يعدّ مسجد الغمامة أحد المعالم التاريخية التي يحرص زوار المدينة المنورة على زيارتها والصلاة فيه، ويقع المسجد الذي بناه الخليفة عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- في الموضع الذي صلّى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بعد 500 متر جنوب غرب المسجد النبوي. ويعود البناء الحالي للمسجد إلى القرن الثالث عشر الهجري، وحظي بتوسعة واهتمام في عصرنا الحاضر حيث تم تأهيله ضمن مشروع المناخ الحضري بالمدينة المنورة، ويعدّ ضمن 8 معالم تاريخية وأثرية إسلامية دشّنها مؤخرًا، الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، بعد اكتمال أعمال تطويرها، وإعادة تأهيلها لاستقبال المصلين والزائرين ضمن جهود تقوم بها عدة جهات معنية للعناية بالمعالم الدينية والتاريخية. وتبلغ مساحة مسجد الغمامة 569 مترًا مربعًا، ويتّسع لـ 474 مصليًا، ويتميّز بستّ قبابٍ تعلو سقفه، تشمل قبة المحراب التي شيّدت فوق مدخل المسجد في الجهة الشمالية، وتحيط بها 5 قباب أخرى، وتبلغ المساحة الداخلية للمسجد ثلاثين مترًا مربعًا، وبعرض خمسة عشر مترًا، ويوجد في جدار الصالة الشرقيّ للمسجد نافذتان مستطيلتان، تعلو كل واحدة نافذتان صغيرتان فوقهما نافذة ثالثة مستديرة، ومثل ذلك في جدار الصالة الغربي، ويتشكّل بناء المسجد من الخارج من الحجار البازلتية السوداء التي تتميّز بها المدينة المنورة، وله باب خشبي مزخرف، فيما طليت قباب المسجد وجدرانه الداخلية وتجاويف القباب باللون "البياض"، وظلّلت الأكتاف والعقود باللون الأسود، ما أعطى المسجد منظرًا جميلًا متناسقًا. ويشهد توافد عدد من الزائرين باعتبار موقعه القريب من المسجد النبوي، إذ يستوقف المسجد كثيرًا من الزائرين لمشاهدة ما يحويه من موروث تاريخي قديم، حرصت الأعمال التطويرية على المحافظة على طرازه القديم، ومعالمه الأثرية، فقد تم ترتيب الساحة المحيطة بالمسجد، ورصفها وتهيئتها للمشاة للاطلاع على المكان بوصفه أحد المعالم التي ارتبطت بسيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كان آخر المواضع التي صلّى فيها -عليه الصلاة والسلام- صلاة العيد، وسميّ بـ"الغمامة" لما يقال من أن غمامة حجبت الشمس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند صلاته، كما صلّى فيه صلاة الغائب على النجاشي -رحمه الله-، وتذكر الروايات التاريخية أن الخليفة الراشد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- صلّى صلاة العيدين والاستسقاء فيه. وتعدّ أعمال التطوير والتأهيل التي شهدها المسجد والمعالم الدينية والأثرية مرحلة تشمل معالم أخرى في المدينة المنورة تم توقيع اتفاقية لإعادة تأهيلها خلال الفترة المقبلة، تشمل سقيفة بني ساعدة، وموقع الخندق، وبئر الفقير، وبئر عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- وميدان سيد الشهداء، بهدف إثراء تجربة الزائرين، وتعزيز جودة حياة السكان والزائرين ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030 وتجسّد جانبًا من جهود العناية بمواقع التاريخية الإسلامية من خلال برامج التطوير والتأهيل التي ترتكز على أعلى المعايير الفنية، لتكون تلك المواقع مهيأة وجاهزة لتقديم تجربة ثقافية ثرية ترسم واقعًا، من ملامح الثقافة السعودية الأصيلة.
مشاركة :