الاقتصاد المعرفي الذي يعرف باقتصاد المعلومات هو اقتصاد يعتمد على رأس المال البشري وقدرات الانسان الفكرية، حيث يعدّ الفكر البشري المحرك الرئيسي للتعزيز الاقتصادي، والمصدر الأساسي للأفكار، والمعلومات والممارسات المبتكرة، والتي تسهم في بناء اقتصاد يتألف من صناعات الخدمات وتكنولوجيا المعلومات، وخلق الوظائف التي تتطلب التفكير وتحليل البيانات. من الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد المعرفي البحث، والابتكار، والتقدم التكنولوجي السريع، وقوة عاملة تتمتع بمعرفة جيدة بالحاسوب، وأنظمة التكنولوجيا. فبينما يركز الاقتصاد التقليدي على إنتاج سلع مادية، معتمداً في كثير من الأحيان على العمالة غير الماهرة، وقوة العامل الجسدية، أو جودة الآلة في الإنتاج.. في الاقتصاد المعرفي يعمل العامل بفكره لينتج الأفكار، ويكتسب المعرفة، وينشرها، ويطبقها، لتسهيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. يعتبر الاقتصاد المعرفي المرحلة الثالثة من التنمية الاقتصادية التي تسمى مرحلة ما بعد الصناعة. المرحلة الاولى هي مرحلة الزراعة، واعتمدت هذه المرحلة على الأرض كأكثر الأصول قيمة. المرحلة الثانية هي مرحلة الصناعة، والتي اعتمدت بشكل كبير على المعدات. المرحلة الثالثة هي مرحلة الاقتصاد المعرفي الذي يعتمد بشكل أساسي على المهارات الفكرية، إذ تعتبر براءة الاختراع أكثر الأصول قيمة لدى الشركات. نسبة الى الأمم المتحدة تستأثر اقتصادات المعرفة بحوالي 7% من الناتج المحلي العالمي، وتنمو بنسبة 10% سنويا. مثلاً 50% من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هي نتيجة مباشرة لنمو اقتصاد المعرفة، حيث يغير اقتصاد المعرفة وجه الكثير من الصناعات بصورة جذرية، مثل صناعة السيارات حيث التوجه الان الى استخدام سيارات بدون سائق، ومجال الرعاية الصحية، حيث ينتشر استخدام التطبيب عن بعد، وكذلك زيادة استخدام الأدوات الجراحية الثلاثية الأبعاد. ويربط البنك الدولي اقتصاد المعرفة بإطار من أربع ركائز أساسية هي: 1. قوة عاملة متعلمة وقادرة على التعلم المستمر، وتطبيق المهارات المكتسبة، وممارستها بكفاءة لبناء المعرفة. 2. بنية تحتية معلوماتية كثيفة وحديثة تسهل الوصول إلى موارد تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات، ونشر المعلومات والمعرفة. 3. بنية تحتية تشجع على الابتكار، ومواكبة أحدث التقنيات العالمية، والذكاء البشري، للاستفادة منها في الشركات والصناعات والاقتصاد المحلي ككل. 4. نظام مؤسسي يدعم الابتكار، واكتساب المعرفة، وتحسين الكفاءة. الاقتصاد المعرفي هو خارطة طريق لدول الشرق الأوسط، وخصوصا الدول المنتجة للنفط، لخلق اقتصادات مستدامة قادرة على مواكبة متطلبات اقتصادات الحقبة القادمة، وخلق وظائف جديدة، تلبي احتياجات وتطلعات الجيل الجديد. مع ذلك فإن الانتقال الى مرحلة الاقتصاد المعرفي في دولنا يواجه العديد من التحديات.. فبالإضافة الى الفكر السائد الذي مازال يعكس فكر الاقتصادات السابقة، يوجد حالياً العديد من العمال الذين يفتقرون إلى المهارات المطلوبة، وأنظمة وجداول تعليمية تفتقر الى أساسيات ومبادئ الاقتصاد المعرفي. لذلك فإن الانتقال الى مرحلة الاقتصاد المعرفي يتطلب شراكة وتعاونا بين القطاعين العام والخاص لتحديث البنية التحتية والأنظمة المؤسسية، والقيام بإعداد القوة العاملة المطلوبة، من خلال تطوير برامج تدريب وتشجيع ودعم الموظفين في الحصول على مزيد من فرص التعليم واكتساب المعرفة بصورة مستمرة. نتمنى على دول الشرق الأوسط وخصوصاً دول الخليج أن تسهم في تنمية الاقتصاد المعرفي، من خلال هيكلة صروح ومناهج التعليم في دولنا، بحيث تساهم مساهمة فعالة في تنمية الاقتصاد المعرفي، وتغير الفكر الاقتصادي السائد، ومساعدة الأجيال القادمة على فهم أساسيات الاقتصاد المعرفي، وكيف يلعب كل واحد منا، وخصوصاً الأجيال الشابة، دورا كبيرا في تطوير هذا النوع من الاقتصاد. نتطلع أن تكون المرحلة القادمة في مملكتنا الغالية، بما فيها بدء الدور التشريعي الجديد بشقيه الشورى والبرلماني، مرحلة مناسبة لزرع بذور الاقتصاد المعرفي في مؤسسات مملكتنا، وصروحها، وجداولها التعليمية، لتبقي البحرين دائماً وأبداً منارة للعلم، والتطور، ومن أجل ترسيخ مبادئ رؤية البحرين الاقتصادية 2030.
مشاركة :