أصبحت التغيرات المناخية في الوقت الراهن حقيقة واقعة، وذلك بعد ما ثبت أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، قد أسهمت بالفعل في رفع مستوى الاحترار العالمي بدرجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية على مدى 150 عامًا الماضية، وأصبح هذا الاحترار مرشحًا للارتفاع إلى 1.5 درجة مئوية ما بين (2030–2050)، إذا استمرت الانبعاثات عند مستواها الحالي، ولهذا تبنت أهداف «التنمية المستدامة 2030»، قيام الدول بالعديد من الإجراءات للحد منها، ومن أهمها اعتماد مصادر طاقة بديلة، لا ينتج عن استخدامها هذه الانبعاثات. وفيما يعد هذا الأمر، «دافعًا رئيسيًّا» لكل دول العالم، للبحث عن مصادر طاقة بديلة، حتى ارتفع عدد الدول التي تنشط في هذا المجال من 15 دولة في 2004، إلى 148 دولة في 2020؛ فإن الدافع الرئيسي الثاني أن «الوقود الأحفوري»، الذي مازال العالم يعتمد عليه بصورة رئيسية، هو مصدر غير متجدد، فما يُستهلك منه لا يتم تعويضه، كما يحفز على الاستثمار في هذه الطاقة البديلة، ما تشهده أسعار النفط من ارتفاعات. ولئن كانت «دول الخليج»، تشترك مع دول العالم في هذه الدوافع، فإن اقتصادها الذي يعتمد أساسًا على إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز الطبيعي، يواجه تحديات الاعتماد على مصدر ناضب، ويتذبذب طبقًا لتذبذب أسعار النفط والغاز، فضلاً عن مواجهة تحدي زيادة الطلب على الطاقة في الداخل والخارج، وهذه العوامل جعلتها تتجه في وقت مبكر لاستثمار فوائضها النفطية في مصادر الطاقة المتجددة، وهو مسار عالمي يتزايد باستمرار. وبهذا المعنى، توقع تقرير و«كالة الطاقة الدولية»، في ديسمبر 2021، أن تمثل الطاقة المتجددة، نحو 95% من الزيادة في القدرة على إنتاج الكهرباء في العالم حتى عام 2026، وذلك برغم ارتفاع تكاليف المواد المستخدمة في صناعة ألواح الطاقة الشمسية، ومحركات الرياح. وفي العام الذي صدر فيه التقرير بلغ إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة 290 جيجاوات، ما مثل إشارة إلى ظهور اقتصاد عالمي جديد للطاقة. وبالنسبة إلى دول الخليج، فإنها تعد موطنًا لوفرة من الموارد المتجددة، خاصة الإشعاع الشمسي والرياح، وتبدو إمكانات الطاقة المتجددة بها «واعدة»، خاصة الطاقة الشمسية، بالنظر إلى الموقع الجغرافي لشبه الجزيرة العربية داخل الحزام الشمسي، والتطابق بين ساعات الذروة الشمسية وفترات ذروة الطلب على الكهرباء. وفضلاً عن المنافع البيئية التي يوفرها التحول إلى الطاقة المتجددة، فإن هناك العديد من المنافع الاجتماعية والاقتصادية، كزيادة فرص العمل، وتحقيق أمن الطاقة، وانخفاض كلفتها. ودعما لهذه الخطوات، اتخذت «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة»، «إيرينا» عام 2009، «أبو ظبي»، مقرا دائما لها. وفي 2011 دخلت مبادرة ومدينة «مصدر» الإماراتية التاريخ، كأول مدينة خضراء خالية من الانبعاثات الكربونية. وفي 2013 غدت الإمارات إحدى الدول المنتجة للطاقة المتجددة عن طريق تقنية الطاقة الشمسية المركزة، بدءًا من «محطة شمس»، أبو ظبي. وفي استراتيجيتها للطاقة 2050 التي أطلقتها في 2017، تخطط لأن يكون اعتمادها على الطاقة المتجددة بنسبة 44%، فيما غدت اليوم موطنًا لثلاث من أكبر محطات الطاقة الشمسية، وأقلها كلفة في العالم، كما غدت من أكبر المستثمرين عالميًّا في مشروعات الطاقة المتجددة، حيث تعتزم تخصيص 100 مليار دولار بحلول عام 2030 لمشروعات في أكثر من 70 دولة، استثمرت منها بالفعل نحو 50 مليار دولار، وقد أطلقت في هذا الشأن جائزة «زايد للاستدامة». وفي أثناء فعاليات «مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية»، بشأن تغير المناخ «كوب 27» بمدينة «شرم الشيخ»، المصرية، وقعت الإمارات مع مصر اتفاقية إنشاء أكبر مشاريع طاقة الرياح بمصر بقوة 10 جيجاوات، وهو واحد من أضخم مشاريع طاقة الرياح في العالم. وخلال المرحلة الأولى من المشروع يتم بناء منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، يتم تشغيلها في 2026 بواقع 100 ألف طن من الميثانول الإلكتروني سنويًا للتزود بالوقود في قناة السويس، وتتوسع في 2030 لإنتاج 2.3 مليون طن من الأمونيا الخضراء للتصدير، وتوفير الهيدروجين الأخضر لخدمة الصناعة المحلية، وتوفر هذه المحطة الجديدة 100 ألف فرصة عمل وتضيف للاقتصاد المصري نحو 5 مليارات دولار سنويًّا. وتشمل مشروعات الطاقة المتجددة في الإمارات، مشروعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية (الظفرة، أبوظبي، مجمع بن رائد، مصدر، صويحان)، ومشروعات الطاقة الحركية للرياح (جزيرة صير بني ياس)، ومشروعات تحويل النفايات إلى طاقة (الورسان)، والطاقة الشمسية المركزة (شمس). وتستهدف هذه المشروعات خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 70% بحلول 2050. وبرغم «جائحة كورونا»، فقد حققت قفزة في إنتاج الطاقة المتجددة بنسبة 32% في 2020 لتصل إلى 2.54 جيجاوات. ومع مطلع عام 2023، تطلق استراتيجيتها للهيدروجين الأخضر، مستهدفة الاستحواذ على 25% من الأسواق الرئيسية له، التي تضم الهند وكوريا واليابان وألمانيا، مع توقع أن يصل إنتاجها منه ما بين 14 – 22 مليون طن سنويًا في 2050 من إجمالي إنتاج عالمي نحو 250 مليون طن أي بنسبة نحو 10% من هذا الإنتاج. وفي إدراك لأهمية هذه القضية، مثلت الطاقة المتجددة «ركيزة أساسية»، في «رؤية السعودية 2030»، وما تضمنته من إطلاق البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، الذي يستهدف الزيادة المستدامة لحصة الطاقة المتجددة من إجمالي مصادر الطاقة في المملكة، لتصل إلى 27.3 جيجاوات في 2023، بما يعادل 10% من إنتاجها من الطاقة، وترتفع إلى 30% في 2030، كما يتطلع أن يكون هذا القطاع أحد أهم القطاعات المولدة للوظائف. وفيما توفر الطاقة المتجددة أكثر من 561 ألف فرصة عمل مدة 40 عامًا، فإنها توفر خفضًا في الطلب على الطاقة بنسبة 48%. وتشمل مشروعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية: (مشروع ليلى، وادي الدواسر، سعد، الرس، سكاكا)، وطاقة الرياح: (مشروع دومة الجندل)، مستهدفة إنتاج 27.3 جيجاوات في 2023، و58.7 جيجاوات بحلول 2030، بهدف أن يشمل مزيج الطاقة 50% من المصادر المتجددة، و50% من الغاز بحلول 2030. علاوة على ذلك، حددت «الكويت»، هدف زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة، لتصل إلى 15%في 2030. وتشمل مشاريع الطاقة المتجددة التشغيلية، المرحلة الأولى من مشروع «الشقايا» في 2019، ثم تطور هذا المشروع بالتعاون بين معهد الكويت للأبحاث العلمية، ووزارة الكهرباء والمياه بقدرة 10 ميجاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، و10 ميجاوات من طاقة الرياح، و50 ميجاوات من الطاقة الشمسية المركزة، وتستهدف المرحلة الثانية من مشروع الشقايا 1.5 جيجاوات. وتعد «قطر»، الدولة الخليجية الوحيدة، التي تمتلك مصنعًا ينتج «البولي سيلكون»، المكون الرئيسي في مجموعة تقنيات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، كما أن لديها منشأة تقوم بتحويل النفايات إلى طاقة، وهي محطة «مسعيد»، بقدرة 30 ميجاوات، كما أطلقت مشروع «الخرسعة»، للطاقة الشمسية الكهروضوئية، بطاقة 5 ميجاوات، وتستهدف الحكومة تلبية 20% من الطلب على الطاقة من مصادر متجددة بحلول 2030. فيما دشنت «سلطنة عُمان»، أول مشروع للطاقة المتجددة في عام 1995، يوظف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بقدرة 10 كيلووات. وكان أول مشروع كبير للطاقة المتجددة في 2017، هو مشروع «المزيونة» للطاقة الشمسية، بقدرة 303 كيلووات. وحاليًا تشمل مشروعات الطاقة المتجددة؛ طاقة الرياح: (ظفار المرحلة الأولى 50 ميجاوات، والثانية 150 ميجاوات)، وطاقة شمسية حرارية: (مشروع «مرآة» 1000 ميجاوات)، وطاقة شمسية كهروضوئية، (محطة عبري، وشركة نفط عُمان «محطة أمين»). وتستهدف سلطنة عُمان، تغطية 10% من احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة، بحلول 2025، و30% بحلول 2030. وفي ضوء هذه الديناميكيات، وضعت مملكة «البحرين»، الطاقة المتجددة في رؤيتها الاقتصادية 2030، مستهدفة تغطية 10% من الطلب المحلي على الطاقة بحلول 2035. وتشمل مشروعات الطاقة: (مشروع عوالي للطاقة الشمسية، بقدرة 5 ميجاوات، ومركز التجارة العالمي 0.5 ميجاوات، وعسكر للطاقة الشمسية بطاقة 155 ميجاوات). وتعطي المشروعات المختلفة في الطاقة المتجددة كل دول «مجلس التعاون الخليجي»، ميزة في الانطلاق لإنتاج وتصدير الهيدروجين بنوعيه؛ الأخضر، الذي يستخدم في إنتاجه مصادر الطاقة المتجددة، والأزرق، الذي يستخدم في إنتاجه الوقود الإحفوري. ويستخدم الأول على نطاق واسع في الصناعة، ووسائل النقل، وإنتاج الأسمدة، وهو وقود ينتج باستخدام الكهرباء لفصل الهيدروجين عن الأوكسجين من الماء، وقد انضمت الإمارات إلى مجلس الهيدروجين العالمي، وحاليًا فإن شركة «أدونوك» الإماراتية تنتج 300 ألف طن سنويًا، وتقوم بتصديره، كما دشنت دبي مشروع الهيدروجين الأخضر الأول من نوعه في المنطقة باستخدام الطاقة الشمسية. وفي السعودية، يصبح مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر، جاهزًا بحلول 2025، كأحد أكبر المشاريع العالمية، كما انتهت شركة «البترول الوطنية»، الكويتية من العمل في وحدة «التكسير الهيدروجيني»، التي يمكنها إنتاج 454 ألف طن. في حين تعمل شركة عُمان للنفط، بالتعاون مع شركات أجنبية لإنجاز مشروع لإنتاج 1.8 مليون طن من الهيدرجين الأخضر، بكلفة 30 مليار دولار، باستخدام الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح. وتبين دراسات «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة»، أن مشاريع الطاقة المتجددة الخليجية عند اكتمالها ودخولها العمل، ستمكن دول «مجلس التعاون»، من توفير نحو 76 مليار دولار بحلول 2030. فيما تتجه دول الخليج لتكون أكثر مناطق العالم جاذبية للاستثمار في هذه المشروعات؛ لوفرة الموارد، والبيئة السياسية المواتية، بالتوازي مع انخفاض قياسي في أسعار الطاقة، ما أدى إلى انخفاض أسعار الطاقة الشمسية كهروضوئية إلى أقل من 5 سنتات لكل كيلووات ساعة، في حين وصلت أسعار الطاقة الشمسية المركزة القابلة للتوزيع إلى 7.3 سنتات لكل كيلوات ساعة. وبحلول 2030، توفر مشاريع الطاقة المتجددة في دول الخليج أكثر من 220 ألف فرصة عمل جديدة، وما يزيد على 354 مليون برميل من النفط المكافئ، وتقل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع الطاقة، بواقع 11.5 مليون طن بنسبة 22%، كما ينخفض استهلاك المياه في هذا القطاع بواقع 11.5 تريليون لتر، أضف إلى ذلك، أنه في الفترة التي مازال العالم فيها يعتمد بشكل أساسي على النفط الخام والغاز الطبيعي، كمصادر رئيسية للطاقة، فإن التوسع في استخدام الطاقة المتجددة محليًا، من شأنه إتاحة كميات أكبر من النفط الخام والغاز الطبيعي للتصدير، واستخدام عائدات هذا التصدير في المشروعات التي تجعل المشتقات النفطة صديقة للبيئة، وأقل في الانبعاثات الكربونية. على العموم، فإن من يتابع السرعة التي يتم بها إقبال دول الخليج على الطاقة المتجددة، يدرك تمامًا مدى حاجتها إلى هذه الطاقة، رغم غناها بالنفط والغاز، وكأنها تسابق الزمن لتحقيق تنافسيتها في هذا المجال، كما سبق واكتسبت المركز الجيوسياسي المتميز في النفط والغاز. ويعد هذا التحول من ناحية أخرى أحد أهم سياسات التنويع الاقتصادي لهذه الدول التي تجنبها تقلبات أسعار النفط، وتداعياتها على أوضاعها الاقتصادية، وتعزز دول الخليج ميزاتها النسبية في الطاقة المتجددة، بقدراتها التمويلية في الإنشاءات والتشغيل واكتساب التكنولوجيا الجديدة، كما تعزز مكانتها في أمن الطاقة محليًّا وعالميًّا. وعليه، فإن الآفاق الرحبة للطاقة المتجددة في دول الخليج، تستدعي اعتبارات التكامل الخليجي في هذا الشأن، ما ينعكس على انخفاض الكلفة وزيادة الإنتاج وتعزيز التنافسية.
مشاركة :