سيرة الأديب نجيب المانع مختلفة وشيقة. ليست سيرة ثرثارة أو مملة، فهو لا يسجل فيها إلا اللافت والمشوق، يقلل كاتبها من الحكي عبر خط مستقيم من الولادة والطفولة إلى الشباب والشيخوخة، يقفز بين فترة وفترة بخفة ورشاقة، يسجل ما يفكر فيه دون أن يهتم بالتتابع الزمني. ويرى المانع في كتابات مصطفى العقاد وطه حسين عيوباً وثغرات، فكلاهما الزعيمان الفكريان ينقصهما أمران، الأول أن كلاً منهما بعيد عن المدرسة الأخرى، فطه حسين مثلاً لم تهطل على أراضيه أمطار شكسبيرية، والعقاد لم يغترف كثيراً من عطايا فرنسا؛ الأمر الثاني أن طه حسين نقل لنا شك ديكارت وسار على منوال الناقد الفرنسي «إميل فاجيه» الذي كان شعاره «ما ليس واضحاً ليس فرنسياً»، لذلك أكثر الأدب الفرنسي المعروف عن طريق طه حسين ينحدر من الواضحين أمثال ديكارت وموليير وفولتير، أما المزاج الباسكالي وأدب الظلال والزوايا المعتمة مثل لغة رامبو وبروست فلم يذكرها طه حسين، لذلك لم يكن سفيراً وافي السفارة، أما التيار الأنجلوساكسوني والذي يمثله العقاد فيأخذ عليه المانع أنه محصور داخل أسوار كارلايل وكتَّاب النثر الإنجليز في القرن التاسع عشر بالدرجة الأولى، قرن الثقة بالنفس، الثقة بدوام الأشياء والحرص على تحسين الأمور. والعقاد حذا حذو الواثقين المتعالين، هكذا يحلله المانع في لمحات نقدية مميزة، ويصفه بأنه لا يحاور القارئ. ثم يقول نجيب المانع: «إذا كان طه حسين ديكارتياً فهو لأنه يعطي القارئ فسحة في كتابته: كان يدعو القارئ إلى مائدته الفكرية، أما العقاد فيأكل طعامه الفاخر وحده تاركاً القارئ يشم الرائحة. إنني أتصور العقاد ملاكماً قديراً لا يرضى أن ينازله أحد لكي يظل ملاكماً قديراً وحده». وفي الكتاب مساحة لأخطاء العقاد لمن أراد التوسع فيها، وهذا لا يقلل من كون العقاد ناقداً فذاً مثلما يظهر في كتابه عن ابن الرومي. وينتقد المانع لغة الزيات التي يراها باردة، ويرى نفسه يبتعد عنها كما يبتعد المرء عن انهيار ثلجي إن استطاع. مصطفى العقاد طه حسين
مشاركة :