أولوية موسكو الحفاظ على سوريا وليس الأسد

  • 1/19/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حديث له، أخيراً، مع صحيفة بيلد الألمانية أن بلاده منفتحة على إمكانية منح اللجوء السياسي للرئيس السوري بشار الأسد، في موقف يُشكّل بتزامنه مع محادثات جنيف، بشأن التسوية في سوريا، إضافةً للائحة الخيارات المطروحة على طاولة الحوار. إلا أن الطرح الروسي يستوجب الاحتكام للحذر، حيث إن فكرة نفي الأسد إلى روسيا لم يطرحها بوتين نفسه، بل محاوره الألماني الساعي لتحقيق سابقة إعلامية، سيما أنه بالكاد يمكن وصف ردّ الضيف الروسي بالحماسي. لطالما كان بوتين محنكاً سياسياً لا يقع في فخ تبني الطروحات أو نفيها، ويندرج رده حين قال إنه لا يزال من المبكر مناقشة وضع الأسد، في هذا السياق. اللجوء غير مستبعد ومن الأهمية بمكان أيضاً الإشارة إلى أن السؤال والإجابة لم يتطرقا إلى أي إطار زمني محدد، في حين يعتبر التوقيت في مسألة الأسد أساسياً. وعمدت التقارير الإعلامية الغربية إلى المبالغة في مدى التزام روسيا ببقاء الأسد ورجاله في السلطة، علماً بأن بوتين لم يستبعد مطلقاً إمكانية رحيل الأول من قصر الرئاسة السوري في نهاية المطاف. لكن المسألة العالقة بين الغرب وروسيا لا تتعلق باحتمالية حصول الأمر، بل بزمنه وتوقيته. أولوية روسيا تتمثل الأولوية بالنسبة لروسيا اليوم، كما كانت دوماً، في الحيلولة بأي ثمن دون الانهيار التام للدولة السورية، وقد دفع بها ذلك إلى شن تدخل عسكري مستعجل في البلاد، في سبتمبر الماضي، مخافة أن ينقض المقاتلون المناهضون لنظام الأسد وقوات داعش على دمشق وسحقها بالكامل. تقدم روسيا الدعم للأسد ليس من موقع الصداقة، أو الحلف السياسي في المقام الأول، ويدل على صحة ذلك تصرف بوتين الفوقي وموقفه البارد خلال زيارة الأسد الخاطفة إلى موسكو في أكتوبر الماضي. وإنما الدعم الروسي للأسد نابع من اعتبارات بوتين ومستشاريه القائمة على وقوف الأسد الحائل الوحيد بين سوريا والفوضى. من الصواب تماماً القول إن سوريا اليوم تقع في قلب الحرب الأهلية الدامية، وإن مساحات واسعة من أراضيها أصبحت خارج نطاق سيطرة الحكومة، إلا أن الساحة تخلو، بالرغم من حديث رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن 70 ألف مقاتل من المعارضة المعتدلة، من قوة سياسية أو عسكرية متماسكة وقادرة على خلافة الأسد. ويعتبر خارج نطاق الواقعية تماماً مطالبة الغرب برحيل الأسد، وإصرار قوى المعارضة السورية على عدم وجود تسوية ببقائه، وذلك طالما أنه لا يوجد شيء أو شخص يحل مكانه. أخشى ما تخشاه روسيا اليوم هو أن يتكرر سيناريو العراق وليبيا، حيث أدى التغيير القسري المتسرع للأنظمة إلى وضع متدهور أكثر سوءاً. ويصعب تفهم غياب القلق الغربي إزاء هذا الواقع، في ظل التكلفة المرتفعة للتدخل. مستقبل سوريا وتتخوف موسكو كذلك، محقةً، من أن يؤدي دمار الدولة السورية إلى انهيار المؤسسات التي يمكن أن تبنى عليها الحكومات فيما بعد، وأن تتفاقم الأمور وتزداد تدهوراً، أكثر مما هي عليه اليوم، ليس بالنسبة للسوريين وحسب بل للمنطقة بأسرها. ويتلخص موقف سوريا في هذا الإطار، بأن مستقبلها، وبالتالي الأسد، تحدده الانتخابات البرلمانية. ويمكن إخضاع هذا الموقف لمبضع الانتقادات لاعتبارات عدة، أولها أن الأوضاع الراهنة في سوريا اليوم، وفي المستقبل المنظور لا تفضي إلى انتخابات موثوقة النتائج، سيما لناحية وضعها في إطار المخطط الروسي الشيطاني لمساعدة الأسد لولاية رئاسية جديدة، أو على نحو أقل إقناعاً، التوهم بإمكانية الفصل بين مستقبل الأسد كفرد والحفاظ على سوريا كدولة. إلا ان عدم استبعاد بوتين لنفي الأسد يحتل أهميته الكبرى في إطار المباحثات العتيدة، ويشكل واحداً من الخيارات الكثيرة، التي تقف في مهب الريح. مزاح وحوار في حديثه لصحيفة بيلد، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ممازحاً محاوره الألماني، إن الأسد سيشكل لاجئاً أقل إشكالية لروسيا من بطل الويكيليكس إدوارد سنودن، وهذا أمر صحيح لا تعارضه بشأنه واشنطن على الأرجح. غير أن روسيا، في المقابل، لم ترحب كثيراً بزعماء وقادة دول منبوذين آخرين، ولم تفتح ذراعيها لاحتضانهم، وقد نفت موسكو تماماً، في وقت سابق، عرضها اللجوء السياسي على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، علماً أن أقاويل كثيرة انتشرت بخصوص عقد صفقة من هذا النوع مع واحد، أو أكثر من الأطراف الإقليميين. كما يتبادر إلى الذهن التساؤل عما إذا كان الأسد، خريج الجامعات البريطانية، سينظر إلى روسيا، وأكثر مناطقها اعتدالاً في سوتشي باعتبارها مقبولة.

مشاركة :