لا يزال في الذاكرة وأنا بجانب الوالد -رحمه الله- في مقهاه بالمسفلة في شارع إبراهيم الخليل، والزبائن في المقهى، وبيد كل واحدٍ منهم صحيفة يقرأها. فأنا مذ عقلت وهوايتي قراءة الصحف اليومية الورقية، وخاصة صفحة الرياضة. ولا زلت أذكر -وأنا أحد أعضاء هيئة التدريس في كلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز- عندما كان العم علي عطية مراسل الكلية، وهو يأتي يومياً إلى مكتبي حاملاً مجموعة من الصحف الورقية لعلمه بأني أستمتع بقراءتها في أوقات الفراغ. لا أذكر أني قرأت صحيفة ورقية من مدة تزيد على ست سنوات، والسبب سهولة الحصول على الأخبار والمعلومات بالصوت والصورة، وفي وقت حدوثها عن طريق الأجهزة الإلكترونية. حتى في مراكز التوزيع، مثل المكتبات والمراكز التجارية والبقالات وغيرها، من النادر أن تقوم بتسويق الصحف اليومية. لذلك تعاني الصحف الورقية في أيامنا هذه بشكلٍ كبير من قلة الإعلانات، وتدني أرقام التوزيع لمستوى غير مسبوق، وأثقلت كاهلها الديون بسبب ذلك، فقامت بقفل الكثير من مكاتبها، وتسريح الكثير من العاملين لديها، إضافة إلى عدم قدرة أغلبها على صرف مكافأة الكُتَّاب والمراسلين، وهذا الأمر ينطبق على أعرق وأشهر الصحف الورقية العالمية. دفع هذا الواقع الكثير من الخبراء؛ للإعلان عن قرب انتهاء عصر الصحافة الورقية. فقد ذكر المؤلف الكندي (روس داوسن) بدء انقراض الصحف الورقية، بنسب وحدود زمنية متفاوتة، وصولاً إلى انقراضها التام في العام 2040م. وذكر المؤلف والكاتب الأمريكي (فيليب ماير)، في كتابه بعنوان: «النهاية الحتمية للإعلام الورقي»، أن آخر مطبوع ورقي يرى النور سيكون في العام 2043م. أما المؤلف والخبير الفرنسي في مجال الإعلام (برنار بوليه)، فقد ذكر في كتابه بعنوان: «نهاية الصحف ومستقبل الإعلام»، إلى وجود الكثير من العوامل التي تُشكِّل خطراً على الصحافة الورقية، أول هذه العوامل وأهمها تزايد سلطة الإنترنت، وتراجع الإيرادات من الإعلان، إضافةً إلى عدم اهتمام جيل الشباب بالصحف الورقية، وتغيُّر أنماط القراءة، وسرعة الحصول على المعلومة بطريقة مجانية.
مشاركة :