في ظل التحول الاقتصادي الكبير الذي تشهده المملكة العربية السعودية تبرز أهمية الدخول في تكتلات اقتصادية مع مجموعة من الدول ذات الاقتصادات الكبرى من أجل تحرير التبادل التجاري وتنسق السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وحماية المنتجات الوطنية وتحسين المناخ الاستثماري بتوسيع دائرة السوق والمساعدة على مواجهة المشكلات والأزمات، كما أن الشراكات الاقتصادية الثنائية من شأنها تعزيز فرص الاستثمار وتبادل المنافع، ولأهمية ذلك تم إنشاء المركز السعودي للشراكات الاستراتيجية الدولية، الذي يرتبط تنظيميا بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وقد تأسس في 21 نوفمبر 2017م لهدف تحقيق الانسجام وتوحيد جميع جهود المملكة في شأن شراكاتها الاستراتيجية الدولية مع دول العالم، يعمل المركز على بناء وتعميق الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية مع الدول التي تمتلك المكونات الأساسية والعمل معها لتسهيل تنقل البضائع ورؤوس الأموال بشكل أكثر سلاسة بهدف تقوية وتوسيع القطاعات الاقتصادية المختلفة واستحداث قطاعات جديدة وتوطين المعرفة وتنويع مصادر الدخل وزيادة تأثير المملكة إقليميا وعالميا، وترى المملكة أن الفرص الواعدة تتركز في دول شرق آسيا كالصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وأخيرا دخلت تايلند ضمن دائرة الدول التي تسعى المملكة إلى أن تبني معها شراكة اقتصادية قوية، تقريرنا في هذا الأسبوع يركز على الشراكة الاستراتيجية مع كوريا الجنوبية، التقديرات تُشير الى أن الصادرات السعودية إلى كوريا الجنوبية هذا العام قد تصل إلى 149 مليار ريال بنمو 71 % مقارنة بالعام الماضي، كما بلغت الواردات من كوريا الجنوبية نحو 18 مليار ريال بنمو 38 %، كما أن الشراكة مع كوريا الجنوبية تُعد من أهم الشراكات للمملكة وفرص تطوير هذه الشراكة واعدة نظرا للتقارب الشديد بين الدولتين، وهنا نستحضر بداية الطفرة الأولى في المملكة عندما أطلقت الحكومة العديد من المشاريع المهمة مثل الطرق والجسور ومشاريع البنية التحتية والصناعات المتقدمة وبناء منظومة الاتصالات وإنشاء العديد من المقرات الحكومية والشركات الكبرى والبنوك، فكان للشركات الكورية النصيب الأكبر من تلك المشاريع التي نُفذت بأعلى جودة، وبقيت شامخة حتى يومنا هذا شاهدة على تميز الكوريين وإتقانهم للعمل، الشراكة الاستراتيجية مع كوريا الجنوبية تم إطلاقها في عام 2016 خلال قمة العشرين التي عُقدت في الصين وخلال السنوات التي تلتها تم التنسيق على إطار هذه الشراكة والفرص الاستثمارية المتاحة وبناء على ذلك تبلورت الكثير من الاتفاقيات والشراكات، وبعد انتهاء قمة العشرين في بالي الإندونيسية هذا الشهر توجه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى كوريا الجنوبية، حيث تم إبرام 26 مذكرة تفاهم حول الاستثمار، 5 عقود بين الشركات الكورية ووزارة الاستثمار السعودية، 17 عقدا بين الشركات الكورية والسعودية، إبرام العديد من المشاريع المتعلقة بمشروع "مدينة نيوم الذكية" توقيع اتفاقية مشروع "شاهين" أكبر استثمار أجنبي في كوريا بـ26 مليار ريال، مذكرة تفاهم بين صندوق الاستثمارات العامة وشركات كورية لبناء مصنع الهيدروجين الأخضر والأمونيا بقيمة 6.5 مليارات دولار، مشروع "مجمع نيوم فيتا" بين سامسونغ للتجارة والهندسة مع صندوق الاستثمارات العامة لبناء 10 آلاف وحدة سكنية، اتفاقية بين هيونداي روتيم مع هيئة السكك الحديدية السعودية على التعاون بما يخص مشروع السكك الحديدية في نيوم، مشروع للهيدروجين الأخضر في نيوم بين مؤسسة الكهرباء الكورية وأكوا باور بـ 13 مليار دولار، قبل ذلك المملكة استثمرت في كوريا الجنوبية عبر ثلاث شركات من كبريات شركات المملكة برأس مال بلغ 6.35 مليارات دولار، توزعت على استثمار شركة أرامكو في قطاع الفحم والنفط والغاز من خلال شركتين وأربعة مشاريع، برأس مال 5.180 مليارات دولار، واستثمرت شركة "سابك" في قطاع المواد الكيميائية برأس مال مليار دولار، من خلال مشروع واحد وشركة واحدة، واستثمار الشركة المتقدمة للبتروكيماويات في قطاع البلاستيك، برأس مال 168 مليون دولار في قطاع البلاستيك من خلال ثلاثة مشاريع وشركتين، ومن الجانب الكوري الجنوبي، فقد استثمر عدد من أبرز الشركات الكورية في المملكة، من بينها شركة سامسونغ العربية السعودية، وشركة دي إل السعودية العربية المحدودة، والشركة العالمية للصناعات البحرية، وشركة رابغ للكهرباء، والشركة العالمية للبوليمرات، والشركة السعودية لأنابيب الصلب، وقد بلغت استثمارات هذه الشركات وغيرها ثلاث مليارات و66 مليون دولار، توزعت على 132 مشروعًا في قطاعات مثل التعدين والغاز والكهرباء والمحاجر والبخار وتكييف الهواء والنقل والتخزين والصناعات التحويلية والبناء والتشييد. المملكة لديها مشروع طموح بأن تكون من أهم دول العالم اقتصاديا من خلال تنمية قطاعي السياحة والترفيه، وقطاع الصناعات المبتكرة وتطوير التقنيات الحديثة، وأن تكون أحد أهم مُنتجي السيارات الكهربائية، والاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة التي تستند إلى الثورة الرقمية بما في ذلك الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، والحوسبة الكمومية، والتكنولوجيا الحيوية، وإنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات المستقلة وغيرها وهذا التحول الكبير يحتاج إلى شراكات استراتيجية مع دول متقدمة في هذا المجال.
مشاركة :