صناعة الألبان التونسية تستغيث لإنقاذها من الانهيار

  • 11/23/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تصاعدت استغاثات صناعة الألبان في تونس للتعجيل في إنقاذها قبل وقوعها في أزمة أعمق قد لا يمكنها النهوض منها مع ظهور مؤشرات خطيرة على دخول المربين والمنتجين في دوامة جراء استفحال المشاكل مما يعسر مهمة اجتيازهم هذه الصدمة سريعا. تونس - يمر قطاع إنتاج الألبان في تونس بفترة تراجع غير مسبوق تبعا لانحسار مردود نشاط تربية الأبقار على خلفية الارتفاع الكبير لكلفة الإنتاج، فضلا عن تنامي تهريب وذبح الإناث المنتجة، وهو ما يكبّد المنتجين والمزارعين خسائر يومية. وتعطي هذه الإشارات تأكيدا على أن البلد قد يواجه شبح انعدام الأمن الغذائي مع تواصل ارتفاع الأسعار جراء تداعيات الحرب في شرق أوروبا التي خلفت آثارا قاسية ليس على المنتجين فقط، بل وعلى جيوب المستهلكين أيضا. وتساهم منظومة الألبان بنسبة 11 في المئة من الإنتاج الزراعي و25 في المئة من الإنتاج الحيواني، فضلا عن أهميتها في الصناعات الغذائية بنسبة سبعة في المئة. وحذر اتحاد الفلاحين، وهو تجمع نقابي يجمع المنتجين، من أنه إذا انهار القطاع وبيع كل قطيع الأبقار سيكلف البلد الذي يعاني أزمة مالية خسائر أكبر وسيجبره على الاستيراد بتكاليف أعلى بثلاث مرات على الأقل. وقال أنيس خرباش نائب رئيس الاتحاد في تصريحات صحافية إن "منظومة تربية الأبقار الحلوب بدأت في الانهيار، وفقدنا أكثر من 30 في المئة من قطيعنا". حافظ المنّاعي: سلالة الأبقار المنتجة اختفت جراء التهريب إلى الجزائر حافظ المنّاعي: سلالة الأبقار المنتجة اختفت جراء التهريب إلى الجزائر وأوضح أنه إذا وصل القطاع الذي صرفت عليه الدولة مليارات من الدنانير منذ نصف قرن، إلى الانهيار "سنذهب إلى أبسط الحلول وهي الاستيراد، وقد لا نستطيع إصلاحه إلا بعد 4 أو 5 سنوات على الأقل". وأكد خرباش أن إنتاج الحليب اليومي تراجع من 1.8 إلى 1.1 مليون لتر فقط الآن و”هو مؤشر مفزع، وهناك تراجع كبير في الإنتاج، حيث فقدنا حوالي 35 في المئة من إنتاجنا، واليوم لم يعد لدينا مخزون تعديلي”. وبالمقارنة مع العام الماضي، كان لدى القطاع حوالي 40 مليون لتر من المخزون التعديلي، لكن اليوم ليس ثمة أكثر من 8 ملايين لتر. ومن المتوقع أن يسجل مخزون الحليب المعقم عجزا في تزويد السوق مع نهاية هذا العام، إضافة إلى تواصل الصعوبات خلال 2023. وقال خرباش "سيتم استنزاف هذا المخزون لتعديل الأسواق بضخ ما بين 400 إلى 500 ألف لتر يوميا، مما يعني أن الأزمة ستتعمق في غضون أسبوعين". وتتزايد الضغوط من أجل دفع السلطات إلى دعم المنتجين مباشرة، مع توجيه الدعم إلى مستحقيه لاسيما وأن قطاع السياحة والمقاهي الفاخرة وغيرها يستفيدان من عدم إصلاحه. وما يفاقم الأزمة هو تأخر الدولة في سداد مستحقات مركزيات الحليب ومراكز التجميع والتي تجاوزت 300 مليون دينار (نحو 92 مليون دولار). ودخل القطاع في دوامة من الأزمات دفعت الحكومات المتعاقبة بعد 2011 إلى اعتماد الحلول الترقيعية، لكن حتى الآن لم يتم اعتماد إستراتيجية واضحة المعالم لجعله يسير في الطريق الصحيح. وطيلة هذه السنوات تم التحذير من انهيار القطاع نتيجة للسياسات العقيمة التي تنتهجها الدولة، وبعد أن كانت تونس تحقق اكتفاءها الذاتي أصبحت قدرة صمود المنظومة محل تشكيك. وقال حافظ المنّاعي وهو مزارع ومربي أبقار لـ”العرب” إن “هناك تراكمات منذ ثلاث سنوات، ولم يعد هناك سلالة أبقار منتجة للحليب، فضلا عن ظاهرة التهريب على الحدود مع الجزائر وهو ما فاقم النقص". وكثيرا ما يتداول الناشطون في شبكات التواصل أخبارا ومقاطع فيديو لتهريب الأبقار من تونس إلى الجزائر، في حين اعتبرت جهات جزائرية أن الظاهرة أخذت أكثر من حجمها وتم تضخيمها، لاسيما بعد تقارير أشارت إلى تهريب أكثر من 250 بقرة يوميا. وأضاف المناعي "نواجه صعوبات في الزراعات العلفية ونقصا في إنتاج القمح والشعير، وكان ديوان تربية الماشية يوفر لنا في السابق بذورا بأسعار رمزية للعلف". وأوضح أن سعر طن العلف ارتفع من ألف دينار (306.3 دولار) إلى 1400 دينار (430 دولار)، كما أن البقرة الواحدة تستهلك 9 كيلوغرامات من العلف يوميا، وكلفة اللتر الواحد من الحليب وصلت إلى 1.8 دينار (0.55 دولار). الدولة عاجزة عن حل مشاكل قطاع التربية الحيوانية الدولة عاجزة عن حل مشاكل قطاع التربية الحيوانية وعلاوة على ذلك تبرز مشكلة فقدان الأدوية الحيوانية، ونقص الإرشاد الزراعي وتراجع دور الدولة في دعم المزارعين وتأثير الحرب الروسية – الأوكرانية على إنتاج الأعلاف وخصوصا النقص في مادة الذرة. وتابع المناعي أن “المصانع زادت في سعر الحليب بنحو 0.2 دينار في اللتر، لكن المزارع يطلب زيادة في حدود 0.6 دينار، وهكذا أصبح المصنع يحول الحليب إلى مواد مصنعة أخرى من مشتقات المادة حماية لاستدامة نشاطه”. وتعد كلفة الإنتاج وارتفاعها المتواصل أبرز العوامل التي تدفع نحو إضعاف القطاع ذلك أن حلقة الإنتاج تمر منذ 2020 بوضعية خطيرة. وقال محمد الكوكي مسؤول على مركز تجميع الحليب بمكثر من ولاية (محافظة) سليانة شمال غرب البلاد “لا يوجد تنظيم للقطاع وثمة من ينشط دون رخصة قانونية، كما أن الدولة لا تراقب عمليات التوزيع كما يجب، فضلا عن صعوبات توفير الأعلاف". وصرح لـ"العرب" أن "الكلفة أصبحت مرتفعة، والإنتاج تراجع إلى حدود 20 في المئة، وعلى الدولة أن تسعى لتوفير الأعلاف حتى تنقذ ما تبقى في هذا القطاع". وأشار الكوكي إلى أن سعر القنطار الواحد من العلف في حدود 140 دينارا (42.9 دولار)، وسط مخاوف من وصوله إلى سقف مئتي دينار (61.2 دولار) بسبب تداعيات حرب أوكرانيا. ويرى الخبراء أن الزيادة التي أقرتها غرفة مصنعي الحليب لمربي الأبقار بواقع 0.2 دينار تعتبر سابقة في تاريخ القطاع وفي تاريخ تونس. 1.1 مليون لتر من الحليب يتم إنتاجها كل يوم حاليا نزولا من 1.8 مليون لتر في السابق وتساءل فوزي الزياني الخبير في السياسات الزراعية بشأن تلك الخطوة التي تشير على الأرجح إلى عجز الدولة عن حل مشاكل قطاع التربية الحيوانية عموما وتربية الأبقار خصوصا. كما أن هذه الزيادة نابعة من الشعور بالخطر الداهم المحدق بالقطاع من قبل المصنعين إنقاذا لما يمكن إنقاذه وحفاظا على استدامة أعالمهم ومصالحهم الاقتصادية. ولكن الأخطر بحسب الزياني هل أن هذه الزيادة تفهم من زاوية الأمر الواقع الذي سيفرض على الدولة ضرورة الزيادة في سعر قبول الحليب على مستوى الانتاج؟ وقال إن “هذا التمشي فيه استقواء على الدولة وضرب لهيبتها”. وسبق أن اتّهم بيرم حمادة مستشار رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، وزارة التجارة بالتسبب في انهيار القطاع بعد رفضها زيادة سعر لتر الحليب بواقع 0.4 دينار لتغطية جزء من الخسارة التي يتكّبدها المزارع. وقال في تصريح لإذاعة محلية إن “المنظومة انهارت وكنا قد أطلقنا صيحة فزع منذ مدة بالنسبة إلى السعر الذي لا يتلاءم مع كلفة الإنتاج التي تصل إلى 1.64 دينار في حين يُباع الحليب بنحو 1.15 دينار للتر”. وتابع “المزارع يتكبّد خسارة كبيرة عند بيع الحليب مما اضطره لبيع الأبقار وأتمنى ألا تتوجه الدولة لتوريد الحليب ودعم المزارع الأجنبي عوض دعم التونسي”. وتراجع عرض لحوم الأبقار وسط توقعات باللجوء الى التوريد وما له من انعكاسات على الميزان التجاري، الذي يسجل عجزا بأكثر من 5.9 مليار دولار، فضلا عن تآكل الاحتياطي النقدي. وكانت وزارة الفلاحة قد اتخذت حزمة من الإجراءات لفائدة القطاع في 2018 من ضمنها التصدي لتهريب الأبقار للمحافظة على الثروة الحيوانية بتشديد الرقابة على نقل الحيوانات خاصة بالولايات الحدودية الخمس مع الجزائر وهي جندوبة والكاف والقصرين وقفصة وتوزر.

مشاركة :