التسول.. أبرز مصادر دخل الإرهابيين

  • 11/15/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها السلطات المختصة للتصدي لظاهرة التسول؛ والقضاء على العصابات المنظمة التي امتهنت استغلال العاطفة ونزعة الخير المتأصلة في نفوس غالبية أبناء هذه البلاد، إلا أنه يلاحظ أن الظاهرة تعود مرة أخرى لتطل برأسها - وفي وضح النهار، وعلى مرأى ومسمع من الجميع- حيث ينتشر المتسولون عند إشارات المرور وأمام المستشفيات وداخل الأسواق، في مشهد غير حضاري، يستوجب تدخلاً مباشراً وأكثر صرامة. ولست هنا في مقام الداعي لحجب عمل الخير، أو منع المعروف بين الناس –حاشا لله– لكنها دعوة لوقف محاولات الاستغلال التي يمارسها كثير من عديمي الضمير وفاقدي المروءة، الذين يستخدمون أولئك البؤساء ويقومون بجلبهم إلى أماكن تسولهم ومراقبتهم؛ ومن ثم الاستيلاء على ما بحوزتهم من أموال جمعوها بعد الوقوف لساعات طويلة وسط الشوارع. ونعلم جميعاً أن معظم هؤلاء الذين يستدرون عطف المارة وقائدي السيارات؛ ويحاولون التأثير عليهم بقصصٍ مكررة ومظهر بائس؛ هم محترفون يستغلون عواطف العامة، وهو ما أكدته كثير من الأجهزة المختصة، وأثبتته محاضر الجهات الأمنية بعد التحقيق مع عدد ممن تم توقيفهم، حيث أفادوا في اعترافاتهم بأن هناك من يجلبهم من بعض دول الجوار عن طريق التهريب، ويوفر لهم المأوى والمأكل نظير العمل في مهنة التسول بمقابل شهري معلوم ومتفق عليه، وهو ما يؤكد أننا أمام عمل إجرامي تمارسه عصابات منظمة، تستوجب منَّا التمييز بين المتسول والمحتاج، فمعظم المحتاجين حقيقةً يتعففون من استجداء الناس في الشوارع. ولأننا أمة تزداد فيها روح الخير؛ وتحرص قيادتها وأفرادها على مد يد العون للمحتاجين ومساعدتهم وتخفيف معاناتهم، فقد ابتكرت الدولة العديد من المنافذ الخيرية التي يمكن للراغبين التعامل معها، وفي هذا الصدد تبرز منصة إحسان الخيرية التي تم تدشينها خلال السنوات الماضية لتقنين العمل الخيري والإنساني، وترسيخ مفاهيم التكافل والتضامن وغيرها من القيم الإنسانية الكريمة، وذلك لضمان وصول الدعم إلى المستحقين بمنتهى اليسر والسهولة. ربما لا يتعامل البعض مع هذا الأمر بجدية، ويتصور أن الأموال التي يدفعها لمن يتظاهرون بالبؤس والفقر هي شأن شخصي يعنيهم دون غيرهم، وهذا اعتقاد خاطئ بدون شك لاعتبارات كثيرة؛ في مقدمتها أن هذه العصابات المنظمة التي تجنِّد البؤساء للتسول؛ هي أحد مصادر الدخل التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية في تمويل عملياتها الآثمة. ولمن لا يدري أقول: إن تحقيقات الأجهزة الأمنية المختصة تكشف بوضوح أن نسبة كبيرة من العمليات الإرهابية التي وقعت في العديد من الدول، ومن بينها المملكة، تم تمويلها بأموال نتجت عن عمليات تسول بذريعة القيام بأعمال خيرية، وأموال حصلت عليها شخصيات مشبوهة؛ بزعم تبني الأيتام ومساعدة الأرامل، لكنها تسربت للخارج ووصلت إلى مجاميع إرهابية استخدمتها في عمليات تدمير وتفجير وقتل للأبرياء. وبعد الحملات المنتظمة التي استهدفت أماكن انتشار المتسولين، لجأت تلك العصابات إلى ما بات يُعرف باسم «التسول الإلكتروني»، حيث بدأت تنتشر في الفترة الأخيرة رسائل عبر وسائط التواصل الاجتماعي أو العناوين البريدية لاستدرار العطف والشفقة. ورغم ما يحيط بهذه الرسائل من شبهات، إلا أن البعض ينخدع بها للأسف ويقع في فخها، ويبادر إلى التفاعل مع هؤلاء المتسولين الأشباح، ويقوم بتحويل الأموال إليهم، دون الانتباه إلى أنهم بهذا الفعل يُعرِّضون أنفسهم للمساءلة القانونية، لأنهم يُسهمون -بسبب قلة وعيهم أو عدم تجاوبهم مع المناشدات الرسمية- في مساعدة من يأخذون أموالنا ويوجهونها لتدمير بلادنا. وأختم بالقول: إن يقدم المال -وإن كان بسيطاً- لأشخاص تقتصر معرفته بهم على العالم الافتراضي؛ هو شخص مهمل لن نتعاطف معه إن تذرَّع بحسن النية، فهو ليس كافياً لتبرير الخطأ. وكثير من الكوارث والمآسي حدثت بسببه، ولسنا على استعداد لتحمل المزيد من الخسائر والأضرار نتيجة للتفريط والإهمال، فأبواب الخير مفتوحة أمام الجميع وفق قنوات نظامية معلومة.

مشاركة :