طرابلس - نفت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا ما ذهب إليه رئيس مؤسسة النفط فرحات بن قدارة، من دراسة فكرة مشروع إنجاز أنبوبي غاز نحو كل من اليونان ومصر وهو ما احدث نقاشا وجدلا في أكثر من عاصمة متوسطية وعالمية، خاصة وأنه جاء بعد توقيع حكومة الوحدة مع تركيا اتفاقية تعاون في مجال النفط والغاز. وعارضت كل من اليونان ومصر الاتفاقية التركية الليبية لتكثيف التنقيب عن النفط والغاز، والتي تم توقيعها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ضمن روح مذكرة التفاهم بين البلدين حول ترسيم الحدود البحرية الموقعة في 2019. ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وعلى هامش مؤتمر أبوظبي الدولي للنفط "أديبك"، صرح بن قدارة، لقناة "سي ان بي سي" عربية، بأنه "جاري دراسة فكرة مشروع خط أنابيب للربط مع اليونان، وخط آخر لمدينة دمياط المصرية (شمال) وذلك بجانب الخط الراهن الذي يربط ليبيا بإيطاليا". واحتفت الصحافة اليونانية بهذا التصريح، واعتبرته "ضربة قوية لتركيا"، خاصة وأنه لقي تزكية من الولايات المتحدة، رغم أن أثينا والقاهرة لم تعلقا عليه رسميا. حيث نقلت صحيفة "غريك سيتي تايمز" اليونانية، عن متحدث وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، قوله إن واشنطن "منفتحة على إمكانية ربط الطاقة بين اليونان وليبيا". وأشار المتحدث الأميركي، إلى أن بلاده تواصل "دعم المشاريع التي تعزز ربط الطاقة بين شرق البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا مع أوروبا". والمفارقة في هذا الملف، أن بن قدارة، يتبع رسميا لحكومة الوحدة الوطنية، وتصريحاته بشأن دراسة إنجاز أنبوبين للغاز نحو اليونان ومصر، لا تتوافق مع روح الاتفاقية التي وقعتها حكومته مؤخرا مع تركيا. ويرى مراقبون أن بن قدارة، الذي عينه عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة، في يوليو/تموز الماضي، على رأس مؤسسة النفط خلفا لمصطفى صنع الله، يعمل عكس التيار الذي تسير عليه حكومته في طرابلس. ويعتبر بن قدارة، محسوب على معسكر المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وحليفه السياسي عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق، وتولى قبل سقوط نظام معمر القذافي، منصب محافظ البنك المركزي. وجاء تعيين بن قدارة، بعد أزمة غلق أنصار حفتر الحقول والموانئ النفطية، والتي فتحت بمجرد تنصيبه على رأس مؤسسة النفط، وهو ما اعتبره متابعون صفقة بين الدبيبة وحفتر، أنهت إغلاق المنشآت النفطية. وزارة النفط تضبط المسار ولم تنتظر حكومة الوحدة طويلا لتوضيح اللبس الذي أحدثته تصريحات بن قدارة، وجاء الرد على لسان وزارة النفط التي تتبع لها مؤسسة النفط من الناحية الرسمية. حيث أصدر وزير النفط في حكومة الوحدة محمد عون، بيانا تداولته وسائل الإعلام المحلية في 9 نوفمبر، فند فيه إمكانية إنجاز خط أنابيب لنقل الغاز نحو اليونان. وأوضح الوزير الليبي أنه "لا جدوى (اقتصادية) من إنشاء خط الغاز من ليبيا إلى اليونان، لأنه تمّ إنشاء خط مليته (غرب ليبيا) - صقلية (جزيرة إيطالية) وبدأ العمل به في سبتمبر/أيلول 2004، والشبكة الأوروبية (للغاز) تعتبر شبكة واحدة وتشمل اليونان أيضا". وبذلك يكون عون، قضى على آمال اليونان في أن تكون مركزا لتوزيع الغاز في أوروبا بدلا من تركيا. فإيطاليا، التي تعتبر أكبر مستثمر في قطاع الغاز الليبي بفضل شركتها "إيني"، لا يمكنها أن توافق على أن تنافسها اليونان في نقل وتوزيع الغاز الليبي بأوروبا. فضلا عن أن الغاز الليبي المنتج في المنطقة الشرقية متواضع ويوجه كله إلى الاستهلاك المحلي، أما الغاز المنتج من حقل الوفاء (جنوب غرب) ومن الحقول البحرية قبالة السواحل الغربية، فيُصدر جزء منه نحو إيطاليا عبر أنبوب "السيل الأخضر"، ويستهلك الباقي محليا. فرغم امتلاك ليبيا احتياطات ضخمة من الغاز تصل إلى 80 تريليون قدم مكعبة، بحسب ما أعلنه بن قدارة مؤخرا، فإن إنتاجها حاليا متواضع ويستهلك معظمه محليا، باستثناء كميات محدودة تصدر إلى الخارج، لكنها تخطط لاستثمار مليارات الدولارات مع شركائها الأجانب لزيادة إنتاج الغاز. وفيما يتعلق بخط غاز ليبيا دمياط، فيوضح عون، أنه كان هناك مشروع لإنشاء مصنع لتسييل الغاز في المدينة المصرية الواقعة بدلتا النيل، والمطلة على البحر الأبيض المتوسط. وأشار إلى أن مشروع معمل تسييل الغاز بدمياط، "بدأ بتوقيع مذكرة تفاهم بين المؤسسة الليبية للنفط وشركة إيني الإيطالية، في أكتوبر 2007"، في عهد القذافي. واستدرك الوزير الليبي بالقول أنه "تم تعديل هذه المذكرة في يونيو/ حزيران 2008، ونصّت كل من المذكرتين على إجراء دراسة هندسية مبدئية لإنشاء معمل لتسييل الغاز، ودفع منحة توقيع قيمتها 500 مليون دولار عند الاتفاق على هذا المشروع". ولم يوضح عون، لماذا تأخر إنجاز مصنع تسييل الغاز الليبي في مصر طوال 15 عاما، وما إذا تم الاستغناء عنه، خاصة وأنه يتطلب بالضرورة إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز من شرق ليبيا إلى دمياط، قبل إعادة تسييله ونقله في سفن خاصة إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية. ولا تصدر ليبيا الغاز مسالا لنقص الإنتاج وعدم امتلاكها بنية تحتية كافية تؤهلها لتسييل الغاز وتصديره عبر موانئ وسفن خاصة. من جانبها، تسعى مصر لتكون هي الأخرى مركزا لتوزيع الغاز في شرق المتوسط، من خلال سعيها لإعادة تصدير الغاز الإسرائيلي والليبي، بفضل امتلاكها مصنعين لتسييل الغاز، وموقعها الاستراتيجي على البحرين الأحمر والمتوسط وامتلاكها لقناة السويس، التي تربط البحرين، وتمثل قناة وصل بين الأسواق الأوروبية والآسيوية. غير أن عدم اعتراف مصر بحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، من شأنه إعاقة إنجاز مثل هذه المشاريع الاستراتيجية، التي تحتاج إلى توافق سياسي لتجسيدها. ليبيا عملاق إفريقيا الطاقوي؟ وسلطت أزمة الطاقة العالمية الحالية، الضوء على احتياطات الغاز الليبية الهامة، حيث تحتل البلاد المرتبة الخامسة إفريقيا من حيث الاحتياطات المؤكدة. ففي 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال رئيس مؤسسة النفط الليبية، من أبوظبي، إنه جرى الاتفاق مع شركتي "إيني" الإيطالية و"بي بي" البريطانية، على بدء استخراج الغاز الطبيعي من حقل غاز في البحر المتوسط "يُعتقد أنه أكبر من حقل ظهر الضخم في مصر"، والذي تبلغ احتياطاته 30 تريليون قدم مكعبة. وتحدث بن قدارة، عن استثمار "إيني" وحدها 8 مليارات دولار في هذا الحقل الضخم، الذي لم يذكر اسمه، ما من شأنه تحويل ليبيا إلى واحدة من أكبر مصدري الغاز في إفريقيا إلى جانب الجزائر ومصر ونيجيريا. ويأتي حديث بن قدارة عن إنشاء خطين للغاز مع اليونان ومصر، بعد منح حكومة الوحدة الليبية، في يونيو الماضي، الإذن لوزارة النفط لإجراء دراسات جدوى لإنشاء مشروع أنبوب غاز من نيجيريا. ويعكس ذلك رغبة ليبية في التحول إلى مركز لتصدير وتوزيع الغاز، رغم صعوبة تحقيق هذا الهدف لأسباب كثيرة أهمها أمنية وسياسية، إلا أنها تملك مميزات عديدة تجعلها مؤهلة للعب دور فاعل في سوق الطاقة العالمي، أبرزها قربها من السوق الأوروبية. أما على صعيد النفط، فالمهمة تبدو أسهل، حيث تخطط ليبيا، بحسب بن قدارة، لرفع إنتاجها من 1.2 مليون برميل يوميا إلى 3 ملايين، خلال العامين أو الثلاثة المقبلة، لكن ذلك يتطلب منها استثمار 4 مليارات دولار سنويا فقط للحفاظ على إنتاجها الحالي. وتنتج ليبيا نحو 12 مليار متر مكعب سنويا، تصدر منها حوالي 5 مليارات، لكن كمية الإنتاج والتصدير غير ثابتة بسبب الاضطراب الأمني والسياسي في البلاد. وإذا تمكنت ليبيا من الوصول إلى معدل 3 ملايين برميل يوميا فستتحول إلى أكبر منتج للنفط في إفريقيا، متفوقة على نيجيريا، التي لم يتجاوز إنتاجها في أحسن الأحوال مليوني برميل يوميا، لكنه حاليا دون ذلك بكثير بسبب عمليات سرقة النفط التي تتم على نطاق واسع بدلتا النيجر. فمستقبل النفط والغاز في ليبيا واعد، خاصة بعد أن تمكنت من اجتذاب استثمارات هامة لشركات أجنبية عالمية، إلا أن الانقسام السياسي الداخلي، والتنافس الدولي على مصادر الطاقة من شأنهما تحجيم الطموحات الليبية.
مشاركة :