غضب في الإمارات من ضغوط أميركية لتصنيفها "معنا" أو "ضدنا" أبوظبي حريصة على عدم الانجرار إلى مربع التوتر الأميركي – السعودي. لن نضحي بسيادتنا لأحد أبوظبي- عكست تصريحات مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون الدبلوماسية أنور قرقاش غضبا إماراتيا من إصرار الولايات المتحدة على تصنيفها “معها” إذا اتخذت قرارات تدعم مصالحها و”ضدها” إذا فكرت أبوظبي في مصلحتها كما حصل عندما قرر تحالف أوبك+ خفض إنتاج النفط. وقال أنور قرقاش الاثنين إن “لا مصلحة” لبلاده في “الاختيار” بين القوى العظمى في ظل حملة تشنها وسائل إعلام أميركية تسعى لتحميل الإمارات مسؤولية قرار أوبك+ خفض إنتاج النفط وعدم الاصطفاف إلى جانب واشنطن وتنفيذ رغبتها في زيادة الإمدادات للمساعدة على خفض الأسعار. وأضاف قرقاش لخبراء ومحللين في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي لمناظرات أبوظبي الإستراتيجية الذي ينظّمه مركز الإمارات للسياسات “لن نضحّي تحت أي ظرف من الظروف بسيادتنا لأحد”. ويرى متابعون للشأن الخليجي أن تصريحات قرقاش تظهر أن الإمارات غاضبة من سياسة إدارة جو بايدن التي تريد أن تدفعها إلى مربع الاختيار بين أن تكون في صفها أو أنها ستصنف في خانة خصومها، وهو أمر قد حسمه الإماراتيون حين قرروا إنشاء علاقات خارجية مع جميع الدول الكبرى على قاعدة الندية ووفق قاعدة المصالح الإماراتية أوّلًا. ما الذي يجعل واشنطن تترصّد تحركات حليف إستراتيجي إنْ لم تكن الغاية من ذلك العثور على ثغرة أو زلة؟ وزاد تمسك الإمارات وبقية دول الخليج بمسار تنويع الشركاء الخارجيين بعد أن أبدت إدارة بايدن عدم اكتراثها بأمن الخليج ومصالحه حين لوحت في بداية استلامها للحكم بنقل المنظومات الدفاعية الأميركية من الخليج إلى جنوب شرق آسيا دون حوار مع شركائها ولا تفكير في أمنهم القومي، ثم جاءت لامبالاتها تجاه الهجمات الحوثية ضد مواقع في الإمارات وقبلها في السعودية لتظهر للخليجيين أن واشنطن تفكر في مصالحها ولا تتعامل بقاعدة دعم الحلفاء في حال استهداف أمنهم. ورفع تقرير نشرته “واشنطن بوست” السبت، ويكشف عن قيام الاستخبارات الأميركية بتحقيق سري لتتبع أنشطة دبلوماسيين إماراتيين وحضورهم في الساحة السياسية الأميركية والدفع بالتقرير نحو اتهام أبوظبي بـ”التلاعب بالنظام السياسي الأميركي”، حدة التوتر بين الإمارات والولايات المتحدة. ويدفع هذا التقرير الاستخباري المتابعين إلى التساؤل: ما الذي يجعل واشنطن تترصّد تحركات حليف إستراتيجي إنْ لم تكن الغاية من ذلك العثور على ثغرة أو زلة؟ ما يؤشر على وجود سوء نية مبيّتة ومحاولة توظيف نتائج التقرير في عملية ضغط سياسي أكثر منه في البحث عن الحقيقة. ويقول المتابعون إن تصريحات قرقاش ترسل إشارة واضحة إلى إدارة بايدن مفادها أن الإمارات حريصة على ألا تدخل مربع العلاقة الأميركية – السعودية بمشاكلها وتعقيداتها، وأنها تريد علاقات قائمة على الوضوح وبعيدة عن أنشطة اللوبيات النافذة في واشنطن. وقال قرقاش الذي شغل في السابق منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية “نرحّب بالمشاركة البناءة للقوى العالمية الأخرى في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”. وتابع أن بلاده “لا تعتمد على دولة أو دولتين فقط من أجل ازدهارنا الاقتصادي وأمننا. تتجه العلاقات التجارية بشكل متزايد إلى الشرق، بينما تتجه علاقاتنا الأمنية والاستثمارية الأساسية إلى الغرب”، مضيفا “هذا الوضع قد يتطور بمرور الوقت”. ومؤخّرا أثارت منظمة أوبك المكونة من 13 دولة، والتي تعتبر الإمارات عضوا رئيسيّا فيها، وحلفاؤها العشرة برئاسة روسيا غضب واشنطن بخفض إنتاج النفط بمقدار مليونيْ برميل يوميا بعدما كانت إدارة جو بايدن تأمل في زيادة الإنتاج وانخفاض الأسعار. واتهمت واشنطن الدول المنتجة للنفط بمنح موسكو شريان حياة اقتصاديّا. لكن الإمارات التي شهدت علاقاتها السياسية والاقتصادية مع موسكو نموّا، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى خنق الاقتصاد الروسي، أصرّت على أن خفض الإنتاج لم يكن ذا دوافع سياسية ضد الولايات المتحدة. تصريحات قرقاش تظهر أن الإمارات غاضبة من سياسة إدارة جو بايدن التي تريد أن تدفعها إلى مربع الاختيار بين أن تكون في صفها أو أنها ستصنف في خانة خصومها وتطمح الإمارات، التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات أمنية واقتصادية وعسكرية مهمة، إلى لعب دور سياسي أكبر على الساحتين الإقليمية والدولية، عبر تحقيق التوازن في مواقفها الخارجية، ودون الإضرار بروابطها المتنامية مع خصوم واشنطن وعلى رأسهم موسكو. وعكس قرقاش الهجوم بأن ألمح إلى تقصير الولايات المتحدة في الإيفاء بتعهداتها تجاه بلاده بالرغم من متانة العلاقات الثنائية. وقال قرقاش إن “العلاقة الأمنية الإستراتيجية الأساسية لأبوظبي تظلّ بشكل لا لبس فيه مع الولايات المتحدة”، لكنه دعا إلى التزامات أوضح من الجانب الأميركي. وأضاف ”هذه الشراكة بين دولتين ذواتيْ سيادة (…) يمكننا الاستمرار في تقديرها بشكل كبير، ومع ذلك فمن الضروري أن نجد طريقة لضمان أنه يمكننا الاعتماد على هذه العلاقة لعقود قادمة (…) من خلال التزامات واضحة”. ومنذ عام 2012 كانت الإمارات “ثالث أكبر مشتر للأسلحة الأميركية”، وبنت ما يعتبره الكثيرون أقوى جيش في العالم العربي من خلال تنمية علاقات وثيقة مع المؤسسة السياسية والدفاعية والعسكرية الأميركية، وفقا لـ”معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”. وسبق أن أكد سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة أن “الإمارات منفتحة على الانخراط في أنشطة دفاعية مع جميع الشركات والدول”، وذلك في سياق الجدل حول اعتزام واشنطن نقل منظومات الدفاع إلى جنوب شرق آسيا، موضحا أن بلاده “ستطور صناعة دفاع أساسية، حيث إنها تريد أن تكون أكثر اكتفاء ذاتيا”.
مشاركة :