بين الحين والآخر نُصدم بأخبار عن مظاهر فساد في بعض أجهزة الدولة؛ ومنها ما كشفت عنه هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) مؤخرًا ومباشرتها -خلال شهر ربيع أول- بالتحقيق مع 148 مشتبها به، من ضمنهم موظفون من وزارات الدفاع، والداخلية، والصحة، والشؤون البلدية والقروية والإسكان، وأنه تم إيقاف 60 متهماً وفقا لنظام الإجراءات الجزائية، لتورطهم بجرائم الرشوة، واستغلال النفوذ الوظيفي، وغسل الأموال، والتزوير.. وأنه جاري استكمال الإجراءات النظامية تمهيداً لإحالتهم للقضاء. والحقيقة، كل الشكر للجهود الكبيرة لنزاهة في كشفها عن المفسدين، واستعادة أموال الدولة، وهي ممارسات تدل على فساد أخلاقي من قِبَل البعض، وإخلال بواجبات الوظيفة التي أؤتمن عليها أولئك، واستغلال لنفوذهم في تبديد أموال الدولة وسوء الاستعمال الإداري للسلطة. ومظاهر الفساد في الأوساط الحكومية أيضاً؛ ترتبط بشركات تواطأت مع جهات حكومية من حيث العروض والعطاءات، والتلاعب بالمشروعات الحكومية، وإهدار المال العام، والسيطرة على الأسواق؛ في حين نجد أن القطاع الخاص المستقل، والقطاع غير الربحي أصبحا يطبق عليهما إجراءات صارمة في (الحوكمة)؛ حيث كان جزء من القطاع غير الربحي متهماً بتمويل الإرهاب.. فتقدم بخطوات كبيرة في مكافحة الفساد. وكذلك الحال في الشركات بعد إفلاس شركات وانهيارات مالية تسبَّبت في ركودٍ اقتصادي، فأصبحت الحوكمة مطلباً أساسياً في هذين القطاعين. والحوكمة تعني: الأنظمة والعمليات التي تضمن شرعية المنظمة وتوجهها، وعلاقة الإدارة التنفيذية بمجلس الإدارة والمستفيدين من خلال الإشراف عليها ومتابعة وتقويم الأنظمة والإجراءات. وتقوم الحوكمة على مبادئ أساسية وهي: العدالة، والمسؤولية، والمساءلة والشفافية. وهي تعمل على خفض المخاطر المتعلقة بالفساد المالي والإداري، كما أنها تضمن الدقة والوضوح في القوائم المالية التي تصدرها المنظمة، كما توفر الأطر التنظيمية للرقابة الداخلية والخارجية المستقلة في أداء العاملين بالمنظمة في الإدارة التنفيذية، والمحاسبة، وكافة الموظفين والمستفيدين. بل إنه ومن خلال عملي في القطاع غير الربحي وجدت تقارير من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ترتبط بالحوكمة، وتطبق سنويا مثل: معايير السلامة المالية، ومعايير الامتثال والالتزام، ومعايير الشفافية والإفصاح من خلال بنود خاصة يجيب عليها أعضاء مجلس الادارة والإدارة التنفيذية، وتُحدد مؤشرات الأداء، وهذا يكشف الكثير من سلامة القوائم المالية، ومصادر الإيرادات، والأنشطة والبرامج التي تم الإنفاق عليها، وسجل التعيينات السنوية.. وغيرها.. وتُرفع التقارير لتقويم المنظمة وكشف الكثير من الملاحظات، ومنها الإفصاح عن سياسة تعارض المصالح.. وكل ذلك مكتوب ومطبق من خلال أنظمة وأدلة إجرائية. إذن، لماذا لا تُطبَّق أنظمة الحوكمة والإجراءات الرقابية على الأجهزة الحكومية بتلك الدقة والصرامة؟ لأن الفساد يُؤثِّر على التنمية الوطنية، وأن بعض من ذوي السلطات العليا يعتقدون أنهم فوق المساءلة بحكم المرتبة والمنصب؛ وهذا يؤدي إلى ارتكاب جرائم فساد كان الأولى أن نضمن الوقاية منها من خلال أساليب (الحوكمة الرشيدة)، ومنها تطبيق سياسة تعارض المصالح؛ حيث لابد من الإقرار الوظيفي سنوياً ولجميع الموظفين من أعلى مرتبة إلى الأقل، بعدم وجود مصلحة خاصة له في أي نشاط أو برنامج يتعلق بوظيفته، أو ما يتعلق بتعيين موظفين لهم صلة قرابة لتحقيق مصالح شخصية له ولأقاربه. وكذلك التأكد من عدم قبول أي هدايا أو إكراميات.. فجميعها تدخل في باب الرشوة.. مع وجود رقابة على أي سوء تصرف مالي، مثل ادعاءات النفقات الكاذبة، أو إتلاف أو إخفاء أو إضاعة أي من الوثائق الرسمية.. وكل ذلك يدخل في عدم الالتزام بالسياسات والأنظمة وقواعد الرقابة الداخلية، مع ضرورة تطبيق الإجراءات والأنظمة السارية في المملكة لمكافحة جرائم تمويل الإرهاب.. بل ضرورة نشر نظام الإبلاغ عن المخالفات وحماية مقدمي البلاغات من أي خطر، أو سوء تصرف قد تتعرض له المنظمة من أصحاب المصالح، وعن أي مخالفات مالية أو قانونية أو تشريعية، وأن هناك ضمانات لحماية الشخص المبلّغ. لابد أن تكون في كل منظمة حكومية وفي القطاع الخاص وغير الربحي دورات وبرامج توعوية عن مخاطر الفساد، وأنها إنهاك لاقتصاديات الوطن وخيانة للدولة.. بل نتمنى أن توضع لوحة بمقولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: «لن ينجو من الفساد كائناً من كان»، في جميع المقرات الوظيفية في القطاع الحكومي، والخاص، وغير الربحي، لتكون تذكرة لمن ينسى سياسة الحرب على الفساد.
مشاركة :