واضح أن العلاقة الإيرانية مع أميركا وإسرائيل لم تنقطع وما زالت مستمرة حتى الآن، فهي عميقة وقديمة ومكشوفة في عهد شاه إيران، وبقيت، ولكن بسرية حتى بعد استبداله بخميني لتمرده على أسياده الذين أعادوا تنصيبه شاها على إيران إبان ثورة مصدق، فجيء بخميني من باريس مباشرة لينصّب نظامه بعبعا مسلطا على رؤوس دول الخليج العربية، متمتعا بسلطة مطلقة في ذلك البلد التاريخي الجميل، سلطة لم يحظ بها حتى فرعون، وليقوم بمهمة لم يستطع شاه إيران أن يحققها لهم، وهي قيام هلال إيراني طائفي يكون شوكة محيطة بالقلب العربي، وهذا هو الحاصل الآن. فالتهديدات الأميركية النارية ضد إيران توحي بالحزم ضد أي عملية عسكرية إيرانية ضد قواتها ومنشآتها، وضد أي عمليات إرهابية ضد حلفائها، ورغم كثرة تلك الاعتداءات وتكرارها فإن أميركا اكتفت برد شكلي، أو بأنها سترد عليها في الوقت المناسب، حتى أنها ذكرتنا بتصريحات حافظ أسد ووريثه بشار من بعده بعد كل اعتداء إسرائيلي على سورية، وتصريحات إيران عقب كل ضربة إسرائيلية ضد ميليشياته كلما تعدت خطوطها الحمراء. ورغم ما يعلن عن تلك الضربات الإسرائيلية فإنه ليس مستبعدا إطلاقا أن تكون ضربات إعلامية لا أكثر، فالتصريحات المتبادلة والتهديدات والتهويشات وحتى الاشتباكات مشكوك فيها، فما يحدث على أرض الواقع لم ولن يقنعنا بأن هناك عداء حقيقيا بين إيران وشيطانيها، فاستبدال الشاه بهذا النظام لم يكن هدفه أبدا أذية إسرائيل أو تحرير فلسطين، بل من أجل أذية العرب وإلهائهم عن فلسطين. وهذا فعلا هو الحاصل، فعرب الخليج تحديدا مشغولون الآن عن فلسطين بأمنهم وسلامتهم من البعبع الإيراني، والتخويف المستمر لعرب الخليج من البعبع الإيراني هدفه المزيد من الارتماء أكثر وأكثر في الأحضان الأميركية، وصرف المزيد من الأموال على شراء أسلحة باهظة الثمن، وتوقيع اتفاقيات أمنية مكلفة، أما العراق وسورية ولبنان واليمن فكل مشغول بحروبه الطائفية التي أشعلها النظام الايراني، شعوبهم تبحث عن لقمة عيش كانوا يوما ما منعّمين بها. ورغم الاتفاقيات الأمنية فالمنشآت الحيوية السعودية لم تسلم من هجمات ميليشيات عميلة للنظام الإيراني وبأسلحة إيرانية تعلم بها أميركا وإسرائيل والغرب، تتزايد تلك الهجمات كلما أحست أميركا بتململ عربي خليجي من تلك المسرحية المكشوفة التي يصعب عليها وضع حد لفصولها لاتفاق الطرفين عليها. وقد يتساءل المرء: ماذا يستفيد النظام الإيراني من تلك اللعبة؟ والجواب واضح وجلي، فالنظام الإيراني لا يزال يحلم بعودة إمبراطورية أسقطها العرب منذ أربعة عشر قرنا، فالنظام يريد أن ينتقم، وهذا هو ما يحصل الآن في أربع دول عربية فتح له الغرب وإسرائيل أبوابها، وتفاخر رسميا بالهيمنة عليها، وهي دول لا يمكن لإيران بأي حال التغلغل فيها لولا التسهيلات الأميركية والإسرائيلية تحديدا، ولولا خونة العرب، أما التصريحات النارية بين الجانبين، وشعار الموت للشيطان الأكبر والأصغر فهي للبيع المحلي ولخداع أغبياء بني يعرب. آخر التهديدات الإيرانية الأخيرة ضد السعودية تحديدا أتت مكشوفة، ومباشرة بعد إعلان أوبك تخفيض إنتاجها النفطي لمليوني برميل يوميا، فاعتبرت أميركا ذلك تهديدا أمنيا لها وإعلان حرب عليها، ولكن كيف تلجم أميركا ذلك القرار، ومن لها غير إيران؟ ففجأة أعلنت أميركا أنها متضامنة مع السعودية ضد هجمات صاروخية إيرانية محتملة ضد السعودية، فهل أتت تلك التهديدات مصادفة؟ نشك كثيرا في ذلك. الآن إيران أخذت موقفا قد يكون مغايرا للرغبات الأميركية المعلنة في أوكرانيا، فهل سيعتبر هذا بدايات تمرد إيراني على ولي نعمته الذي أتى به من باريس؟ وهل تصدق تصريحات أميركا بتحرير إيران منه؟ أم هي مجرد «تهويشات» تعودنا عليها؟ الله وأميركا أعلم بما يخبئه القادم من الأيام، فالشارع الإيراني يغلي، والقوميات العرقية تتململ.
مشاركة :