انخفض سعر صرف الليرة اللبنانية في أسواق المبادلات الموازية، الثلاثاء، ليقترب سعر الدولار مجدداً من عتبة 40 ألف ليرة، وسط معلومات متضاربة بشأن التأخير الذي لحق بالتدابير التنظيمية الجديدة التي يستعد البنك المركزي لاتخاذها، والتي تقضي برفع سعر بدلات السحوبات من العملات الصعبة، توازياً مع بدء العمل باستيفاء الرسوم الجمركية للمستوردات عند مستوى 15 ألف ليرة للدولار. ولاحظت مصادر متابعة، أن تجدد موجات الطلب على العملة الخضراء وبوتيرة متصاعدة لدى شركات الصرافة، ينعكس تلقائياً بعودة الليرة إلى الانخفاض قريباً من أدنى المستويات القياسية، وبما يعكس تماماً الأجواء المسربة من البنك المركزي، والتي أعقبت بيانه المفاجئ مطلع الشهر الحالي، والمتضمن قراره بالتوقف عن شراء الدولار من الأسواق، فيما سيواصل ضخه عبر منصة «صيرفة». وأدى هذا الإفصاح الرسمي، المتضمن «امتناع» البنك المركزي عن تضخيم الطلب على الدولار، إلى شيوع توقعات بتدخل وشيك للبنك المركزي لضخ المزيد من السيولة بالدولار على غرار تحركات سابقة، حسب ما قالت مصادر مصرفية متابعة، وهو ما أسهم بفاعلية في انقلاب المعادلة الظرفية والمترجمة بتسجيل زيادة ملحوظة على طلب العملة الوطنية، والتي شهدت تحسناً كبيراً خلال ساعات قليلة لتبلغ حدود 36 ألف ليرة للدولار نزولاً من عتبة 41 ألف ليرة التي لامستها قبل صدور البيان. ويوضح مسؤول مصرفي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الضبابية» الناشئة عن تداخل القرارات النقدية مع المقتضيات المالية، «لا تزال تحول دون إمكانية تحديد التوقيت المرتقب لصدور التدابير الجديدة». وبعدما كانت الأجواء توحي باعتمادها رسمياً مطلع الشهر الحالي، إلحاقاً بإعلان البنك المركزي الامتناع عن شراء الدولار «الفريش» من الأسواق الموازية والذي تسبب فعلياً بتضخم استثنائي في حجم الكتلة النقدية إلى نحو 75 تريليون ليرة، تردد أن جهات حكومية أوعزت بالتمهل قليلاً توخياً لربط متزامن بين سريان الخطوات المالية المتصلة بالموازنة العامة مع التدابير النقدية الخاصة بالسحوبات، وهذا ما يعزز التوقعات بإصدار التعاميم الموعودة قبل منتصف الشهر الحالي. ويؤكد المصرفي، أن التسريبات الواردة من خلال مصادر معنية في البنك المركزي، «تتطابق مع التوقعات باعتماد سعر صرف أعلى للسحوبات من الحسابات الدولارية في البنوك كخطوة أولى ضمن مهمة إعادة تنظيم أسعار الصرف توطئة لتوحيدها، وبما يستجيب لمطلب أساسي من حزمة الشروط التي أودعتها بعثة صندوق النقد الدولي في الاتفاق الأولي مع الجانب اللبناني». ويضيف: «تتحقق إعادة الهدوء إلى السوق النقدية، عبر تمركز الجزء الأكبر من المبادلات عبر منصة «صيرفة» (العائدة لمصرف لبنان) التي تلبي يومياً جزءاً وازناً من الحصص المحددة شهرياً بقيمة 400 دولار نقداً لصالح الأفراد، وبسعر يبلغ نحو 30 ألف ليرة لكل دولار حالياً». ويلفت إلى أن التحركات النقدية الموعودة «تتزامن طرداً مع مستجدات مالية، ولا سيما مع ترقب سريان المواد والمفاعيل ذات الصلة في قانون الموازنة العامة، وفي مقدمتها منح جميع الموظفين والعاملين في مؤسسات القطاع العام والمتقاعدين، ما يوازي قيمة راتبين إضافيين شهرياً، والشروع بتطبيق الدولار الجمركي»، فضلاً عن «القرارات المتلاحقة بمضاعفة رسوم الخدمات العامة التي انطلقت من الاشتراكات وبدلات الاتصالات في الهواتف النقالة، وتمددت أخيراً إلى بدلات التيار الكهربائي الذي تسعى وزارة الطاقة إلى تأمينه لمدة 10 ساعات يومياً بدءاً من الشهر المقبل، بعدما تعهد البنك المركزي بتأمين التمويل بالدولار ووفق السعر المعتمد على المنصة». وزاد من متانة التوقعات، التطور اللافت في ميزانية مصرف لبنان المركزي، والمتمثل بتسجيل ثالث زيادة نصف شهرية في احتياطات العملات الصعبة، ليصل إجمالي المبالغ المضافة إلى نحو 637 مليون دولار، ما أعاد رفع الاحتياطي إلى نحو 10.3 مليار دولار في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وهو ما حفز أصحاب المحلات التجارية إلى إعادة تكوين مراكز بالليرة، سعياً لتحقيق أرباح إضافية ربطاً بترقبات تحقيق تحسن إضافي في سعر الصرف. ووفق رصد لـ«الشرق الأوسط»، لوحظ حصول انفتاح استثنائي ومؤقت في الأسواق التجارية والاستهلاكية على قبول الدفع بالليرة من خلال البطاقات المصرفية، وبنسبة 100 في المائة من قيمة الفاتورة المستحقة، بخلاف الإجراءات التقييدية السابقة التي كانت تفرض السداد الفوري بالسيولة النقدية حصراً، أو القبول الجزئي للدفع بالبطاقات وبنسبة لا تتعدى 50 في المائة بالحد الأقصى، فضلاً عن لجوء الكثير من التجار إلى فرض عمولات في حال السداد الإلكتروني. وبالتوازي، تسببت التوقعات «المتفائلة»، بانكماش واضح في حركة السحوبات من الحسابات الدولارية عبر الآلية السارية للاستبدال بسعر 8 آلاف ليرة لكل دولار وضمن سقوف تبلغ نحو 3 آلاف دولار شهرياً، وذلك بعدما سربت معظم إدارات البنوك وفروعها إلى المودعين، توجه البنك المركزي لرفع سعر المبادلة إلى 12 أو 15 ألف ليرة، وهو ما يمثل فوارق مجزية لصالح المودع الذي يلجأ غالباً إلى استثمار حصته من السحوبات المتاحة بشراء الدولار النقدي عبر المنصة بسعر يقارب 30 ألف ليرة لكل دولار. فبموجب السعر الساري، يضطر أصحاب الحسابات الدولارية إلى تصريف نحو 1500 دولار للحصول على 400 دولار نقداً، وهي القيمة المحددة لكل فرد شهرياً وفقاً للسعر المعتمد على المنصة التي يديرها البنك المركزي. وهو ما يعني القبول بنسبة اقتطاع تقارب نسبتها 73 في المائة لقاء الاستفادة من فارق السعر في الأسواق الموازية، فيما ينشد المودعون تقليص نسبة الاقتطاع إلى نحو 50 في المائة في حال اعتماد سعر 15 ألف ليرة كقيمة موازية للاستبدال بدلاً من 8 آلاف ليرة.
مشاركة :