مع تراجع أسعار النفط دون 30 دولارًا، ورفع العقوبات الغربية عن إيران الأمر الذي قد يرفع صادراتها النفطية، وما تبع ذلك من توقعات بتراجع الأسعار إلى مستويات 10 دولارات، تتجه الأنظار من جديد نحو منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)؛ خاصة بعد سعي المفوضية الأوروبية للحصول على إمدادات من إيران كبديل للواردات من روسيا التي أدى دورها كمورد لثلث إمدادات النفط والغاز للاتحاد إلى انقسام في صفوفه. وفي ساعة متأخرة من مساء أول من أمس السبت، أعلن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة رفع العقوبات عن إيران؛ وقال ميغيل ارياس كانتي، مفوض المناخ والطاقة بالاتحاد الأوروبي، أمس الأحد، إن المفوضية الأوروبية سترسل في فبراير (شباط) أول «بعثة تقييم فني» لبحث العلاقات مع إيران في قطاع الطاقة بعد رفع العقوبات الدولية عن طهران. لكن الولايات المتحدة أعلنت أنها ستبقى «حذرة للتحقق من أن إيران ستفي بالتزاماتها» في السنوات المقبلة. وسيبقى الحظر الدولي على الأسلحة التقليدية والصواريخ الباليستية حتى عامي 2020 و2023 على التوالي. وتمتلك إيران (العضو في منظمة أوبك) رابع احتياطي نفطي في العالم، والثاني في احتياطي الغاز، وأدى احتمال عودتها إلى سوق النفط المشبعة بوفرة العرض وتراجع أسعار الخام إلى انخفاض أسواق المال الخليجية أمس الأحد بشكل حاد، خصوصًا السعودية، السوق الأكبر بين الدول العربية. وفي أول رد فعل من السعودية على تراجع أسعار النفط، وأسواق المال الخليجية بعد يوم واحد من دخول «الاتفاق النووي الإيراني» حيز التنفيذ، قال وزير البترول السعودي علي النعيمي إن استعادة الاستقرار بسوق النفط العالمية سيستغرق «بعض الوقت»، لكنه ما زال متفائلا بالمستقبل. وقال النعيمي في كلمة ألقاها، خلال مؤتمر في الرياض أمس الأحد، إن سوق النفط شهدت خلال تاريخها الطويل فترات من عدم الاستقرار والتقلبات الحادة للأسعار والدورات الاقتصادية النفطية، والوقت الراهن إحدى هذه الفترات، وإن قوى السوق والتعاون بين الدول المنتجة دائما ما يؤديان إلى استعادة الاستقرار الذي قد يستغرق بعض الوقت. وكان وزير النفط النيجيري قال على هامش آخر اجتماع لمنظمة أوبك في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إن أوبك ستتابع الأسعار جيدًا، وإذا رأت ضرورة لعقد اجتماع طارئ فمن المتوقع أن يكون قبل اجتماع المنظمة الدوري المقرر منتصف العام الحالي، وهذا ما فتح الباب لتكهنات بموافقة السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم على عقد اجتماع طارئ للمنظمة إذا استمرت الأسعار في الهبوط. وأجمع خبراء اقتصاد عرب على أنه حان وقت أوبك الآن لترتيب الأدوار وتنظيم سوق النفط العالمية، من خلال اجتماع طارئ تحرص فيه على تخفيض حجم إنتاجها، وعودة نظام الحصص السوقية، الذي سيؤدي بالتبعية إلى ارتفاع الأسعار. وقال نايل فالح الجوابرة، خبير اقتصادي إماراتي، إن «أسعار النفط حسب العرض والطلب، ولمواجهة زيادة العرض وانخفاض الطلب علينا النظر في الموازنة التي أقرت من كل دول الخليج خلال 2016»، متوقعًا أن تكون هناك اندماجات بين الشركات الكبرى مع زيادة الاقتراض خلال الفترة المقبلة لتجاوز تلك الأزمة. وأشار الجوابرة إلى أن «أسعار النفط لا يوجد لديها قاع سعري حتى الآن، وبالتالي على دول الخليج تحديد الأسعار المستهدفة لضمان مستوى مقبول مستقبلا». ونصح الخبير الإماراتي باجتماع طارئ لمنظمة أوبك لتخفيض الإنتاج وعودة الحصص الإنتاجية، نظرًا لعدم وجود قاعدة سعرية للنفط، مشيرًا إلى أن الاجتماع الأخير للمنظمة في ديسمبر الماضي كان سيقر خفض الإنتاج إلى 30 مليون برميل يوميًا، وهو لم يحدث نظرًا لعدم اتفاق جميع الأعضاء، وصارت هناك زيادة في المعروض بنحو 1.5 مليون برميل يوميًا. ووافقه في الرأي ضرغام محمد علي، رئيس مركز الإعلام الاقتصادي في العراق، الذي أكد على «ضرورة العودة إلى نظام الحصص السوقية كما كان معمولا به منذ عامين قبل أن ترفع السعودية والإمارات إنتاجهما لتعويض إنتاج إيران وليبيا وسوريا». واقترح محمد علي «إنشاء منظمة لتنمية موارد أعضاء أوبك، وإنشاء صندوق من الدول المنتجة يتم فيه استثمار فوائضها المالية وقت تحسن أسعار النفط لإسعافها أوقات التعثر»، مشيرًا إلى أهمية دعوة كبار المنتجين من خارج أوبك للانضمام لها لتنسيق سياسة نفطية عالمية مؤثرة. وقال كامل عبد الله، الخبير في مركز الأهرام الاستراتيجي في القاهرة، إنه على دول الخليج وأعضاء منظمة أوبك «ترشيد الإنفاق وتنويع مصادر الدخل وتقليل الإنتاج». وتوقع عبد الله هبوط الأسعار دون مستوى 10 دولارات، بعد عودة إيران لتصدير النفط، إذ إن غياب الإنتاج الإيراني عن السوق الدولية كان أحد أبرز الأسباب التي أسهمت في ارتفاع الأسعار حتى يونيو (حزيران) 2014 إلى مستويات 115 دولارًا للبرميل. أما عيسى مبارك، مؤسس «مبادرة مينا الصناعية» في البحرين، فأكد أن «المسألة كلها لها علاقة بالمحفزات الاستثمارية في أي إقليم، ودول الخليج تمتلك الكثير في هذا الجانب مما يجعلها منافسًا قويًا ومقصدًا للاستثمارات، ولذلك فالفرصة سانحة لدول الخليج لتعزيز جهودها نحو السوق الموحدة، فتسهل عملية نقل رؤوس الأموال والاستثمارات في ما بينها، ومراجعة شروط المستثمر الأجنبي؛ كل ذلك من شأنه إبقاء الدول الخليجية وجهات مرغوبا الاستثمار فيها». وأشار مبارك إلى أن «إيران لن تشهد تدافع الاستثمارات إليها بين ليلة وضحاها، بل يستغرق هذا وقتا حتى يحدد المستثمرون أولوياتهم وسبل دخولهم وما هي القطاعات التي يقصدون وطبيعة الاستثمارات وقوانينها؛ وهي أيضا أمور تتطلب الكثير من الوقت». وأضاف أن إيران فيها جانب مثبط للاستثمار يتمثل في طبيعة نظامها السياسي، والمعادلة الاقتصادية فيها صعبة تتطلب تلبية الكثير من المحاذير. وهذا أمر ستظل معه دول المنطقة الأخرى، لو سارعت في القيام بالخطوات، مقصدًا مهمًا للاستثمارات العالمية.
مشاركة :