وصف رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان، قطاع السياحة بأنه الاقتصاد الأول القوي الموفر لفرص العمل الحقيقية للمواطنين، خاصة بعد تراجع أسعار البترول وتباطؤ نمو الاقتصاد. وأشار في حوار مع "الوطن" إلى أن الهيئة بدأت من الصفر بكل ما يعنيه ذلك من مدلولات، مطالبا في الوقت نفسه بضرورة التمكين والدعم المالي للقطاع الذي يساعد على تحقيق المشروعات الطموحة. وأكد الأمير سلطان بن سلمان أن الهيئة عملت على استصدار الأنظمة والتشريعات، وحاربت من أجل توفير القروض للمستثمرين في هذه الصناعة الكبيرة التي تمثل أهمية بالغة للوطن والمواطن. وحول تأخر تنفيذ عدد من المشروعات قال: يمكنكم سؤال الجهات المختصة في الدولة، مدللا على ذلك بملفي استراحات الطرق، وتمويل المنشآت السياحية الذي لاحقته الهيئة أكثر من 10 سنوات. بين الأرض والسماء، ووسط ضجيج محركات طائرة الهيلكوبتر التي تقل عددا من قيادات المؤسسة المعنية بصناعة السياحة، استنطقت الوطن المسؤول الأول عن ملف السياحة والتراث الوطني في المملكة الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، في حوار اتسم بالشفافية والوضوح وكشف الحساب لنحو 15 عاما مضت من عمر هذه الهيئة التي يعول عليها الوطن والمواطن الشيء الكثير. إلى تفاصيل الحوار : 15 عاما مضت على إنشاء هيئة السياحة والتراث الوطني، ما الذي تحقق؟ بداية أود أن أشير بوضوح إلى أن هيئة السياحة والتراث الوطني كافحت، وهي الآن تتكلم بالأرقام وليس بالأحلام، الهيئة بدأت من الصفر بكل ما يعنيه الصفر من مدلولات، وسعيد أنني كنت الموظف رقم 1 في هذه الهيئة واليوم سعادتي أكبر أنني أعمل مع أكثر من 1500 موظف من الكفاءات الوطنية عالية التأهيل. 15 عاما من العمل المضني، والجهاد اليومي، لترسيخ مفهوم السياحة والتراث الوطني، الهيئة بدأت من الصفر وعاشت الكثير من التحديات والتقاطعات والمخاضات والعقبات والعراقيل، وكافحت لتصل إلى هذه المرحلة من الريادة، فعندما تقارن الهيئة بمؤسسات بدأت من 60 و70 عاما تكتشف الفارق الكبير. يحسب للهيئة البناء المؤسسي والمنهج الإداري ولكن المواطن يطمح أن يرى شيئا على أرض الواقع من وجهات سياحية ومنتجعات وجزر؟ الهيئة كانت جاهزة لإحداث التحول الكبير قبل سبع سنوات، وطالبنا منذ أكثر من 10 سنوات بمباشرة العمل في تطوير الجزر السياحية والوجهات السياحية المتكاملة وقدمنا مبادرات ودراسات على مستوى عال من الجودة والرؤية والمهنية، كنا نخطط أيضا لخلق المسارات السياحية المترابطة وقدمنا في ذلك رؤية متقدمة قبل 7 سنوات وكنا ننتظر فقط التمكين والدعم المالي الذي يساعد على تحقيق هذه المشاريع، وعندما تأخر إقرار هذه المشاريع لم نقف مكتوفي الأيدي ولم تتوقف الهيئة بل عملت على تهيئة مقدمي الخدمات السياحية والمرشدين، وتهيئة المواطنين ليكونوا جزءا رئيسا في هذه المشاريع الريادية، لأننا كنا على قناعة تامة أن هذه المشاريع التي قدمت قبل سبع وعشر سنوات سيأتي اليوم الذي يلتفت لها وتؤخذ على محمل الجد وتجد طريقها للتطبيق. الهيئة عملت على استصدار الأنظمة والتشريعات، وحاربت من أجل توفير القروض للمستثمرين في هذه الصناعة الكبيرة التي تمثل أهمية بالغة للوطن والمواطن، لو أخذنا الصناعات النفطية مثلا في الجبيل وينبع ما كان لهذه الصناعة أن تنهض لولا رعاية الدولة وتبنيها ودعمها المالي والإداري، اليوم السياحة في كل العالم هي اقتصاد قوي وراسخ ولو استثمرت الدولة بقوة في هذا المجال منذ سبع إلى عشر سنوات مضت كان واقعنا اليوم مختلفا تماما. لماذا تأخرت كل هذه المشاريع طالما أنكم طالبتم بها قبل سنوات؟ يمكنك سؤال الجهات المختصة في الدولة، نحن نتحدث بالواقع وبالأرقام وبالحقائق، هناك مشاريع وأنظمة وقوانين طالبت بها الهيئة من قبل 10 سنوات، ومثال على ذلك استراحات الطرق أكثر من 8 سنوات والهيئة تلاحق ملف الاستراحات بين الوزارات ومع مختلف المسؤولين حتى نجحت بعد 8 سنوات في استصدار قرار بتطويرها بالتعاون مع البلديات ووزارة النقل وغيرها من الجهات الأخرى، ملف التمويل للمنشآت السياحية أكثر من 10 سنوات ونحن نطالب به ولم يصدر إلا قبل ثمانية أشهر تقريبا. أقولها بكل وضوح لو مكنت الهيئة لتغير الكثير من الواقع الحالي، ولكن هل الهيئة لم تحقق شيئا ؟. بإمكانك العودة إلى المسؤولين في الدولة الذين أبدوا إعجابهم بنجاحات الهيئة. ولكن المواطن يريد خدمات عالية المستوى وهذا حقه؟ نعم هذا حقه، وهذا ما نؤمن به، وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- دائم التأكيد على أن المواطن السعودي يجب أن يحصل على أرقى وأفضل الخدمات، ويجب أن تقدم له الخدمة بأعلى وأفضل المعايير، وهذا واجب جميع المسؤولين في المملكة دون استثناء وسلطان بن سلمان هو واحد من هؤلاء المسؤولين. أفهم من إجابتكم أنكم جاهزون للنهوض بهذه المهام؟ الهيئة ومن قبل سبعة أعوام جاهزة لتنفيذ هذه المشاريع، وكل ما تحتاج إليه التمكين والدعم المالي الذي يساعدها على بناء وجهات سياحية فريدة ورائدة وفي مقدمتها مشروع العقير الذي سيكون وجهة سياحية فريدة على مستوى الشرق الأوسط، هذا المشروع قدمته الهيئة قبل نحو 8 سنوات ووفرت له كل أساليب الدعم والإدارة النموذجية وضخ المستثمرون أموالهم ولم يتبق سوى إعطاء إشارة البدء وهذا ما ننتظره من الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه. هل ترون أن الهيئة التي تنهض بهذه المهام أحدثت تحولا حقيقا ملموسا؟ أولا مجلس إدارة الهيئة يضم 13 وزارة ومؤسسة حكومية وبالتالي فالهيئة كمؤسسة وطنية تمثل كل مؤسسات الدولة، وتعمل مع كل هذه المؤسسات بشراكة منقطعة النظير، وتعتز كثيرا بكل دور مؤسسات الدولة في دعم الهيئة، وأود القول إن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تعمل بجهد كبير لتسهيل تنمية مستدامة وناجحة لصناعة السياحة في المملكة من خلال توفير توجه واضح لهذه الصناعة، والعمل من خلال الشراكة الوثيقة مع رواد الصناعة والشركاء لإيجاد وتهيئة مناخ تستطيع هذه الصناعة الناشئة من خلاله تحقيق درجة عالية من الاكتفاء الذاتي. وفيما يتعلق بمهمة الهيئة تجاه قطاع التراث الوطني والآثار، فإن الهيئة تثابر من أجل تعزيز قدرة قطاع الآثار والمتاحف وحماية تلك الآثار، وتسجيلها، واستكشافها، والتنقيب عنها ودراستها، وتطوير المتاحف والتراث العمراني، وزيادة المعرفة بعناصر التراث الثقافي بالمملكة، وإدارة الآثار والمتاحف بشكل فعال، وتهيئة الموارد الثقافية ليتم تطويرها وعرضها على أفراد المجتمع في إطار تعزيز السياحة الثقافية، وتحفيز استثمارات القطاع الخاص في مشاريع الآثار والمتاحف. هل ترى أن الدولة عليها أن تستثمر في السياحة؟ هذا ليس رأيي بل رأي كل العارفين والاقتصاديين والخبراء، السياحة هي الاقتصاد الأول القوي الموفر للفرص الحقيقية للمواطنين، الآن بعد تداعيات تراجع أسعار البترول وتباطؤ نمو الاقتصاد يفترض أن تمكن هيئة السياحة لتنهض بمهمتها وتنفذ مشاريعها التي قدمتها منذ سنوات طويلة ووعدت بها المواطنين. نعم نحن وعدنا المواطنين بتنفيذ مشاريع كبرى، وبناء وجهات سياحية، واستثمار الجزر، وعملنا على ذلك واستكملنا كل الأنظمة والتشريعات الممكنة التي تستطيع إحداث التغيير، ونحن الآن أكثر جاهزية للقيام بهذا الدور، وسيلمس المواطن أثر هذه الرؤية التي قدمناها قبل سنوات طويلة، أقولها بكل وضوح لا سياحة دون تطوير وجهات سياحية متكاملة الخدمات. بالأرقام مالذي قامت به الهيئة في مجال العناية بالوجهات السياحية؟ تم حتى الآن إعداد "25" خطة تطوير موزعة بين وجهات ومواقع ساحلية "10"، وجبلية "9"، وصحراوية "6". من أهمها وجهات: العقير، وفرسان، والليث والقنفدة، وسوق عكاظ، ودومة الجندل، وعروق بني معارض كمثال وليس للحصر. وتم أخيرا بدء تنفيذ مشروع لإعداد خطة تطوير وجهة الرأس الأبيض الساحلية في منطقة المدينة المنورة، هذه الخطط تنتظر فقط التمكين والدعم من الدولة، وستحدث تغييرا قويا وكبيرا، وستكون نموذجا يحتذى به. بالأرقام أيضا، ماذا بشأن استثمار الجزر السياحية؟ منذ نحو 7 سنوات عملت الهيئة على "مشروع الاستغلال الأمثل للجزر السعودية في البحر الأحمر والخليج العربي لأغراض السياحة"، حيث حددت الهيئة 75 جزيرة وفق معايير فنية مبنية على خصائصها الطبيعية وجاذبيتها للاستثمار ومساحتها وحجم الاستثمار المتوقع بها، كما تبنت مشروعا فريدا من نوعه هو تطوير جزيرة فرسان كوجهة سياحة نوعية وغير مسبوقة، وقد زرت مع فريق من الخبراء المحليين والعالميين هذه الجزيرة مرات عدة آخرها قبل عام من الآن. لتسمح لنا أن نسألك بوضوح عن سبب عدم التطوير والعناية بالمواقع السياحية في مختلف المناطق؟ الذي يتم حاليا أن المتنزهات والمواقع السياحية تنفذها وزارة الشؤون البلدية والقروية، وللأمانة هناك جهد كبير يبذل في العناية بالحدائق والمتنزهات وتطويرها بشكل يلبي رغبات المواطنين والمقيمين، الهيئة كمؤسسة حكومية تعمل بشراكة وثيقة مع وزارة البلديات وبتعاون منقطع النظير مع وزيرها المميز عبداللطيف آل الشيخ، وقد تم من قبل الهيئة مسح وتحديد الأماكن السياحية العامة في المملكة لتبقى كمتنفس ومنتزهات للمواطنين، إضافة إلى تطويرها وطرحها للاستثمار السياحي، حيث أكملت الهيئة مسح 956 موقعا في كل مناطق المملكة. كما عملت الهيئة على تنفيذ برنامج تهيئة المواقع السياحية الذي يتم من خلاله تنفيذ مرافق وخدمات لإثراء زيارة السائح وبعض المنشآت الضرورية حسب احتياج كل موقع، وقد قدمت الهيئة الدعم الفني والمالي من خلال هذا البرنامج لـ201 مشروع سياحي في مناطق المملكة كافة، ففي مجال الأسلوب الأول تحفيز الشريك تم إعداد المخططات التصميمية "80" موقعا، وفي مجال الأسلوب الثاني "منهجية 20%-80%" تم تنفيذ مشاريع إنشائية صغيرة الحجم لتهيئة "100" موقع، وفي مجال الأسلوب الثالث "تحفيز الاستثمار" تم تنفيذ وتهيئة عدد "21" موقعا. لننتقل للحديث إلى صلب مهمة مرافقتنا لكم اليوم، استكشاف الكثير من مواقع التراث، أسألكم لماذا التراث الوطني؟ أولا اهتمام هيئة السياحة والتراث الوطني بهذه القضية نابع من اهتمام قائدنا خادم الحرمين الشريفين أطال الله في عمره الذي يؤمن بأهمية التراث الوطني كملهم ومحفز لجيل اليوم ليتعرفوا على نشأة وطنهم ويعرفوا نهضته وحضارته، فخادم الحرمين الشريفين هو موسوعة تاريخية وهو ذاكرة وطن. ثانيا التراث الوطني الذي كان يعتبر خطأ من مخلفات الماضي وعنوان التخلف أصبح في قمة اهتمام الدولة والمواطنين، وما نشاهده اليوم من اهتمام بالتراث ما كان ليحدث لولا توفيق "الله تعالى" ثم الدعم المتواصل من قائد هذه الدولة الملك سلمان "حفظه الله" وتكاتف مؤسساتها ومواطنيها. نحن واثقون بأن الأمة التي لا تحافظ على تاريخها وتراثها الحضاري لا يمكن أن يكون لها مستقبل واعد، ولقد تطور اهتمامنا بالتراث، كونه الخيمة التي تظلنا والرابط الذي يجمعنا ويؤكد هويتنا الوطنية ولأنه باب خير اقتصادي مهم ومؤثر يمكن أن يسهم كما يسهم في الدول المتحضرة والمتطورة اقتصاديا في تحقيق التنمية المحلية المتوازنة على المستوى الوطني، ويمكن أن يحقق فرصة غير ناضبة من العمل والإنتاج والإبداع للشباب والأسر. هل حدث التحول الذي يجعلكم متفائلون بأن تراثنا الوطني انتقل من الاندثار إلى الازدهار؟ هناك انتفاضة قوية من أبناء الوطن للمحافظة على تراثهم، كنا في السابق نبذل جهدا لوقف أعمال الإزالات للتراث الوطني، أما اليوم فنحن نتابع باهتمام وإعجاب شديد مشاريع يقوم بها أبناء الوطن لاستنهاض تراثهم وترميم قصورهم ومبانيهم مناطق المملكة من أقصاها إلى أقصاها تقدم مبادرات تثبت أن التراث الوطني الذي يحظى برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري ومن خلال ما أصدرته الدولة من أنظمة وقرارات وتأسيس شركات تراثية، قد انطلق إلى مرحلة جديدة عنوانها اقتصاد التراث.في جانب المستكشفات لدينا اليوم عشرات الفرق العالمية التي تنقب عن الآثار في المملكة بالشراكة الوثيقة مع فرق بحث سعودية وجامعات سعودية، ولدينا مستكشفات كبيرة ومهمة تثبت أن بلدنا ولله الحمد بلد حضارة، وأننا لسنا حديثي عهد بالنعمة، وأن حضارتنا لم يصنعها البترول كما يزعم البعض بل أن الجزيرة العربية كانت ملتقى للحضارات وممرا لقوافل التجارة العالمية.
مشاركة :