برز في هذه الحملات الانتخابية عدد من القضايا هيمنت على برامج المرشحين، منها البطالة وخلق فرص عمل، جودة التعليم ومواءمته مع سوق العمل، تأثير الأجانب على السوق، الضمان الاجتماعي وقانون التقاعد وتنمية الصناديق التقاعدية، بالإضافة إلى تقوية المجلس النيابي ليسهم في تطوير التجربة الديمقراطية. تناولنا في الأسبوع الماضي (أخبار الخليج 2 نوفمبر 2022) قضية تطوير التجربة الديمقراطية، ونتناول في هذا المقال قضية سوق العمل ومواءمة التعليم لخلق وظائف. من أهم القضايا التي تشغل المجتمعات العربية بشكل عام والبحريني بشكل خاص قضية البطالة ومواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل وقدرته في خلق فرص عمل مجزية للشباب الذي فقد بعضهم الأمل في حياة عائلية ومستقبل أفضل مع ما يصاحب ذلك من تداعيات سلبية على حياة الشباب (ذكورا وإناثا) والمجتمع والاستقرار الاجتماعي والسياسي. لهذه الأسباب تولي الدول العربية اهتماما بهذه القضية وتبذل محاولات لمعالجتها. في مقال نُشر في موقع الأخبار العربية يتحدث عن ثورة في إعادة تأهيل الشباب لتمكينهم من المهارات المستقبلية ووضعهم في طريق الإنتاجية. يقول المقال إن نسبة العمالة الماهرة في الدول العربية، في الوقت الحاضر، لا تتعدى 21% من مجمل سوق العمل، بالنسبة إلى كثير من الدول العربية هذا يعني نقصا كبيرا في المهارات المهيئة للاستفادة من الفرص المستقبلية التي تتطلب مستوى عال من المهارات، يشير المستقبل إلى تحولات متعددة تطال جميع القطاعات، فمثلا ما بين 41-52% من جميع الأعمال سوف تتحول نحو الأتمتة. لذلك أصبح من الضروري وجود برامج موازية وسباقة في إعادة التأهيل لتمكين الشباب من الاستفادة واقتناص الفرص المجزية التي ستوفرها هذه التحولات، وهذا ما أشار إليه مؤتمر العمل العربي 48 الذي انعقد في سبتمبر الماضي. تتمتع المنطقة العربية بميزة تنافسية كبيرة في حجم فئة الشباب (أو ما يسمى الميزة الديمغرافية) التي تمثل تقريبا نصف السكان. الفرصة متاحة لمثل هذه الحجم الكبير من العمالة أن تلعب دورا في الازدهار الاقتصادي في المنطقة إذا ما امتلكت المهارات المناسبة ومنحت الفرصة. يقول تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي نشر حديثا إنه في حالة تسليح طلبة الابتدائية والثانوية بمهارات القرن الواحد والعشرين يمكن للشرق الأوسط أن يحقق قيمة مضافة تقارب 266 مليون دولار. تتوفر الآن فرصة للدول العربية للإسراع في التعافي بعد الجائحة من خلال تحديث منظومة التعليم والتدريب المهني وقيم ومفاهيم التعلم مدى الحياة. تحقيق ذلك يحتاج إلى دعم أكثر من جهة بما فيه الحكومات، والمربين والمؤسسات الربحية. كذلك يحتاج الأمر إلى وسائل مبتكرة لإعادة تأهيل العمالة الوطنية الحالية بمعرفة خاصة ومهارات مطلوبة في القطاعات الاستراتيجية كالابتكار والإبداع والثقافة الرقمية والتفكير النقدي والذكاء العاطفي والتعلم مدى الحياة وحل المشاكل المعقدة والتعاون. يحتاج هذا الإطار المهاري إلى دمج في المنظومة التعليمية وفي الشركات لخلق مزيد من المواهب المطلوبة في سوق العمل. من تحليل بيانات سوق العمل يمكن تحديد الكفاءات والمهارات بشكل أدق وتصميم استراتيجية إعادة التأهيل وفق متطلبات القطاع العام والخاص. مثال على ذلك ما قامت به ولاية انديانا الأمريكية في نشر المهارات المطلوبة في سوق العمل وعدلت وطورت من نظام التعليم ليواكب هذه المتطلبات. يعمل التلاميذ على اكتساب هذه المهارات من الحضانة إلى الثانوية العامة، تشمل هذه المهارات، بالإضافة إلى ما تقدم أهمية قيم المثابرة والنزاهة والتعاون. في تجربة للحكومة السنغافورية تقوم بموجبها الشركات العاملة في قطاعات استراتيجية بتحديث البيانات حول مستجدات المهارات المطلوبة في القوى العاملة خلال السنوات الثلاث أو الخمس القادمة، وبناء على ذلك تقوم الحكومة بتحديث خارطة التحولات الصناعية (والاقتصادية) والعمل على تصميم برامج التدريب لتوفير المهارات المطلوبة. يمكن للشركات والعمالة والتلاميذ الاعتماد على هذه الخرائط لاتخاذ قراراتهم في اختيار التخصصات والبرامج التعليمية والتدريبية لتوفير تخصصات المستقبل. مبادرة أخرى سنغافورية تستحق الاهتمام تسمى «التحويل الوظيفي»، حيث تتعاون الحكومة والقطاع الخاص لإعادة بناء مهارات جديدة للعمالة في منتصف حياتهم المهنية لجعلهم قابلين لإعادة التوظيف في وظائف جديدة. في كثير من الدول تقوم شركات خاصة بتقديم مثل هذه البرامج المخصصة لسوق العمل والمصممة وفق متطلبات القطاعات المختلفة، وتقوم الحكومات بالرقابة على مستويات وجودة التدريب. يوفر نظام التدريب العملي في الشركات (ابرنتس- كما كان في بابكو في الخمسينيات والستينيات) فرص تدريب للطلبة وإدماجهم في بيئة العمل في سن مبكرة تصقل مواهبهم وتكسبهم مهارات عالية الجودة. تمكنت كثير من الحكومات دمج برامج الابرنتس في نظامهم التعليمي. تقدم سويسري نموذجا على ذلك، حيث ينخرط 70% من الشباب في برامج الابرنتس يختارون مهارات من بين 230 تخصصا. يلتحق الطالب في سن 15-16 ببرامج مزدوجة بين التعليم المهني والتدريب العملي على رأس العمل (الابرنتس). يستمر البرنامج من ثلاث إلى أربع سنوات يتخرج الطالب بدبلوم معترف به على مستوى الدولة. نجاح هذا المزج (بين التدريب والتعليم) يعتمد على تعاون وثيق بين الحكومات والقطاع الخاص. وضعت الحكومة السنغافورية برنامجا مماثلا تحت مسمى «مهارات المستقبل» يمنح الطلبة فرصة اكتساب مهارات وإتقانها تمكنهم من الحصول على فرصة عمل مناسبة. كيف يمكن الاستفادة من هذه التجارب في إعادة التدريب والتأهيل والتدريب العملي المبكر في الحالة البحرينية والخليجية والعربية؟ بالنسبة إلى دول الخليج، فإن وجود نسبة كبيرة من العمالة الوافدة التي يمكن إحلال العمالة الوطنية محلها بقليل من التدريب والتأهيل جعل المعالجة أكثر يسرا، غير أن المشكلة في الخليج لا تنحصر في التدريب والتأهيل بل هي مشكلة الحوافز التي تجعل صاحب العمل يفضل الأجنبي، والسياسات الحكومية التي تيسر جلب العمالة الأجنبية. ومن ناحية أخرى هناك مشكلة التعامل مع ارتفاع كلفة المعيشة في حالة الاستغناء عن العمالة الأجنبية الماهرة، لذلك لا بد أن تدمج المعالجة بين التعليم والتدريب وإعادة التأهيل من جهة، وإجراء دراسة لتحديد تأثير ذلك في مستوى المعيشة، وتصميم نظام ضمان اجتماعي يحمي الطبقة الفقيرة والمتوسطة من آثار هذه السياسات في حالة ارتفاع كلفة المعيشة. drmekuwaiti@gmail.com
مشاركة :