهاد زرواطي التي تعمل لصالح قناة "الشروق نيوز" الجزائرية تفاصيل قصة طردها من حلب ودمشق ومنعها من نقل يوميات السوريين أو الاقتراب من جبهات القتال. "الرياض" التقت ناهد زرواطي ومعها كان هذا الحوار: وزارة إعلام النظام دعتني رسمياً وعندما رفضتُ الإملاءات طردوني نظام بشار يستخدم سياسة الأرض المحروقة عن طريق تجويع الشعب * تعودين إلى الجزائر بعد مهمة لم تكتمل في سورية بدعوة من وزارة الإعلام السورية، هل كانت الدعوة "تتحدث" عن تغطية حرب أم أزمة؟ - قبول دعوة نظام بشار الأسد كان تحدياً كبيراً لأن ما تنقله وسائل الاعلام لا يشجع أي مراسل على الذهاب هناك و لو كان كبير مراسلي الحرب، لكن بما أن الدعوة كانت رسمية وصادرة عن جهاز الحرس القومي العربي وهو الجهاز التابع للفرقة الرابعة التابعة للعميد "ماهر الأسد" شقيق الرئيس بشار شجعنا نوعاً ما على خوض مغامرة التغطية الإعلامية هناك خاصة وأن كل الشروط التي قدمتها تم قبولها ومنها التغطية داخل مناطق النزاع والوصول إلى قلب الجبهات، لكننا فوجئنا فور نزولنا من الطائرة ودخولنا مطار دمشق الدولي ببداية الحكاية التي ألخصها في تداخل الأجهزة الأمنية ما جعلنا نبقي لأكثر من ثماني ساعات محتجزين داخل المطار في انتظار اتصال من القيادة. * هل تضمنت الدعوة مناطق بعينها حدّدها النظام السوري سلفاً لزيارتها أم كانت مفتوحة؟ - أتذكر أنني وبعد انتهاء عملي مع الحرس القومي العربي الذي يتبع العميد "ماهر الأسد" التقيت مع الدكتورة "بثينة شعبان" المستشارة السياسية والاعلامية لرئاسة الجهورية العربية السورية وفي لقاء حصري معها لاحظت أنها تصف كل الإعلام بالمعادي وغير المهني فما كان مني إلا أن أرّد عليها قائلة أن التعتيم الممنهج مصدره النظام السوري الذي يرفض دخول الإعلاميين إلى مناطق النزاع، وهنا ردّت فورا بالقول إنها ترحب بدخول القناة التي اشتغل لحسابها إلى كل المناطق. وبالفعل فور انتهاء اللقاء معها اتصلت بوزير الاعلام الذي حدّد لنا منطقتي حمص وحلب مبدئياً للتوجه إليها والشروع في إنجاز الوثائقي الميداني. * إذن لماذا أوعزت السلطات بطردك من حلب إلى دمشق، ما الذي أثار حفيظتها؟ - أصل المشكلة بدأت في مدينة حمص وليس حلب لأنه فور وصولنا إلى المدينة خرج سكانها في تظاهرة كبيرة يعلوها الدخان، ولأن التكليف بالمهمة كان طلبنا من المرافقين الأمنيين تغطيتها فرفضوا وأجبرونا على مغادرة المكان بدعوى الخوف علينا من القنص وعندما سألت لماذا القنص؟ وإن كانت قوات الأسد تستعمل الذخيرة الحية ضد المتظاهرين وحمص تحت سيطرة النظام؟ لم يروقهم الأمر. لقد منعنا من العمل بحرية مع السوريين وتم منع التسجيل مع أولئك الذين ينتقدون السلطة ونملك تسجيلات حصرية لمواطنين يسبون النظام ويتهمونه بفرض الحصار عليهم وتجويعهم. ولقد تم استقدام أشخاص للتسجيل معنا وهؤلاء لم يتوقفوا عن مدح بشار وهم يهللون "يحيا بشار يحيا بشار". بالطبع رفضت التسجيل تحت الإملاء وقررت إرسال تقرير إلى القيادة وأطفأت الكاميرا بعدما رفضوا تنقلي إلى مناطق أحوز على ترخيص مسبق وتكليف مهني بزيارتها والنسخ موجودة عندي. * كيف تطور الوضع إلى طردك؟ - صممت على مواصلة العمل بحيادية رغم منعي من أخذ كل الحقائق، وبوسائلي الخاصة تنقلت إلى مدينة حلب مثلما يسمح التكليف بالمهمة الذي كان بحوزتي وفور وصولي إلى الفندق بخمس دقائق اتصلت بي موفدة وزارة الإعلام التي كانت رفقة أشخاص من الأمن. سلمتني المرافقة موافقة كل الجهات الأمنية في مدينة حلب لعملي هناك، أهمها طبعاً موافقة المخابرات العامة وبناء عليه شرعنا في وضع خطة العمل، لكن وبعد دقائق فقط تعود المرافقة وتزف لي خبر منعي من التغطية داخل المدينة، أخبرتها أنني أملك كل الموافقات فردت إن القرار فوقي. لم يصدر عني ليلتها أي رد فعل أملا في جديد اليوم التالى لكن الخيبة كانت كبيرة عندما تم تسليمي قرار وزير الإعلام بطردي من المنطقة، كان القرار هاتفياً، ما يعني أن الطرد كان تعسفيا، وكنت أسمع صوت المسؤول من الهاتف يقول: "قولولها تضب اغراضها وتطلع برات حلب مو بس برات حلب الوزير بيقول برات دمشق"، وهنا أشير أن الكثيرين يعتبرون أن قرار الطرد جاء من حلب الى دمشق لكنني أصرح انه جاء للخروج من دمشق وفورا. * ما الذي كان يزعج السلطات السورية في تعاملك مع الوضع هناك؟ - الذي أزعج السلطات السورية هو تعامل الشارع السوري معي واقترابه مني وحديثه الصريح، والذي أزعجه أكثر هو كشفي للحقائق الفظيعة بشان سياسة الأرض المحروقة عن طريق تجويع الشعب الذي وجدته في مدينة حلب يشتري الخيم من المسؤولين، شعب حرم من الدفء في عز فصل الشتاء حيث درجة الحرارة تصل إلى ما دون الصفر لكن عندما تقصد المحافظة تجد مكاتب الأمن تنعم بالحرارة والعيش الهنيء بل ببذخ العيش في حين تجد عائلات على بعد أمتار فقط تفترش الأرض وتشرب مياه الثلج وتقتات على القمامات. وصل بي الحد الى التفكير في تقديم ملابسي ومعطفي إلى هؤلاء لكن المرافقين كانوا يمنعونني من أخذ صور لهم او الاقتراب والحديث معهم، المأساة أن المسؤولين يحاولون استغبائي بالتبجح أنه لا وجود لمنكوبين وأن بشار وفر كل شيء. تخيلوا أنني وجدت على الطرقات رجالاً يعاقبون خارج السيارات تحت البرد فقط لأنهم لا يملكون ثمن رشوة يقدمونها للجيش وللقوي الأمنية بمختلف تشكيلاتها. ثمة رجال بكوا أمامي وهم يستجدونني لإيصال حقيقة الاضطهاد الذي يعيشونه على يد أشخاص يلبسون ثوب الجيش والأمن. * أي وضع لحقوق الإنسان في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام السوري؟ وهل المناطق الخارجة عن سيطرته بها وضع أفضل لتلك الحقوق؟ - حقوق الإنسان غير موجودة في المناطق التي يسيطر عليها النظام، والناس هناك لا يحوزون حتى على الحقوق التي تتمتع بها الحيوانات. لقد رأيت أشخاصا يقتاتون من القمامات وآخرون لا يجدون الحطب للتدفئة أو حذاء ينتعله أطفالهم في البرد القارص. في دمشق مثلا يأخذونني إلى شارع الحمراء وشارع الأمويين وكل الشوارع الراقية في المدينة لكن عندما وقفت على مشارف دمشق والمدن الموجودة خارج المدينة، اقترب مني أحدهم وجعلني اقرأ ورقة كتبها سكان إحدى المناطق (لا يمكنني ذكر اسمها حتى أجنّبها غضب السلطة) ولدهشتي أقرأ في الورقة استعطاف هؤلاء المفتي العام في سوريا ليجيز لهم أكل مواتهم!! * ماذا عن المعارضة بكل أطيافها والمليشيات المسلحة التابعة لها. هل أسعفك الحظ والوقت للوصول إلى هؤلاء؟ أم عدتي خاوية الوفاض؟ الحديث عن المعارضة يقود إلى الحديث عن سياسة التجويع، لأن السياسة تأتي بعد اكتشاف عدم وجود تأييد للنظام داخل المناطق التي يسيطر عليها، ما يجعله يعاقبهم بسياسته الخاصة وهذا ما يحدث بمناطق حمص وحلب والمدن الموجودة على مشارف دمشق مثل درعا. شخصياً التقيت مع المعارضة هناك وهي عبارة عن خلايا نائمة تنتظر الدعم للانفجار في أي دقيقة، أشخاص يلومون المعارضة المسلحة التي انسحبت من حمص وحلب وتركتهم بسبب خلافات بينها. صدقوني حتى في قلب دمشق لا يوجد ذلك التأييد الكبير الذي نراه أو الذي يسوق له إعلامهم العام، بالعكس تعبت الناس من موت ابنائهم وأخذهم عنوة إلى الجبهات حتى صغار السن منهم وجدوا أنفسهم داخل كتائب ليست سورية في الأصل. * توجهين دعوة للإعلاميين بعدم التورط مع النظام السوري بقبول إملاءاته؟ - الدعوة موجهة للزملاء الإعلاميين أصحاب الضمائر الحية ممن يتوجهون إلى سورية، لأقول لهم لا تبقوا حبيسي فنادق الخمسة نجوم لأن ثمة من يموت على بضعة أمتار فقط جوعاً وبرداً وظلماً واستبداداً .
مشاركة :