الرشوة.. تعطيل لمصالح المواطن وهدم لمكتسبات الدولة

  • 1/17/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعد الرشوة آفة مجتمعية قديمة مستجدة لا يكاد يخلو أي مجتمع من المجتمعات من آثارها، وتشكل خطورة على الفرد والمجتمع والدولة، وتتسبب في حدوث معاناة على كافة المستويات الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، بل يتعدى أثرها إلى المستوى السياسي أيضا. ويؤدي انتشار الرشوة الى ضعف ثقة الأفراد والإخلال بالمساواة بين المواطنين وإثارة الأحقاد والضغائن والتباغض بينهم، ورواج الكيد والغش وكثرة السماسرة المتاجرين بحقوق الناس، حتى يغدو المجتمع غابة يكون البقاء فيها للقادرين على الدفع، ولا يقتصر أثر الرشوة على الناحيتين الاجتماعية والأخلاقية، بل يمتد ليشمل الصعيد السياسي والاقتصادي للدولة، صفحة الأمن من خلال التحقيق التالي تسلط الضوء على الرشوة وأثرها على الفرد والمجتمع، والتعرف على الوسائل التي تسهم في التحصين ضد هذه الآفة الخطيرة. استغلال أشار العقيد بسام محمد المعراج المدير العام للإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني إلى أن الرشوة تعتبر من أكثر الجرائم شيوعاً على المستوى العالمي، وهي من أبرز أشكال الفساد الإداري، ويتجلى ذلك في تعامل وسلوك بعض الموظفين مع العامة حين يقوم هذا الموظف باستغلال سلطته من أجل مصلحته الشخصية والكسب غير المشروع من الوظيفة. وعلى الجانب الآخر، نجد هناك من يقوم بتقديم رشا ذات قيمة مادية أو عينية للموظف بقصد الحصول على حقوق ومزايا باطلة، أو لإبطال واجبات والحصول على مزايا غير مشروعة، أو لدفع ضرر أو خطر متوقع أو محتمل. وأضاف ان المشرع البحريني حدد في الباب الثاني المتعلق بالجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة في قانون العقوبات البحريني الصادر بالمرسوم رقم (15) لسنة 1976م، المواد القانونية المتعلقة بجريمة الرشوة والعقوبات المترتبة عليها، كما جرَّم المشرع البحريني جريمة الرشوة في القطاع الخاص بموجب القانون رقم (1) لسنة 2013م. وأوضح ان عدد القضايا المتعلقة بجرائم الرشوة والتي باشرتها إدارة مكافحة جرائم الفساد العام الماضي (9) قضايا رشوة. وأكد أن الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني أولت الأهمية في توعية المجتمع بخطورة الفساد بشكل عام من خلال الحملات الوطنية لمكافحة الفساد، إيماناً منها بأهمية دعم التدابير الوقائية التي من شأنها العمل على تعزيز النزاهة وقيم الشفافية في المجتمع، وبالتالي التطلع إلى إقناع الجمهور المستهدف من الموظفين في القطاعين العام والخاص والمواطنين بشكل عام بالتخلي عن السلوك والتصرفات المرتبطة بظاهرة الفساد مستندة في تأثيرها بالدرجة الأولى على مصلحة الوطن والولاء إلى الوطن والمواطنة الصالحة، والفضائل الإنسانية والثواب والعقاب. لافتاً الى انه تم التركيز على البعد الأخلاقي في الحد من الفساد في القطاعين العام والخاص، ودعم دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد من خلال الحملات الوطنية وما يصاحبها من برامج توعوية بهذه الآفة ومخاطرها وتكاليفها الباهظة على مقدرات الوطن والمواطن. هذا على المستوى العام، أما على المستوى الخاص بجريمة الرشوة، فإنه تم التركيز على توجيه رسائل مباشرة وغير مباشرة للموظفين في القطاعين العام والخاص، على سبيل التوعية بتجنب الوقوع في براثن جريمة الرشوة، فضلاً عن توعية المواطنين من عدم المساهمة في تفاقم هذه الجريمة في المجتمع من خلال عدم تقديم مقابل للحصول على حق قد كفلته الدولة، والتشجيع على الإبلاغ عن أي اشتباه بممارسات خارج القانون عبر الخط الوطني الساخن لمكافحة الفساد (نزاهة 992). وذكر بان أي ظاهرة جرمية لابد لها من انعكاس لآثارها السلبية أما على المستوى العام أو الخاص إذ أن هذه الآثار تكبر دائرة شموليتها كلما فشت في الانتشار، فالرشوة تبدأ آثارها وانعكاساتها السلبية على المستوى فرد ثم تتفاقم إلى أن تصل إلى هدم مكتسبات الدولة وأركانها فهي تفقد المصداقية في عمل مؤسسات الدولة وتضيع حقوق الناس كافة التي كفلتها كل القوانين وعلى رأسها الدستور، فينقلب بذلك حال الوظائف لتصبح المعاملة أو الخدمات المقدمة سلعة يتاجر بها الموظف ويجني بها أرباحاً آثمة بانتهاكه للثوابت والقيم والأعراف والقوانين وأن أبرز ما يستشعره المجتمع من ضياع المؤسسات سواء الخاصة منها أو العامة: فقدان المساواة، وضياعها في أداء المعاملات، تدني وغياب المصداقية في أي مؤسسة تنتشر فيها هذه الآفة، ضياع حقوق الناس ومصالحهم، تدني مستوى أداء الوظائف، تدهور الأداء المؤسسي. واضاف أن آثار الفساد على الفرد والمجتمع متعددة الأبعاد، حيث ان الفساد بشكل عام يقوم على: خفض معدلات النمو الاقتصادي وتباطوء مسيرة التنمية مما يؤثر بشكل مباشر على الفرد والمجتمع، يتسبب الفساد في رفع تكاليف الاستثمار وخفض مستوياته وبالتالي القصور في تغطية الخدمات الحكومية والخاصة، تراجع معدلات النمو الوظيفي وازدياد معدلات البطالة، وبالتالي انخفاض الإنتاجية، زيادة معدلات الفقر ورفع تكاليف المعيشة، تراجع مستويات العدالة الاجتماعية والمساواة بين الأفراد ما يهدد السلم الاجتماعي، يحد من المنافسة الشريفة، تراجع الثقة بالمؤسسات الحكومية وقدرتها على تنفيذ برامجها بأمانة وإخلاص. تدمير الأخلاقيات من جانبه، أوضح الدكتور محمد المقداد أستاذ علم النفس بجامعة البحرين بأن للرشوة وهي (ما يعطى لإبطال حق، أو إحقاق باطل) تأثير بالغ على كل من الفرد والمجتمع، فالفرد سواء كان الراشي أو المرتشي أو من يجمع بينهما يتأثرون سلباً بالرشوة، هذه الرشوة التي يؤدي انتشارها إلى الكثير من المشاكل، ومنها: الإخلال بالمساواة بين المواطنين، إثارة الأحقاد والضغائن والتباغض بين أطرافها، رواج الكيد والغش وكثرة السماسرة المتاجرين بحقوق الناس، مشيراً الى ان الرشوة إذا انتشرت في أي مجتمع، فسيغدو غابة يكون البقاء فيها للقادرين على دفعها (أي الرشوة)، أما من لا يستطيع، فسيصبح لقمة سائغة للأقوياء، كما سيكون (المجتمع) مآله آجلاً أو عاجلاً الدمار والخراب. وأضاف أن الأصل في نمو رؤوس أموال الأفراد أن يكون بالطرق المشروعة، لكن إذا عمت الرشوة فإن رؤوس الأموال تنمو بطرق غير مشروعة، وسينقسم المجتمع إلى طبقتين طبقة المرتشين الأغنياء، وطبقة الراشين الفقراء، ولا شك في أن مثل هذه الممارسات تؤدي إلى انعدام ثقة الأفراد بعضهم البعض وفي الدولة أيضا التي لا تتدخل لوقف هذه الممارسات السلبية. وشدد على ان تفشي ظاهرة الرشوة في أي مجتمع من المجتمعات مؤذن بالقضاء على قيم المجتمع النبيلة، وإحلال محلها قيم الرذيلة والفساد (فقدان الثقة، اللا مبالاة، والتسيب، وعدم الولاء والانتماء، والإحباط في العمل)، ومؤذن كذلك بتدمير أخلاقيات المجتمع، لافتاً الى أنه لا فرق بين الوظيفة العامة والخاصة، فكلاهما معرضان للفساد عند انتشار الرشوة بين القائمين بهذه الوظائف، إذا انتشرت الرشوة فإن فرص الإبداع في الوظائف تتلاشى، وقد تنعدم كلياً، فإما أن يكون تفكير القائمين بالأعمال مركزاً نحو الإبداع والتطوير، وإما أن يكون مركزاً نحو البحث عن أهم السبل لتقديم الرشوة للأفراد. وأشار إلى أن من أكثر الطرق نجاحاً للتخلص من آثار الرشوة، هو الحرص على تربية الأبناء تربية صحيحة تبين لهم أن الرشوة سلوك سيئ وتصرف مذموم نفسياً ودينياً وأخلاقياً ولا يجب تعلمها، كما يجب تعليمهم أن الدين الإسلامي الحنيف الذي يدينون به يحرمها ويعتبرها من الجرائم، كما جاء في الحديث النبوي الشريف الذي يبين: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، ويعوَّل على الأسرة في تنشئة الأطفال على نبذ الرشوة، وقد يقول قائل إن المدرسة هي من يُعوَّل عليه في إكساب الناشئة نبذ الرشوة والابتعاد عنها، هذا صحيح لكن دور الأسرة أهم من دور المدرسة، فالطفل الذي لا يتعلم تجنب الرشوة وهو في الأسرة، من الصعب أن يتعلم بعد ذلك. وقال: ما من عاقل يدرك خطورة الرشوة ويلجأ إليها عند وجود الحاجة المادية، لهذا يجب أن تكون محاربة الرشوة مبنية على اقتناع ومهما كانت حاجة الفرد المادية كبيرة، فإن المؤمن يترفع عن القيام بالرشوة ولو كانت به خصاصة. حرمتها من جانبه، أشار الشيخ صلاح الجودر خطيب جامع الخير بقلالي الى أن الرشوة اعتقاداً وممارسة حرام بالنص والإجماع، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الراشي والمرتشي والرائش أيضا، وهو الوسيط بينهما، وقد قال سبحانه: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) المائدة: 2، وقال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) البقرة: آية 188، فالرشوة حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، وقد جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا ربي! يا ربي! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!) رواه مسلم. وبين مدى خطورتها على الفرد والمجتمع فهي من الجرائم الفاسدة والمفسدة في جسد المجتمع، وكلما تمكنت كانت معاول هدم وتخريب في الأسرة والمجتمع، كما أن انتشارها يؤدي إلى الإخلال بالمساواة بين المواطنين وإثارة الأحقاد والضغائن بينهم، ولا يقتصر أثر الرشوة على الناحيتين الاجتماعية والأخلاقية، بل يمتد ليشمل كل نواحي الحياة فتظهر السرقة والغش والكذب وغيرها. واضاف ان ضعف الوازع الديني والأخلاقي هو السبب في تفشي الرشوة في المجتمع، وكذلك ضعف العقوبات الرادعة، لذا تقوم الدول على تعزيز هاذين الجانبين وسن التشريعات للمحافظ على المجتمع وتماسكه. العقوبات وفي السياق ذاته، يتحدث المحامي عبدالرحمن الشوملي عن الرشوة ويذكر تعريف الرشوة حيث عرفها الفقهاء من أهل القانون (هي قيام أي موظف عام أو مكلف بخدمة عامة في الدولة بطلب أو بأخذ أو قبول لنفسه أو لغيره قيمة مادية أو معنوية، للقيام أو لأداء عمل من اختصاصه بحكم وظيفته أو الامتناع عن أداء عمل من اختصاصه بحكم وظيفته، أو للامتناع عن عمل للإخلال بمقتضيات واجبات وظيفته)، وحيث أن المشرع البحريني أفسح المجال لارتكابها مادام المرتشي ليس موظفاً لدى الدولة وحيث ان واقع المجتمع اليوم بتعدد وتنوع كافة مرافقه غير الحكومية يعطي كما هائلاً من الصور الواضحة للرشوة وهو ما ينادي به المحامي الشوملي بسن قوانين تجرم الرشوة في كافة الأوساط بكافة المؤسسات والمرافق سواء الحكومية وغير الحكومية. وبشأن عقوبتها قال الشوملي من المقرر قانوناً عقوبة الرشوة وفقاً للمادة 186 من قانون العقوبات البحريني (يعاقب بالسجن كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة طلب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو مزية من أي نوع أو وعد بشيء من ذلك لأداء عمل أو الامتناع عن عمل إخلالاً بواجبات وظيفته فإذا كان أداء العمل أو الامتناع عنه حقاً تكون العقوبة السجن مدة لا تجاوز عشر سنوات). والمادة 187 (يسري حكم المادة السابقة ولو كان الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة يقصد عدم أداء العمل أو عدم الامتناع عنه) ووفقا للمادة 188 (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة طلب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو مزية من أي نوع عقب تمام العمل أو الامتناع عنه إخلالا بواجبات وظيفته، فإذا كان أداء العمل أو الامتناع عنه حقا تكون العقوبة الحبس). ويرى أن المشرع البحريني قد شدد العقوبة على الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة في حالة إذا ما طلب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو مزية من أي نوع في حالة أداء العمل أو الامتناع عن عمل إخلالاً بواجبات وظيفته وقد تصل العقوبة في هذه الحالة إلى السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، ولكن إذا زعم الموظف العام أو اعتقد خطأ بأن أداء العمل أو الامتناع عن عمل لا يدخل في اختصاص وظيفته تكون العقوبة في تلك الحالة هي السجن مدة لا تجاوز 5 سنوات. وقال: حدد المشرع البحريني في المادة 190 من قانون العقوبات عقوبة الراشي تكون الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر في حالة عرضه على موظف عام أو مكلف بخدمة عامة لكنه لم يقبل منه عرضه عطية أو مزية من أي نوع أو وعدا بشيء من ذلك لأداء عمل أو الامتناع عن عمل إخلالا بواجبات وظيفته. أما إذا كان أداء العمل أو الامتناع عنه حقا تكون العقوبة هي الحبس مدة لا تزيد على سنة أو الغرامة. المصدر: تحقيق - فاطمة زيد الزايد

مشاركة :