هناك بين أحضان الجبال الصلدة، لا محالة أن تسمع صوتها يناديك من بعيد مهللاً بالترحاب.. هناك وعبر وادي الحلو تشق سيارتنا الطريق المحفوفة بكل فنون وألوان الطبيعة، التي تصيبك بحالة من حالات الانبهار، وبكل الحنان الذي تخفيه بين صخورها تحتضنك لتشد حواسك جميعها، لتجد روحك هائمة، فلا تملك سوى أن تهرول مسيراً لا مخيراً، لتدق أبواب ذاك المنتزه الذي فتح صدره قبل أبوابه للجميع في قلب مدينة التاريخ، تلك التي سميت بهذا الاسم لأن تكوينها على شكل حرف الباء، ومن هذا الطراز الشطرنجي على الساحل سميت كلباء. إليها ذهبت ولجبالها الشامخة، استسلمت، وفي قلب أجمل وأهم وأحدث المنتزهات، التي تم افتتاحها مؤخراً، تجولت لأرصد وأنقل تفاصيل منتزه يتميز بخصوصية شديدة وسط محميته التي تحتضنه، والتي وهبته اسمها إنه منتزه الحفية. كاذب من يقول إن الطبيعة الخضراء هي فقط التي تتسم بالإبداع والجمال لأنك عندما تتأمل لون الصحراء، وتتحسس رائحتها، وتفهم وتدرك تفاصيلها، لا تملك سوى أن تلهث عبر دروبها مردداً: سبحانه وتعالى فيما أبدع. تلك كانت حالتي طوال الطريق إلى منتزه الحفية، القابع وسط جبال كلباء، مطلاً بهدوء وسكينة علي أهم محمية طبيعية في مدينة التاريخ والتراث كلباء. تلك المدينة التي وهبها سبحانه وتعالى إطلالة جبلية لا مثيل لها تجدها وقد انتظمت بين جنباتها كحبات اللؤلؤ، ذرات من الرمال التي تكلست عبر سنوات طويلة بفعل الرطوبة والحرارة، القلم يعجز عن وصف ذاك المشهد الخلاب لصخور تنافس الحُليّ في إبداعها، عندما تتأمل تلك الجبال لا محالة ينتابك إحساس بأن شموخها وقوتها، جعلا منها شاهداً على حكمة الصحراء التي لا تنتهي. تلك هي ببساطة فلسفة إمارة الشارقة التي تنتمي إليها مدينة كلباء، على أرضها تمتزج الحضارة المعاصرة بعبق الماضي البعيد، ها هي رائحة التراث الأصيل الذي يحمل حكمة وفلسفة ومعاناة الأجداد، تنطلق من خلف جبال كلباء العتيقة، التي تحتضن وتحنو على سيارتنا، وكأنها تتمنى لنا السلام، وها هو يلوح لنا من بعيد، السكون والصمت والهدوء يخترق الآذان من دون أي استئذان، ولا شيء يقطع تأملنا سوى تلك الأصوات الآتية من بعيد، وقد راحت تطلق صيحات المرح والسعادة التي ملأت المكان من حولنا، تأملت كثيراً ما إن خطوت خطواتي الأولى في قلب منتزه الحفية، تلك المساحة الكبيرة التي بنيت عليه والتي تقدر ب 135.500 متر مربع، ذاك المنتزه الذي تم افتتاحه في أواخر سبتمبر/أيلول عام 2015، بتكلفة وصلت 5 ملايين و500 ألف درهم.. أفقت من حالة تأملي وانبهاري بالمكان، على صوت نورة إبراهيم عبدالله الدرمكي، مديرة متنزه الحفية، التي استقبلتنا بكل مودة، وكانت خير مرافق لنا طوال مدة تجوالنا في المكان، بدأت نورة حديثها قائلة: يعتبر منتزه الحفية جزءاً لا يتجزأ من مشروع كلباء للسياحة البيئية، والذي يعد أضخم مشروع سياحي بيئي على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة، والذي تقوم شروق بتطويره حالياً بناءً على توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وضمن مبادرات سموه في المنطقة الشرقية والهادفة إلى تعزيز الحركة السياحية، وتوفير مرافق ترفيهية وخدمية لسكّان المنطقة وزائريها - ولايزال الكلام على لسان الدرمكي- لقد مررنا بمراحل عديدة في التطوير من أجل أن يفتتح هذا المنتزه الذي أصبح متنفساً لكل ساكني مدينة كلباء وأيضاً لزائريها من السائحين الأجانب، وقامت بالفعل الشركة المسؤولة بإنشاء العديد من المرافق الحيوية، بما فيها إقامة مناطق مخصصة لألعاب الأطفال، وبناء منصة لمشاهدة الحيوانات المتواجدة في المحمية، ومكتب لبيع التذاكر، ومبنى للإدارة، ومصلى للرجال وآخر للنساء، بالإضافة إلى أماكن مخصصة للشواء، إلى جانب تزويد المنتزه بكشك للمأكولات السريعة والمشروبات، وبعض المقاهي والكفتيريات، لتلبية احتياجات الزائرين، وكل هذا بأسعار زهيدة، فتذكرة الدخول للمنتزه تبلغ 5 دراهم فقط، حتى يكون مناسباً للجميع. تركتني نورة أتجول في المنتزه لأراقب هذا الجمهور العريض من الأطفال، الذين راحوا يمرحون وتتعالى صيحاتهم معبرة عن سعادتهم، اقتربت منه حيث كان يساعد صغاره في تسلق الألعاب البلاستيكية المنتشرة في أرجاء المكان خميس القايدي، الذي عبر عن مدى سعادته بالتطويرات التي مر بها المنتزه، ليكون بهذا المستوى من الرقي - والكلام على لسان القايدي: مدينة كلباء لها خصوصية شديدة تميزها عن بقية المدن الأخرى، فهي مدينة التاريخ والتراث، تفوح منها رائحة أجدادنا وفلسفتهم التي نسير على نهجها، والتي لولاها ما كنا وصلنا إلى كل هذا التقدم الذي تشهده بلادنا، والحقيقة أنه ليس المنتزه فقط الذي تم تطويره فحسب، بل كل أرجاء المدينة، وهذا بالطبع يرجع إلى توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ضمن مبادرات سموه لتعزيز الحركة السياحية، وتوفير مرافق ترفيهية وخدمية لسكّان المنطقة وزائريها، ولا تنسَ أن الشارقة عاصمة السياحة العربية، وكلباء جزء هام من تاريخنا وسياحتنا، وعلى الزائر أن يراه في أحسن صورة له. عدنان جاسم آل علي، كان يجلس على أحد المقاهي الصغيرة المتناثرة في أرجاء المنتزه، استسلم لحالة من حالات التأمل التي أظن أنها انتابته من هذا اللون الأخضر الذي اكتست به الأشجار وسط رمال الصحراء الصفراء، لينسجا سوياً سيمفونية من الجمال هادئ الطبيعة، اقتربت منه لأقتحم تأمله، وأتحدث معه عن انطباعاته عن المكان، وبصوت هادئ تحدث قائلاً: هذا المشروع الضخم الذي يشمل محمية الحفية والمنتزه، سوف يساهم بالفعل في جذب مزيد من السياح إلى إمارة الشارقة، التي دائماً ما تطور من نفسها، تلك العظيمة التي نالت باقتدار وعن حق لقب عاصمة السياحة العربية، ومن قبله عاصمة الثقافة الإسلامية، ومدينة كلباء التي تنتمي إلى إمارتنا الشارقة، بالفعل حازت نصيب الأسد من الاهتمام، نظراً لما تتمتع به من طبيعة خلابة وهواء نقي لا مثيل له، ونحمد الله أن محمية الحفية والمنتزه الذي يطل عليها في هذا المكان تحديداً، فهما يمثلان بالنسبة لنا أيضاً، نحن قاطنو مدينة كلباء، متنفساً لأطفالنا ولعائلتنا، بالإضافة إلى أنه سيجدد من روح المنطقة، خاصة عندما نصل من خلال هذا المنتزه إلى رقي ونمو السياحة العائلية، والبيئية، والتراثية، الذي سيسهم بدوره في الوصول لرؤية سياحة الشارقة 2021، والتي كشفت عنها هيئة الإنماء التجاري والسياحي، بالوصول إلى 10 ملايين سائح بحلول عام 2021. محمود عبدالله بن أحمد، كان يتسلق المنصة التي تتوسط المنتزه من أجل أن يشاهد حيوانات المحمية من بعيد، انتظرت حتى انتهى من متعته، وسألته عن زيارته للمكان، فأجابني: مكان أسطوري، وزيارة سوف أقوم بتكرارها أسبوعياً، والحقيقة أن هذا المكان يجمع ما بين الترفيه والتعليم والتثقيف، هنا أطفالنا يلهون بالألعاب الترفيهية المختلفة، ونحن نستمتع بالجلوس وسط الطبيعة الخلابة، وأيضاً نتابع مع عائلاتنا الغزلان البديعة المنتشرة في محمية الحفية، التي نستطيع أن نطل عليها من المنصات العالية، التي نتسلقها مع أطفالنا لنشرح لهم معنى كلمة محمية، وكيف نحافظ على حيواناتنا، وما أهم خصائص كل حيوان، لذا فهي رحلة تثقيفية ترفيهية فريدة من نوعها. ختمت مرافقتي نورا جولتي قائلة: لقد سعينا من خلال تطوير منتزه الحفية، إلى ترسيخ مكانته باعتباره أحد مناطق النزهات العائلية في مشروع كلباء للسياحة البيئية، والهادف إلى الحد من التدهور البيئي من قتل الحيوانات وتدمير النباتات، والمحافظة على التنوع البيولوجي، وإعادة توطين بعض الأنواع المنقرضة، وتوفير الحماية لها، فضلاً عن تنمية قطاع السياحة البيئية في الدولة، الذي يعد واحداً من أحدث وسائل الجذب السياحي على مستوى العالم.
مشاركة :