يعرف الجميع دار"لويس فويتون" Louis Vuitton وشعار المونوغرام الأيقونيّ الخاصّ بها والذي أصبح مع الوقت رمز الدار. ومع ذلك، قلّة قليلة من الناس تعرف من هو مؤسّسها. هو رجل رؤيوي بدأ من الصفر واستطاع بناء امبراطورية وشركة فاخرة ما زالت حتى اليوم إحدى أرقى الشركات في العالم. نستعيد في ما يلي أبرز محطات مسيرته. وُلد لويس فويتون عام 1821 في قرية صغيرة في منطقة بورغندي الفرنسية، وفقد والديه عندما كان طفلًا. وفي سنّ الثالثة عشر، بدأت رحلته إلى باريس التي لم يرافقه فيها سوى حفنة من الأمل. هي رحلة أربعمائة كيلومتر دامت سنتين لا نعرف عنها سوى القليل من المعلومات، لذلك تقتصر سيرته الذاتية هنا على الأعمال المختلفة التي اكتسب من خلالها لقمة عيشه. حين وصل إلى العاصمة، تمكّن من إيجاد وظيفة في مشغل السيد "ماريشال" الذي كان أشهر مصنّع لحقائب السفر في ذلك الحين. ومع أنّه اسم لم يعد يُذكر اليوم، كان في فرنسا عام 1837 مرادفًا للسفر والترف والنخبة. في مشغل "ماريشال"، لم يتعلّم لويس فويتون الحرفة فحسب، بل اكتشف شغفه الحقيقي. وسرعان ما أصبح اسمه أحد الأسماء الأكثر طلبًا من لوردات الطبقة المتوسّطة العليا، إلى درجة أنّه عندما تُوّج نابليون الثالث امبراطورًا في عام 1852، طلبت زوجته يوجينيا دي مونتيخو صناديق أمتعة مصنوعة بيديّ لويس فويتون. كرّست يوجينيا المثقفة وقتها لبناء علاقات دولية والاهتمام بالموضة، فعرّفت لويس الشاب على العالم الأرستقراطي، وهو ما منحه الموارد المالية الكافية لإطلاق شركته الخاصة. وهكذا رأت دار "لويس فويتون" النور رسميًا عام 1854 في شارع رو دي كابوسين. وفي عام 1858، تطوّرت الشركة إلى حد جعلها تنقل الإنتاج إلى بلدة أسنيير سور سان. وفي هذا المشغل الذي دُمّر بسبب الحرب الفرنسية البروسية وأعيد بناؤه بفضل إصرار الناس الذين لم يستسلموا للشدائد، ولدت التصاميم المذهلة التي ما زالت تبهرنا كلّما مررنا بجانب نوافذ متاجر الدار حول العالم. وكان أول بوتيك فتحته الدار خارج باريس في 289 شارع أكسفورد في لندن، وذلك عام 1885. نذكر من بين التصاميم الأيقونية للدار، صناديق "تريانون" السهلة التدكيس والمميزة بالغطاء المسطّح والمقبض الأمامي والهيكل المصنوع من خشب الحور والزوايا المدعّمة. ولا ننسى تصميم صندوق "واردروب" الذي، كما يدلّ اسمه، يتّخذ شكل خزانة ملابس عمودية مصمّمة لتقف في عربات القطار. ونضيف إلى رموز "لويس فويتون"، قماش الكنفاس المضاد للمياه، والمونوغرام المُدمج في لوحة من الأزهار ونبتة البرسيم الرباعية الأوراق التي جسّدت حبّه للشرق، ورمز رقعة الشطرنج. كما تجلّت عبقرية لويس في تصميم قفل "تامبلر" الذي لم يتغيّر مع مرور الوقت، وهو يرتكز على نظام قفل بخمسة نوابض ميكانيكية. توفّي لويس فويتون عام 1892 قبل بداية القرن التالي، تاركًا لابنه وأحفاده إرثًا ما زال يكتب فصول حكاياته، ويكتشف أفكارًا جديدة ومجالات معاصرة تتخطى حدود صناعة الإكسسوارات والأزياء. ومن بين التصاميم الحديثة، حقائب "ستيمر" وكيب أول" و"سبيدي" و"ألما" التي كانت إصدارًا صُمّم خصّيصًا لغابرييل شانيل وأصبح في ما بعد حقيبة نجومية الشهرة. مع ذلك، لم تكتفِ دار "لويس فويتون" بإصدار صناديق السفر والحقائب فحسب، بل باتت أيضًا عنوانًا لفنّ الهندسة المعمارية والتصميم والقوارب المترفة والفنّ بحدّ ذاته والمجوهرات الراقية. فكلّ ما يجسّده حرفا LV، ما هو إلّا استمرارية مثالية لتلك الرحلة التي قام بها طفل سيرًا على قدميه نحو باريس. في العام الماضي، احتفلت مجموعة LVMH التي أصبحت اليوم مالكة دار "لويس فويتون"، بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد مؤسس الدار، عبر سلسلة مبادرات "لويس 200" التي تضمّنت إطلاق لعبة فيديو فيها رموز غير قابلة للاستبدال، ونوافذ متاجر تعرض حقيبة "ترانك" الأيقونية بحلّتها الجديدة، ولوحةً تجسّد صورة المؤسس لويس من توقيع الرسام أليكس كاتز، ورواية "بحثًا عن لويس" للكاتبة الفرنسية كارولين بونغران تسرد فيه حياة لويس فويتون وتطلّعاته، فضلًا عن وثائقي لم يتم نشره يسلّط الضوء على قصة الشاب الريادي. وأخيرًا، احتفلت الدار مع مجموعة مجوهرات راقية باسم "بريفري"Bravery كانت أشبه بتحية متعددة الألوان إلى صندوق السفر المسطح الشهير الذي اخترعه مؤسس الدار في عام 1854. مهّدت مجموعة "بريفري" التي تم تقديمها في يناير 2021 خلال أسبوع الموضة في باريس للأزياء الراقية، الطريق أمام ولادة لغة جمالية جديدة لم تعبّر فقط عن براعة مشاغل المجوهرات الراقية في باريس، واستخدام الأحجار الكريمة النادرة، بل أيضًا عن قصّة ملهمة. بذلك، تشكّل مجموعة "بريفري" في الواقع صورة مجازية لحياة لويس فويتون. تضمّ المجموعة ثماني تشكيلات استُلهمت من مراحل متعددة من حياة السيد لويس فويتون. يحمل الفصل الأوّل من المجموعة اسم "لا كونستيلاسيون ديركول" وهي الكوكبة التي رافقت تاريخ ولادته، في حين يستلهم عقد "لا فليش" تصميمه من رحلة المصمم الشاب إلى باريس. أمّا القفل الأيقوني فيتنفس حياة جديدة في عقد "لو ملتيبين" المصنوع من أحجار كريمة تزن 100 قيراط مصطفّة في ثلاثة صفوف تحتضن حجر تورمالين أزرق نادرًا يزن 42.42 قيراط. ويتجسّد الشكل المستطيل الأيقوني لحقيبة السفر في إطار حجر صفير سريلانكي قابل للإزالة بقطع وسادي وعيار 20.29 قيراط يضيء عقد "لو مانييتيزم"، الذي تكمّله أحجار كريمة بعيار 152.86 قيراط. هكذا اندمجت المجوهرات التي صاغتها دار "لويس فويتون" مع تاريخ مؤسسها، ولكن أيضًا مع الصيحات العصرية. فقد تمّ تصميم المجموعة التي أُطلقت في يناير 2022، باسم حرية التعبير المطلقة وتمويه الحدود بين الجنسين، وهما موضوعان حاليان أساسيان أكثر من أيّ وقت مضى. هكذا أرادت فرانشيسكا أمفيتياتروف المديرة الفنية لقسم المجوهرات في الدار أن تكون التصاميم. والنتيجة مجموعة "فولت بلاي"Volt Play التي تجذب كل الأذواق بفضل تعددية استعمالها وملاءمتها للنساء والرجال على حدّ سواء، وتماشيها مع روح العصر. وتعمل المجوهرات الجديدة الهجينة بفكرتها على توسيع مخيلة الدار، فتنقلنا إلى عالم من الذهب الأبيض والأصفر والماسات المتلألئة والحبال الملونة والمرحة. ختامًا، تكرّم "آمبرينت" Empreinte (هي أحدث مجموعة ولدت من عبقرية أمفيتياتروف) إرث المجموعة التي حملت الاسم نفسه وأطلقت عام 2004 بهدف تمثيل أشكال رموز الدار الفرنسية. فتمّ نقش شكل المسامير التي كانت تُستخدم في الصناديق التقليدية، على مجوهرات من الذهب الأصفر أو الأبيض أو الوردي بعيار 18 قيراط، يزيّنها رمز LV الذي ابتكره "جورج فويتون" عام 1896، وأزهار شعار مونوغرام. تذكّرنا الخواتم والأساور المضفّرة بالمشابك الجلدية التي أقفلت حقائب الدار الأيقونية، كما تزيّن الزهرة الرباعية الأوراق تصاميم الحليات الدائرية الأشبه بميداليات. وتنعكس فكرة الاستعمالات المتعددة في هذه المجموعة من خلال العقود التي يمكنها أن تتحوّل إلى أساور متعددة الخيوط أو إلى عقود متداخلة، وفي الحلق والأقراط الفردية التي يمكن اعتمادها منفردةً أو الجمع بينها.
مشاركة :