ماذا بقي من فكرة الإمبراطورية البريطانية؟

  • 11/23/2022
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

من‭ ‬حرب‭ ‬الفوكلاند‭ ‬إلى‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ظلت‭ ‬فكرة‭ ‬الإمبراطورية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬انتهاء‭ ‬الاستعمار،‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للمملكة‭ ‬المتحدة‭. ‬ ‭ ‬تُعد‭ ‬وفاة‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬والحداد‭ ‬الوطني‭ ‬الطويل‭ ‬الذي‭ ‬أعقب‭ ‬ذلك‭ ‬فرصة‭ ‬للتساؤل‭ ‬عما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬اليوم‭.‬ لقد‭ ‬تبلور‭ ‬مشروع‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬سلالة‭ ‬تيودور،‭ ‬للتنافس‭ ‬مع‭ ‬إسبانيا‭ ‬والبرتغال،‭ ‬وبدرجة‭ ‬أقل،‭ ‬فرنسا،‭ ‬وقد‭ ‬راحت‭ ‬بريطانيا‭ ‬تقلد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬المؤسسات‭ ‬والممارسات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬العالم‭ ‬الأيبيري‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬إسبانيا‭ ‬والبرتغال‭ ‬اللتين‭ ‬كانتا‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬قوتهما‭.‬ خلال‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬كانت‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬نسختين‭ ‬أو‭ ‬ذات‭ ‬وجهين‭. ‬كانت‭ ‬النسخة‭ ‬الأولى‭ ‬أطلنطية‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الاستعمار‭ ‬واحتلال‭ ‬الأراضي‭. ‬أما‭ ‬النسخة‭ ‬الثانية‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬آسيوية‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أكثر‭ ‬توجهاً‭ ‬نحو‭ ‬التجارة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شركة‭ ‬الهند‭ ‬الشرقية‭ ‬أو‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬والتاج‭ ‬البريطاني‭.‬ تحولت‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الآسيوية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬احتلال‭ ‬مناطق‭ ‬شاسعة‭ ‬وتراكم‭ ‬الثروة‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬وإلى‭ ‬توسعها‭ ‬شرقًا‭ ‬باستخدام‭ ‬دبلوماسية‭ ‬الزوارق‭ ‬الحربية‭.‬ كانت‭ ‬حروب‭ ‬الأفيون‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬نتيجة‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬البريطانيين‭ ‬شددوا‭ ‬أيضًا‭ ‬قبضتهم‭ ‬على‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭. ‬أدت‭ ‬حرب‭ ‬الاستقلال‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬المستعمرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬قبضة‭ ‬بريطانيا‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلنطي‭.‬ ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬هيمنت‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬على‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وقد‭ ‬زادت‭ ‬في‭ ‬تكديس‭ ‬الثروات‭ ‬باحتلال‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الشاسعة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬جغرافية‭ ‬عديدة‭ ‬أخرى‭. ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬قيام‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬متناقض‭ ‬بشكل‭ ‬بارز،‭ ‬حيث‭ ‬يسود‭ ‬شكل‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬البريطانية‭ ‬فيما‭ ‬تمارس‭ ‬أشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الاستبداد‭ ‬في‭ ‬المستعمرات‭.‬ كانت‭ ‬بداية‭ ‬حكم‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيت‭ ‬الثانية‭ ‬مليئة‭ ‬بالتحديات‭ ‬والعقبات‭. ‬ففي‭ ‬خضم‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬التاريخية‭ ‬بدأت‭ ‬عملية‭ ‬تصفية‭ ‬الاستعمار‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬عملية‭ ‬تصفية‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‭ ‬لتشمل‭ ‬الثلاث‭ ‬الكبار،‭ ‬أي‭ ‬كندا‭ ‬وأستراليا‭ ‬ونيوزيلندا،‭ ‬لكنها‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬مستعمرة‭ ‬بريطانية‭ ‬رابعة‭ ‬وهي‭ ‬أيرلندا‭.‬ تم‭ ‬اتخاذ‭ ‬الخطوات‭ ‬الرئيسية‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬مع‭ ‬استقلال‭ ‬دول‭ ‬شبه‭ ‬القارة‭ ‬الهندية‭ ‬ثم‭ ‬استقلال‭ ‬معظم‭ ‬المستعمرات‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬حتى‭ ‬استقلال‭ ‬زيمبابوي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬التسعينيات‭.‬ كان‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين‭ ‬أن‭ ‬يعترفوا‭ ‬بأن‭ ‬الحجج‭ ‬المعتادة‭ ‬حول‭ ‬فوائد‭ ‬السلام‭ ‬البريطاني‭ ‬و«الاستبداد‭ ‬المستنير‮»‬،‭ ‬وفكرة‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬المستعمَرة‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬أطفالًا‭ ‬كبارًا‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تقنع‭ ‬أو‭ ‬تصمد‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬استمر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬قد‭ ‬جلبت‭ ‬فوائد،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لبريطانيا‭ ‬العظمى،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬للمستعمرات‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭.‬ تجلت‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬للأشياء‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬المالوين‭ (‬حرب‭ ‬فوكلاند‭) ‬ضد‭ ‬الأرجنتين‭ ‬عام‭ ‬1982‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بمسألة‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬الحرية‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬أمام‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬رونالد‭ ‬ريغان‭. ‬مضت‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيت‭ ‬الثانية‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬‭.... ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬جزر‭ ‬فوكلاند‭ ‬فُرض‭ ‬علينا‭ ‬بسبب‭ ‬العدوان‭ ‬السافر،‭ ‬وغني‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬أننا‭ ‬فخورون‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬يخدم‭ ‬بها‭ ‬جنودنا‭ ‬بلدهم‮»‬‭.‬ بمثل‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬الخشبية‭ ‬المعتادة‭ ‬أصبحت‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬مرادفة‭ ‬للحرية‭. ‬فضَّل‭ ‬غالبية‭ ‬رعايا‭ ‬صاحبة‭ ‬الجلالة‭ ‬مساندة‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬جزر‭ ‬فوكلاند،‭ ‬غير‭ ‬مدركين‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العدوان‭ ‬السافر‮»‬‭ ‬كان‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬إمبراطوريتهم‭.‬ على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬تمكنت‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى،‭ ‬التي‭ ‬هبطت‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬القوة‭ ‬الثانية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬المرتبة‭ ‬الثالثة،‭ ‬من‭ ‬اللعب‭ ‬بمهارة‭ ‬على‭ ‬علاقتها‭ ‬المتميزة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وقد‭ ‬ساعدتها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬ لكن‭ ‬هذا‭ ‬المحور‭ ‬الأنجلو‭-‬أمريكي‭ ‬مثَّل‭ ‬عقبة‭ ‬كأداء‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬اندماج‭ ‬أعمق‭ ‬لبريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬انسلخت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحنين‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬المستمر‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬البريطانيون،‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬المحور‭ ‬الأنجلو‭-‬أمريكي‭ ‬إلى‭ ‬الفشل‭ ‬الذريع‭ ‬الذي‭ ‬تجلى‭ ‬في‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬باختصار،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الموت،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬نوباتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬تأثيرات‭ ‬سياسية‭ ‬كبيرة‭.‬ {‭ ‬الكاتب‭ ‬مؤرخ‭ ‬أمريكي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬هندي‭ ‬وأكاديمي‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مؤلفاته‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الإمبراطوريات‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسيحية‭ ‬1500‭-‬1800‮»‬‭. ‬

مشاركة :